23 ديسمبر، 2024 4:15 ص

فضيحة ديمقراطية في العراق!

فضيحة ديمقراطية في العراق!

بعد أن انتهت الانتخابات البرلمانية العراقية الكبرى في الساحتين العسكرية والمدنية، بدأ مارثون الاتهامات بالتزوير مع أولى (بشائر) نتائج الانتخابات، مما جعل غالبية المتابعين للشأن العراقي من الإعلاميين والمحليين السياسيين وغيرهم يميلوا لفرضية أن نتائج الانتخابات ستتأخر على الرغم من تأكيدات المفوضية على سرعة إظهارها مع وجود أجهزة العد والفرز الالكترونية التي كلفت العراق أكثر من مائة مليار دولار!
الاتهامات كانت واضحة وعلنية، في البداية كانت من الأطراف التي تتوقع الخسارة وبعدها كانت من القوى والشخصيات الخاسرة، وجميعهم أكدوا وقوع عمليات تزوير منظمة جرت داخل العراق وخارجه، وللتاريخ ينبغي أن نذكر أن مرشح جبهة تركمانية في كركوك حسن توران أول من وقف بوضوح ضد التزوير في الانتخابات البرلمانية، وقد أصدرت مفوضية الانتخابات قراراً “بتغريمه بمبلغ 50 مليون دينار بسبب التحريض ضد المفوضية والتشهير المخالف لقواعد السلوك”.
ثم توالت بعد ذلك الأصوات الخاسرة والمتضررة بالصراخ والنعيق على نتائج الانتخابات!
مقابل الطرف الخاسر الهائج لاحظنا أن الأطراف الفائزة حاولت تعويم القضية والاتجاه نحو اتهام الأطراف الخاسرة بأنها وراء هذه الاتهامات غير الدقيقة، وهذا الكلام فيه جانب بسيط من الدقة والصحة، لكن الأدق والأصح أن عصابات إدارية منظمة كانت وراء عمليات التزوير التي حدثت في الاقتراع الخاص وانتخابات الخارج وبالذات في الأردن وسوريا وتركيا؛ وربما في غير هذه الدول لكن يبدو أنها لم تكتشف، وكذلك في داخل البلاد.
عمليات التزوير المنظمة تمت في معسكرات النزوح – وربما تم استغلال الظروف المعيشية الصعبة التي يعاني منها هؤلاء- وكذلك وقعت في مدن الأنبار والموصل وديالى وكركوك، لأنها مدن غير مستقرة، والفوز فيها للأقوى، وليس للأفضل!
حكومة بغداد حاولت في بداية الأمر- قبل 25 يوماً تقريباً- أن تؤكد شفافية الانتخابات وأن المواطن مارس التجربة بحرية كبيرة، لكن مع بروز “الفضائح الإعلامية المتوالية الكاشفة للتزوير” اضطر الجميع للتوقف قليلاً، وبالذات مع وصول الأمر إلى عموم الشارع العراقي بأن هنالك تزويراً منظماً، وكان ابرز المتحدثين عن التزوير (لاحقاً) النائب مشعان الجبوري الذي أكد بالأدلة حصول عمليات بيع وشراء للأصوات وتزوير للأوراق الانتخابية في فندقه بدمشق.
ونتيجة لهذه الضغوط البرلمانية والإعلامية والشعبية – والمصلحية الشخصية النيابية- أجرى مجلس النواب في العراق – الأربعاء الماضي- تعديله الثالث على قانون الانتخابات، كما صوت على إيقاف عمل أعضاء مفوضية الانتخابات وانتداب تسعة قضاة للإشراف على عمليات العد والفرز اليدوي لنتائج الانتخابات النيابية، وصوت كذلك على تعديل قانون الانتخابات بإلغاء المادة 38 الخاصة بالعد والفرز بجهاز تسريع النتائج الالكتروني.
ومع انتهاء جلسة البرلمان بدأت الشكوك تثار عن الأسباب الموجبة للقرار هل فعلاً عمليات التزوير أم هي بداية لمرحلة جديدة من التزوير، وبالذات من الأطراف الفائزة، والتي ربما رضخت للضغوط الخارجية التي أرادت التغطية على الفضيحة الديمقراطية؟
قرارات المفوضية واستقدام آلاف الموظفين لعمليات العد والفرز الجديدة هي مناسبة أخرى للفساد المالي عبر تسجيل أسماء وهمية لموظفين، والحصول على مكافئاتهم! ثم إذا كانت النتائج الماضية زورت – رغم وجود ممثل لكل كيان في آلاف المراكز الانتخابية- فكيف يمكن ضمان مصداقية عمليات العد والفرز الجديدة، وذلك لأن الأسباب الموجبة للتزوير في المرحلة الماضية ما زالت قائمة؛ ولهذا أتوقع أن النتائج ستكون مطابقة بنسبة ربما تتجاوز الـ90%، لأن النتائج الجديدة إذا كشفت أن نسب التزوير مرتفعة فهذا يضرب مجمل اللعبة السياسية في العراق، وهذا ما لا تريده الأطراف الداخلية والخارجية اللاعبة في الساحة العراقية!
وفي تطور خطير – ويؤكد التلاعب والتزوير في الانتخابات البرلمانية- أقدمت أطراف فاعلة في المشهد العراقي عصر يوم الأحد الماضي على افتعال حريق كبير في مخازن الرصافة التي تضم صناديق الانتخابات البرلمانية التي انتهت قبل ثلاثة أسابيع!
وعقب التهام الحريق لكافة الصناديق قال رئيس اللجنة الأمنية في مجلس محافظة بغداد محمد الربيعي “إن حريقاً كبيراً التهم أكبر مخازن صناديق الاقتراع وسط بغداد قبل إعادة العد اليدوي، وأن جميع صناديق الاقتراع المودعة في مخازن قاطع الرصافة قد احترقت”.
وحتى اللحظة لم تؤكد الحكومة عدد الصناديق المحترقة، وهل سيتم إعادة الانتخابات أم أنها ستمضي في طريقها غير المعبد تجاه تشكيل الحكومة القادمة؟
الحقيقة المرة التي تحاول غالبية الأطراف الفائزة بالدرجة الأولى والخاسرة بالدرجة الثانية التغطية عليها هي أنه لا توجد ديمقراطية في العراق، وكل ما في الأمر هنالك كلام عن الديمقراطي، وغياب فعلي لتطبيقها على أرض الوطن لأن تفعيل الديمقراطية حقيقة وفسح المجال أمام المواطن ليقول رأيه دون ضغط، أو ترهيب، أو ترغيب سيجعل الغالبية العظمى من السياسيين خارج الملعب، وحينها سيفقدون كافة المكاسب الاعتبارية والمالية التي لم تخطر ببالهم في يوم من الأيام، وهذا ما لا يريده غالبية ساسة العراق!