الوثيقة الصادرة عن الأمانة العامة لمجلس الوزراء وممهورة بتوقيع السيد مهدي محسن العلاق الأمين العام لمجلس الوزراء، يمكن اعتبارها فضيحة من الوزن الثقيل في السذاجة الإدارية التي نعاني منها منذ سنوات طويلة.
بدا الكتاب المعنون إلى مؤسسات الدولة كافة وكأنه يتعمّد اقتراف أكبر قدر ممكن من الإساءة الى المواطن العراقي، وإطلاق الكثير من الاسئلة، إذ كيف استطاع مهدي العلاق أن يصدر إعماماً للعراقيين يحذّرهم فيه من عدم تسلّم بطاقة الناخب، والأغرب أنّ مجلس الوزراء الذي يعمل فيه مهدي العلاق موظفاً مرموقاً أنكر معرفته بالأمر وأصدر بياناً يخبرنا فيه أنّ رئيس الوزراء مثلنا صدمه الكتاب الصادر عن الأمانة العامة لرئاسة الوزراء، وأنه طالب بإجراء تحقيق فوري بملابسات هكذا كتاب صدر عن الأمانة العامة لمجلس وزراء الصومال!
من باب إهدار الوقت في ما لا ينفع، أن ينشغل أحدٌ بتحليل ردّ رئيس الوزراء واستغرابه، أو الردّ على ما اشتمل عليه كتاب مهدي العلاق من إهانة لملايين العراقيين، هنا يجب التوقّف عند الطريقة التي صدر بها الكتاب، وطرح سؤال بسيط: هل تعمّد مكتب رئيس الوزراء ومعه الأمانة العامة أن يظهرا على هذه الصورة المثيرة للشفقة، حدّ الفضيحة، لصرف الأنظار عمّا حصل من تحالفات عابرة للوطن؟
قبل الإجابة، يصحّ أن نضع سؤالاً آخر، بعد فضيحة كتاب أمانة رئاسة الوزراء هو : إذا كان مكتب رئيس الوزراء قد تقمّص دور الذي لايعلم بالفضيحة ، وادّعى أنه لا يُجبر أحداً على الانتخابات ولا يرضى بتهديد مواطن ، فلماذا لم يستغلّ الفرصة، ويطبّق القانون بحقّ موظف كبير استغل منصبه ليرفع العصا بوجه الملاين مهدّداً بقطع أرزاقهم؟!
والسؤال الأهم مَن هو المسؤول عن الحال التي وصلنا إليها؟ إذا أردتَ جواباً مختصراً ومقتضباً، فإنّ العراقيبن أنفسهم يعيشون في سباتهم، واستقالتهم من أدوارهم ومن مستقبلهم. والبعض منهم عيّنوا أنفسهم مدافعين عن الساسة الطائفيين، بل إنّ البعض لا مهمة له سوى إشاعة عبارة “هذا من جماعتنا”، لأنّ ساستنا يرون أن الحلّ لأزمات العراق هو في تحويل الشعب إلى قبائل وطوائف، مطلوب من الكل أن يبحث عن “جماعته”.
كتاب العلاق جدير بالدرس، لا بالقراءة فقط. إنه صورة لما هو عليه الحال في العراق الآن. إنه يشبه حكاية الإصلاح التي خُدعنا بها السنوات الماضية.
كنتُ أبحثُ عن موضوع لزاويتي، ونويت أن أكتب مقالاً عن عودة الوعي عند توفيق الحكيم، ولكنني خفتُ أن يسخر منّي القرّاء فيرمون الصحيفة جانباً، فأنقذني مهدي العلّاق، وواجب الامتنان يلزمني تقديم الشكر له.