هنالك اواصر وشيجة في العلاقات العراقية اللبنانية فكرا وثقافة وتصاهرا، حتى صارت بيروت وجهة للعراقيين في الدراسة والسياحة منذ الازل، وقد تجذرت في الثقافة اللبنانية المجتمعية مفردة يطلقها العامة والخاصة لكل من يبان عليه معالم الترف المجتمعي والمغالاة في التبطّر والاستعلاء، ان فلان “يتبغّدد” اي صار يشبه البغداديين والاصح يشبه “البّغادة”.
تعاشقت تلك الثقافات ابان المدّ القومي في لبنان وسوريا والعراق فكريا واجتماعيا، كما هناك وجهة اخرى لشيعة لبنان لزيارة مراقد الأئمة في النجف وكربلاء.
تلك مقدمة للعلاقات الطيبة والترابط الشعبي بين البلدين، وما يهمنا في كتابة المقال ان نسلط الضوء على حادثة القلمون بنقل الدواعش للحدود العراقية بقرار القيادات اللبنانية لتفتك بالشعب العراقي بلطجة وإجراما، دون النظر لوشائج التاريخ بين الشعبين.
الامر في لبنان في ما يخص الشأن العراقي ببساطة، هنالك فريقين في المشهد السياسي اللبناني، الاول من كان متعاونا مع المخابرات العراقية ايام النظام السابق في بغداد، بدأ يصرخ ليل نهار يسب العراق والعراقيين ليبعد تهمة عمالته للمخابرات العراقية آنذاك، ونغمز لهم ان بغداد كان فاعلا بالساحة اللبنانية منذ ذهاب طلائع القوات الخاصة للألوية ٣١، ٣٢ والمتطوعين عام ١٩٧٥، ومقراتهم في بيروت والجنوب اللبناني في النبطية، وحتى الدعم المباشر للعماد ميشال عون رئيس جمهورية لبنان الحالي، ووردنا اسم فخامته انموذجا للتعاون مع بغداد لان القوائم تطول بالمتعاونين من مختلف اطياف الشعب اللبناني.
اما الفريق الاخر الذي لم تسنح له الفرصة بالعمالة لبغداد وقتها، فكان ملاذه الارتماء باحضان طهران، وبذلك يصرخ ليل نهار بشتم بغداد ليرضي ولاية الفقيه، حتى صار ايرانيا بالعداء للعراق اكثر من الإيرانيين أنفسهم.
الفريقان اجتمعت رؤاهم ضد الشعب العراقي ما بعد عام ٢٠٠٣، اما ما قبلها نجد ان المواقف قبل احتلال العراق كانت واضحة للعيان، ولو تناولنا ابرزها موقف السيد حسن نصرالله بمطالبة المعارضة العراقية بفتح قناة الحوار وإجراء مصالحة مع صدام حسين ورفض الإطاحة به.
ويمكننا القول ان اغلب الجهات اللبنانية الداعمة لصدام حسين هي من اثّرت بواسطة عقود مذكرة التفاهم التي قادتها الامم المتحدة ” النفط مقابل الغذاء” وكانت البنوك اللبنانية مركزا لتمرير صفقات مشبوهة لحساب حكومة بغداد للالتفاف على مقررات الامم المتحدة على حساب الشعب العراقي خدمة للنظام حينها.
ما حدث بعد عام ٢٠٠٣ وسقوط الدولة العراقية حتى تواجد الكارتل التجاري اللبناني في بغداد وصار وجهة غسيل سرقات المال العام تتم عن طريق البنوك اللبنانية، وفتحت مكاتب تجارية مدعومة ايرانيا في العراق تتلاقف العقود الحكومية، وكان اخرها فضيحة المقاول “فران” في البصرة واستحواذها على غالبية الفرص الاستثمارية والتعاقدية والسمسرة في العمولات والتوسط ما بين الشركات الراغبة بالحصول على التعاقدات باستحصال أموال طائلة لكون تلك المكاتب لها اليد الطولى بين الاحزاب الاسلاموية، لسبب ان طهران جعلت من حزب الله وبشخصية معروفة للقاصي والداني ينصب المسؤولين في مراكز الدولة العراقية لقاء عمولات وتعهد بفتح تعاقدات تلك الوزارات على مصراعيها لمكاتبهم المنتشرة في العراق .. حتى صار ذلك المكتب في بيروت كعبة يحج اليها المسؤولين العراقيين سنة وشيعة لدفع الاتاوات وتحقيق الامنيات بالاستحواذ على المواقع المتقدمة في الوزارات، وكل ذلك برعاية إيرانية لتخفيف كاهل حكومة طهران في تمويل حزب الله.
ان ما حدث في القلمون بالتفاوض مع فصائل داعش هو الجناح القطري، ليس من باب التنزيه للفصائل المدعومة سعوديا وتركيّا وإيرانيا في سوريا، ولكن التقارب الايراني القطري وما ألقى بظلاله على حزب الله جعل التفاوض ميسّرا برعاية إيرانية قطرية بغية إيصال اكبر عدد ممكن من الدواعش لمنطقة التنف لمشاغلة التواجد الامريكي هناك بغية استمرار خطوط إمداد الدعم اللوجستي الايراني لقطعاتها في سوريا وحزب الله.
يبدو ان السيد حسن نصرالله قد كشف عن جانب مهم ،قصور رؤاه في فهم سيكولوجية الشعب العراقي، والسنوات التي جعلته متبغّددا على بغداد بالرعاية الايرانية بنظرة فوقية لم يحسب حساب نباهة الشعب العراقي، وان التبغّدد سمة العراقيين منذ الازل.
ولا يسعنا الا ان نردد اغنية كاظم الساهر “يتبغّدد علينا واحنا من اهل بغداد”