لا مراء ان جامعة التعاريف لرمز الوعي الاصطلاحي غير مرتبط باشتغاله الموضوعي وقاصر في مرجعية الدلالة فيه بين الالية والكينونة عبر ماهية الصفة والاكتساب وعبر عمقه الطبيعي والثقافي في إشكالية التأثير الفاعل في تشكيل الواقع بتمثلاته الرمزية والافتراضية وبين كياناته في تصنيف السلطة والمجتمع والنظام ، القوة والمعرفة ، وبين هذا الدفق الهائل من المفاهيم النسبية في ابعادها ومستوياتها في تشكيل الوقائع وفي التماهي مع المتضادات التي لا انفكاك بينها ، وديناميكية انتاج الجدليات المفتعلة والتوهماتفي الانشغال الفكري الاجتماعي عن تساؤلات تفرض هيمنتها الموضوعية على الاحداث والوقائع ، كيف يمكن لفعل الوعيالاجتماعي ان يتخطى ويخرق الجسد ويتحرر من النمطية التقليدية والمطابقة الافتراضية والتنظير الأيديولوجي واللاهوتي والسياسي ؟ كيف يمكن المطابقة على تشكيل فاعلية الوعي بهيئته الفردية والموضوعية باتساق متوازن ليكون محركا فاعلا في الارتباط الوثيق بالواقع وان ينبثق ويتبلور كسلوك وممارسات وقواعد فكرية إنتاجية داخل هيكلية القطاعات والروابط والعلاقات الاجتماعية ، وكيف يمكن حجب التخرصات والتداعيات والاصطناع الهائل الذي يخترق الوعي الاجتماعي في الأصل وبالتالي ينعدم شرط امكان الواقعة الاجتماعية بحد ذاتها ، في كل هذه العوالم والذوات وما يتشكل من الافتراضات والتسارع التقني في النظام العالمي . كيف يمكن تحليل وتفكيك وتحويل كل سفر المعرفة عبر التاريخ والحدث والخيال من الاشتغال على محدودية التأسيس لطريقة التفكير والرؤى ؟؟؟ ، قد يكون الخوض في فعل الوعي جدلية واهمة في اصل استدلالها وجذور معناها والغاز كائنيتها ، وتشابكها واشتباكها في توهم الذات ومنظومة الاجتماع ووسائل الإنتاج والأدوات المعرفية وتغايرها وتطورها عبر منظور السياسة والاقتصاد والدين والمعرفة ، هذا الفضاء اللانهائي من الامتدادات والانبعاثات التي يكون فيها فعل الوعي هامشا نمطيا تابعا لما حدث ويحدث .
فليس بمقدور فعل الوعي على الانسان ان يفكر بأبعد مما هو متاح من وسائل التأثير على العالم المحيط به وليس بإمكانه ان يعي ما يمكن ان يخالف كل ما يحيط به ، ولذا فانه ومنذ تمثل فعل الوعي في المعرفة البشرية فأن كل القوى والأسباب التي نظمت العالم الإنساني واللاإنساني كانت تتمثل تلقائيا حسب الأنماط والاطوار وصراع القوة والمعنى وتمثلات الواقع والخيال وأثر حاجة الفرد والمجتمع ، ولكن لم يتفوق الوعي على ان يتمكن من اختراق الحدود النمطية في التعاملات والإشكاليات العقلية في مديات حدودها المرحلية ، لم يخرج فعل الوعي في الاستباق بتأسيس المفاهيم والقيم من مجرد وضع الية التفكير بذاتها مقابل الواقعة الاجتماعية في تشكليها واصطناعها وتقبلها ورفضها ، وبالتالي فان فعل الوعي بحد ذاته هو مجرد نمط متوهم بانه قادر على التأثير في اصل الحدث او التحولات او الثورات في البدايات القديمة ، وهو عاجز تماما عن فصل إشكاليات المعنى واللامعنى في بعدها الطبيعي والإنساني , في الواقع الموضوعي والافتراضي وفي عمق الصراعات التي تنتج الحدث والواقعة والتصور ، وحيث ما وجد فعل الوعي فهو نمطي تقليدي يتبع الحدث ولا يخلق إمكانات جديدة كليا في فرضه لمفاهيم او تصورات تفوق ما يتبعه ، وكل انتاج الوعي هي تنظيرات تدور حول نفسها بدون انجاز ميداني حقيقي في تأسيس لاجتماع ومعرفة وسلطة ونظام ، بل ان فعل الوعي انتج تداعيات كارثية في التاريخ البشري بسبب استغلال السلطة لنمطية الوعي الاجتماعي في التحولات التي سرعان ما أخذت تشكل سلطات منفصلة عن اصلها وباتت تدير النظام حسب منظومة السلطة وليس حسب تطوير وابداع الفعل التوعوي الاجتماعي وترابطه في مفهوم تنظيم الدولة ،، فعصر التنوير انتج دول استعمارية ،، والاشتراكية أسست دكتاتوريات ، والديمقراطية انتجت خرق للتماسك الاجتماعي بفعل استغلال المفاهيم واستثمارها من قبل القوى التقليدية والاصولية ، وكل هذا يجري بمحصلة عدمية فعل الوعي فعلا في أي انقلاب جوهري في العلاقات والمفاهيم والقيمة والنمط والطور ، ويبقى الوعي في قصوره الذاتي من حتى تصور ماذا يحدث ولماذا يحدث ، وانشغال دعاته في اللغط والسفسطة بتشكيل الوعي الذاتي بمنطلقات تقارب الهراء والانحلال والاضمحلال عن المطابقة في حدها الأدنى ، وبارتدادات قد تكون كارثية في تشكيل النظام الاجتماعي وانفصال كيانه عن نظام المعرفة والسلطة .
وفي المطابقة فان فعل الوعي في حيز اشتغاله لا يمتلك الإرادة المستقلة عن البناء الاجتماعي في ثنائية التحدي والتجاوب بين الكائن والمتصور في نسق الفرد والمجتمع ووسائل المناقلة والتأثير والتحول والتغاير ، فلم يستبق الوعي البناء الأيديولوجي لسمات وشخصية وقواعد واصول التكييف والتماهي الاجتماعي مع الحدث والواقعة ، لانهما الأسبق في التوظيف والتأسيس للواقع المتصور والمصطنع والمفترض في الإنتاج ، بل ان الحدث هو من يفرض هيمنته المطلقة على كل إشكاليات المعنى واللامعنى في الواقع بما يمتلكه الحدث من وسائل الاعلام والتسويق الذي يتم توجيهه في الغالب لخدمة اجندات معينة تحت اشتغال منهجي قائم على فرض الفكرة و الأدلجة على الاجتماع بشكل مخزون هائل من التمثلات والبداهات والخيالات ومن ثم تصبح واقع يتشكل في الفكر والسلوك كعنصر أبستمولوجيا يترسخ ويتأصل في النظام ، فليس هناك عرض موضوعي مطلق للحدث في بنيته واصل دلالته وقوته واستثمار السلطة في الاشتغال عليه لصالحها ، وعبر كل ما انتجه التاريخ من تقنية معرفية وسلطة ، يترسخ البناء التراتبي ثم يبدأ بالدفق والانبثاث في اشكال وهيئات وصور ورموز مغايرة ومختلفة في خلق الوقائع نمطا بعد الاخر وطورا بعد الاخر في اكبر توهم وتصور وخيال ذهني بجدلية فعل الوعي في تشكيل حدث عابر يخرج من اقطاب البنى الأيديولوجية لمنظومة الاجتماع ، وكل الجدل حول فعل واعي من عقل وإرادة حرة ومبدعة للإنسان قادرة على تحريك التاريخ في ابعاد غير خاضعة لبنى غابرة في المخزون البنيوي الاستراتيجي لتأسيس نظام في بعد آخر مطلق سيكون جدل غير ذي جدوى ، فالتاريخ يثبت مرارا وتكرارا ان الاشتغال الذهني لا ينتج مطابقة حتمية مع فعل الوعي في نسبية الواقع ، بل ان الوعي في حد ذاته هو الية متابعة وتابعة وعاجزة تماما عن منح ذاتها أي معنى عدا الخوض في ما يحدث ، بلا أي تشكيل او استباق للأسباب والنتائج في الشكل والمحتوى في مختلف النسقيات الفكرية والفلسفية والأيديولوجية والثقافية والطبيعية وفقا للمدى المحدود جدا الذي يشتغل على الإحاطة به .
لا يملك فعل الوعي القدرة على تجاوز شروط امكان الواقع حتى من خلال التعامل معها إدراكا ونقدا ، فالوعي بحد ذاته ليس معطى مباشر ، والادراك هو معرفة وتصور وتخيل سابق على حضورنا ، ونحن نبدأ في فعل الوعي من خلال سفر من المفاهيم والشروط الأولية التي سبقت الحدث والحضور ، فقد كان انتاج الخيال الذهني للجنس البشري معقد جدا ومتفوق على ما هو طبيعي ، وباتت هذه الخيالات واقع متراكم ومتراكب من البداهات والمسلمات صعبة التفكيك والتحليل الى أصول الدلالة في البدايات وسفرها عبر التاريخ الإنساني ، ولذلك افترض العقل البشري مضمون الوعي كآلية تفكير لمحاولة فك الاشتباك الهائل من المعرفة السابقة وتأثيرها على الإمكانات الواقعة ، فليس هناك من يستطيع البرهنة على ماهية الوعي خلال سفر كل هذه الاستباقات ، فكما انه لا يوجد معطى قاطع على الوجود المادي ، ( وبذلك نقوم بالافتراض والاصطناع للتماهي مع الطبيعي ) ، فكذلك نقوم بافتراض فعل الوعي للتماهي مع إشكالات الواقع بروابطه واواصره الممتدة بين تمثلات السلطة والمعرفة ، وبين الحدث والواقعة ، ولذلك نبقى في دوامة أستدراك بين ما هو داخل وما بين هو خارج ، بين الفرد والموضوع ولذلك فان كل ما نملكه من أدوات هو النقد وإعادة التفكير والفهم في المديات التي تتشكل بالواقع ، وان نسعى لتوسيع المعرفة النسبية في الفضاء المتداول من اجل التعامل مع معطياته ضمن قواعد فكرية تشتغل على الإمكانات الموضوعية ،، وبهذا يكون التعويل الاستباقي على فعل الوعي في التغيير بما هي الشروط الحالمة ،، توهما متعالي الطور والامكان ، بل مجرد ارتهان ومعالجة الهراء بالهراء .