تتزامن مع كل تجربة سياسية جديدة , او ثورة شعبية , او انقلاب على النظام السابق , ظهور عدة سلبيات , ومنها : قلة الخبرة وانعدام الكفاءة في ادارة الملفات السياسية والامنية والخدمية والاقتصادية … الخ ؛ بالإضافة الى الفساد والاستئثار بالمناصب … الخ ؛ الا ان المفلت في النظر , فيما يخص التجربة الديمقراطية الجديدة بعد سقوط صنم الدكتاتورية والدموية والطائفية عام 2003 في العراق ؛ ان الكل وبلا استثناء قد حارب التجربة وحاول اجهاضها بشتى الطرق والوسائل المشروعة والقذرة … .
كل الدول والشعوب والانظمة العربية والاسلامية والدول المجاورة واغلب الحكومات الاجنبية ؛ فضلا عن دوائر المخابرات الدولية ؛ وقفت ضد العملية السياسية في العراق ؛ البعض منهم ادعى ان نجاح التجربة الديمقراطية في العراق يعني نجاح الامريكان واسقاطها يعني افشال الامريكان ؛ والبعض الاخر هاجم العملية السياسية لدوافع طائفية وقومية , والبعض الثالث استغل هذه الظروف الاستثنائية لتحقيق اهداف سياسية منكوسة تلحق افدح الاضرار بالعراق والاغلبية والامة العراقية ؛ بالإضافة الى تصدع الجبهة الداخلية ؛ اذ عمل بعض الكرد الانفصاليين والسنة الطائفيين والتركمان القوميين المرتبطين بالمشروع التركي , وشراذم البعثية والمرتزقة وحمقى الاغلبية على افشال التجربة وعرقلة الخطوات الايجابية وتشويه معالم الديمقراطية والحرية والمدنية من خلال الصاق شتى المثالب والفضائح والافتراءات بها , ولعل مقولة المنكوس سعد البزاز الشهيرة تكشف لنا حقيقة الامر ؛ اذ قال : (( هاي مو دولتنه ولازم نخربهه )) , بالإضافة الى سيطرة الامريكان على مفاصل الدولة وبعض الوحدات العسكرية والاجهزة الامنية , وتغلغل عناصر الدولة العميقة في المشهد السياسي … .
ومن اخير المهازل والفضائح والمسرحيات المفتعلة وليس اخرها ؛ تداول مقطع فيديو يظهر فيه ضابط في الجيش العراقي برتبة “مقدم” يقوم بصفع وضرب زميل برتبة “عقيد” يعلوه بالرتبة مما حدا به بالبكاء، الأمر الذي تسبب بجدل كبير على وسائل التواصل الاجتماعي، اذ تداولت بعض مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو لاثنين من الضباط تصرفا خلاله بشكل لا يليق بالرتبة العسكرية وخارج الضوابط والسياقات العسكرية المعمول بها… ؛ والبعض ادعى ان هذا الفيديو عبارة عن مزحة , بينما ذهب البعض الاخر الى انه حقيقي ويعكس اخلاق الضباط الذين ظهروا فيه وصوروه , وقد جزم البعض الثالث بأن هذا الفيديو مقصود وتقف وراءها اجندات سياسية منكوسة ومشبوهة تستهدف العملية السياسية والحكومة الحالية لاسيما وان الضباط كلهم ينتمون للطائفة السنية الكريمة ؛ فالاثنين اللذان اهان احدهما صاحبه الاخر هما برتبة مقدم وعقيد , والذي قام بالتصوير مقدم , والذي نشر الفيديو مقدم ايضا , وقيل غير ذلك , والقابهم كالتالي : الدليمي , المصلاوي , النعيمي , الشمري ؛ وكلهم من ابناء الطائفة السنية الكريمة ؛ وتمت محاكمتهم عسكريا وطردهم من الجيش بالإضافة الى الحبس … .
وكالعادة هجمت الجيوش الإلكترونية , وخفافيش الظلام وشياطين (الكيبورد) , وشراذم الطائفية والبعثية وايتام النظام البائد , والاعراب وفلول الحاقدين , والمرتزقة والمأجورين , والانفصاليين ومن لف لفهم , على الاغلبية العراقية الاصيلة , وقذفها بمختلف التهم والمثالب , من قبيل : (( الشيعة مال ذل ومذلة حتى ضباطهم اذلاء , ضباط دمج , هؤلاء ضباط الشيعة , شرجية , ضباط حشد , انهان الجيش العراقي , وين جان الجيش العراقي … ومن هل الخرط والكلاوات والاسطوانات المخرومة … الخ )) .
علما ان الفضائح والسلوكيات المنحطة والتي كانت تحدث في الجيش الصدامي والبعثي , وبين الضباط والمراتب , والمذكورة في مذكرات وقصص وروايات ولقاءات الكثيرين ؛ تفوق الوصف ويعجز القلم عن احصائها .
ان اردت ان تنتقد شيء فيلزمك الالمام به , والاحاطة بكل جوانبه وخفاياه , فيجب علينا ان لا نطلق التهم الجزاف والاحكام الجاهزة والعناوين المفبركة دون مراعاة الجوانب والظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية … الخ .
ما أساءني هو ترديد هذه الجملة التي تستخدمها بعض المنصات والمواقع الالكترونية والصحف والفضائيات العراقية المنكوسة والعربية الطائفية : ((الشيعة مو مال حكم )) وتداولها بين الاوساط الاجتماعية والاعلامية العراقية والعربية , ثم إن اصحاب هذه المواقع والمنصات والفضائيات يرسلون الدعايات وينشرون الاشاعات ويفبركون الاحداث ويصنعون المسرحيات … ؛ ويرسلوها ارسال الحقائق و المسلمات التي لا سبيل لدحضها ؛ وعندما يرصدون انجازات حكومية هنا او هناك ؛ يغضون الطرف ويفقدون افواههم ويغرقون في بحر من الصمت , وكأن على رؤوسهم الطير ؛ وان اجبرتهم الضغوط الاجتماعية والاصوات الوطنية على الحديث , ولكي يظهروا بمظهر الحيادية والمهنية والموضوعية ؛ تكلموا همسا , واشاروا اليها لمزا وغمزا … .
والاصرار على سلوك هذا النهج المنكوس في التعاطي مع الاحداث والوقائع والشخصيات العراقية والشيعية ؛ يكشف لنا حقيقة هؤلاء الاعداء والعملاء والدخلاء والغرباء الذين يعملون جاهدين على تشويه الحقائق وقلب الوقائع رأسا على عقب , وبث الشائعات والدعايات , والمبالغة في تضخيم الاحداث والغلو في الادعاءات ؛ لخدمة فكر إيديولوجي طائفي وعنصري منغلق ومتخشب … ؛ فمن غير المعقول والمنطقي الادعاء بكون الشيعة هم اصحاب القرار الاوحد في العراق ؛ او انهم يتمتعون بالحكم المركزي القوي كما هو الحال في عهد صدام سابقا , او كما هو الحال في حكم البرزاني لأربيل ودهوك حاليا .
ما ذنب الشيعة ان ارادت قوى الاستعمار والاستكبار ؛ للعملية السياسية ان تكون بهذا الشكل الهجين والمشوه والمشلول والضعيف …؟!
منذ البداية اراد الامريكان للتجربة السياسية الجديدة في العراق ان تكون بهذه الصورة المقلوبة والصيغة المنكوسة ؛ والتي لا تسمح للأغلبية العراقية بالسيطرة على مقاليد الحكم في العراق ؛ واتخاذ القرارات بمفردهم وبمعزل عن باقي مكونات الامة العراقية … ؛ وعليه ليس من الانصاف ان نصف الشيعة بالفشل او انهم ليسوا اهلا للحكم ؛ فأن كان هنالك فشل فالكل يتحمل مسؤولية ذاك الفشل واولهم الامريكان والبريطانيين بالإضافة الى الكرد والسنة وغيرهما … .
الشيعة لم يحكموا العراق حكما مطلقا كي يفشلوا ؛ واليكم مثالا يوضح المطلب : لو أوكل احد الاشخاص بناء عمارة سكنية تتكون من عشرة طوابق ؛ لسبعة من المهندسين … ؛ وبعد الشروع في العمل لبرهة من الزمن … ؛ توقف العمل ولم يكتمل بناء العمارة ذات الطوابق العشرة ؛ عندها ماذا تتصور ردة فعل صاحب العمارة … ؛ هل يحمل المهندس الفلاني المسؤولية دون الاخرين ؛ ويعفي الستة الباقين من تبعات توقف العمل وما ترتب عليه ؛ ام ان الجميع مشتركون بالمسؤولية القانونية والاخلاقية امامه …؟!
ولو اجبتم بجواز تحميل ذلك المهندس المسكين تبعات توقف العمل لوحده ؛ لما قلتم الحق ولجانبكم الصواب والصدق … .
و عليه : كيف يصح اطلاق هذه العناوين والألقاب على الشيعة وهم براء من كافة القرارات المصيرية والكبيرة التي تمت بضغوط امريكية وغربية واقليمية وبمشاركة الجميع من دون استثناء … , وهل يصح تحميل الشيعة تبعات وتداعيات خراب ودمار فترة الحكم البعثي الصدامي والحكومات العراقية الطائفية السنية المتعاقبة … ؛ ولو اجزت هذا ؛ فمن الحق البعض اطلاق عنوان : ( حكم السنة والمجاعة ) على عقود حكم الحكومات السنية الطويلة والتي استمرت 83 عام تقريبا ؛ اذ لو اردنا الحق وتحرينا الصدق وطلبنا اجراء المقارنة العادلة بين الحكمين وبينا مزايا وسلبيات وايجابيات كلا منهما ؛ لوجب علينا اعطاء الشيعة فرصة في الحكم كالتي حصل عليها السنة والذين حكموا العراق فيها ولمدة 83 عام تقريبا ؛ بحكم مركزي ومطلق ولم يشاركهم في القرار المصيري احد ,و كانوا مدعومون من اغلب الدول العربية والاسلامية والعالمية … ؛ ثم نقيم مسيرة العهدين بعدها .