23 ديسمبر، 2024 1:06 م

فضائيات وموبايل وانحطاط

فضائيات وموبايل وانحطاط

اثار انتباهي كلام الخطيب احمد الصافي في خطبة الجمعة في كربلاء, حيث تناول الخطيب موضوع هام جدا, يخص التحديات التي يتعرض لها المجتمع والعائلة العراقية, الا وهو التأثيرات السلبية لمواقع التواصل الاجتماعي, فما تشهد المواقع عبارة عن عمليات هدم ممنهجة للذات, من دون ان يدرك المتلقي ما يراد به من تحطيم, بل هو يشعر بانه يحسن صنعا وان ذاته في رقي وتطور, لكنها الغفلة الخطيرة التي تلف المجتمع والعائلة.

ما زلت اتذكر جيدا كانت هنالك التحذيرات شديدة في التسعينات, من حرب العولمة التي يراد منها تدمير الحصون الثقافية والاندماج بالمثال الغربي, ولأننا كنا في عزلة بسبب سياسات صدام, فان الراديو كان منفذنا الوحيد للعالم كي نفهم طبيعة تحدي العولمة, وكان الكتاب والبرامج الاذاعية العربية تتحدث عن الموضوع باعتباره خطرا جسيما سيواجه المجتمعات, لكن بعد عام 2003 صوت التحذيرات خفت بل لم نعد نسمع له صوتا, كأن هنالك رضا واندماج معه! فكما يقال في المثل “كثرة الضرب على الحديد تجعله يلين”.

ساحاول في السطور اللاحقة تبيان مراحل التهديد الحالية بعيدا عن التعمق في فلسفة ما يطرح والقواعد المعتمد عليها.

اولا: صياغة مبادئ جديدة للمجتمع

من اهم اهداف العولمة هو صنع مجتمعات بمبادئ جديدة, مجتمعات بصورة قبيحة لا تملك عناصر القوة التي تميزت بها طيلة قرون, هذا المبادئ الجديدة هي على النقيض من الفطرة الانسانية, وباستمرار التلقين يتحول الانسان الى فاعل بمبدئ جديد, فالصور التي يستلمها تخزن الى ان يصبح ذات يوم مهيئ للفعل كما في الصورة المتلقية, لذلك نجد اليوم تطبيقا مخيفا لمبدئ الخيانة بكل صوره, بدافع المصلحة الخاصة او الشهوة.

فيتم طرح مواضيع الخيانة, الكذب, السرقة, الخداع, وغيرها من القبائح على انها سلاح الانسان في هذه الحياة الصعبة لكسب حقوقه.

ونطرح هنا مثلا اوليا لذلك, حيث ركزت الدراما المدبلجة او الدراما العربية على مواضيع الخيانة, وتصويرها بانه حق لتعويض الفقد, وباستمرار ضغط ساعات البث الطويلة على المتلقي مما جعله يصبح مستعد تماما للفعل القبيح بأقرب قرصة تتاح له, ثم يتجه للموبايل فيجد مجتمع المواقع التواصل الاجتماعي يروج ويشجع على ما تطرحه الفضائيات من قبح! فيصبح قريبا جدا من التحرك وفق معطيات ما يستلم من معلومة وصورة.

وبعد الخطوة الاولى في عالم القبح فانه لن يتوقف فمبادئه الجديدة هي من تحركه.

وينطبق هذا الامر على مواضيع القتل والنفاق والكذب والسرقة والتي اوجدت لها العولمة تبريرات تجعل منها امرا لابد منه ان يحصل, بل ان فاعلها انسان سوي يفهم بعمق ما يفعل! ويمكن اعتبار العولمة احد اهم اسباب الفساد في العراق, والا قبل هذه العاصفة لم يكن الامر بكل هذا القبح.

ثانيا: صياغة الشتائم والايحاءات الجنسية

يجب ان احدد هنا قضية هامة, وهي ان الشتائم يتم اعدادها في مصانع خاصة (القنوات الفضائية), بحيث يتقبلها المتلقي بصدر رحب, ثم بعد ان تنتج وتطرح يأخذها المتلقي ويروج لها عبر مواقع التواصل الاجتماعي, الى ان تنتشر كانتشار النار في الهشيم.

وهكذا يتم تطوير منظومة الشتائم والكلام القبيح بشكل يومي, والعجيب ان يجد الانسان الفاعل للشتيمة تشجيعا كبيرا داخل المواقع التواصل الاجتماعي, هنا ندرك مدى الانحطاط الذي تغرق به فئات مجتمعية واسعة.

والا كيف يمكن تفسير هذا الكم الهائل من المفردات القبيحة والكلام الجنسي والتي دخل عالم التطبيق في حياتنا, سأركز هنا على رافد مهم وهو ما تنتجه الفضائيات من طرح للسلوكيات المنحرفة والتي يتم الترويج لها باعتبارها نموذج عصري للإنسان المتطور, كما يحصل مثلا محليا عبر شخصية “ابو الذوق” الموجود في برنامج ولاية بطيخ, وهو انسان كثير الشتم والكلام الايحائي, فما تنتجه هذه الشخصية من قبح نجده ينتشر في مواقع التواصل الاجتماعي, الى ان يتحول طرح ابو الذوق الى مفردات اجتماعية.

واصبحت البرامج تتسابق في نشر هذا النوع من الشتائم والكلام ذو الايحاء الجنسي, والكذب وتسقيط الاخرين, لأهداف تجارية ربحية ولو اردنا ان نحسن الظن بالقائمين عليها فنقول هم لا يدركون ما يفعلون, ولا يعلموا بتحولهم لجندي من جنود العولمة التي تسعى لنشر الخراب الثقافي والقيمي في المجتمعات الاسلامية بالخصوص.

ثالثا: ماذا يمكن ان نفعل؟

العمل اولا يعتمد على العائلة, عبر تثقيف ابنائها بخطورة تقليد ما تطرحه الفضائيات, ويجب التفكير قبل تقبل ما يطرح, وان يكون جهاز الموبايل مكسبا مهما في تطوير الذات وليس وسيلة لتضييع الوقت, فيمكن الطلب من الابناء قراءة كتاب الكتروني ومناقشة الانباء فيه, وهنالك كتب التنمية الاجتماعية وكسب الخبرات الحياتية, او كتب العقيدة والتاريخ, هكذا يصبح الموبايل نافعا.

ثانيا: تعليم الاطفال وحتى الكبار قضية تنظيم الوقت, بحيث يكتب يوميا جدول بالمهام التي يجب القيام بها, وهذا مكسب كبير للإنسان لو اصبح معتادا على التنظيم.

ثالثا: دور الدولة في اجبار القنوات الفضائية والاذاعات المحلية, على ترك طروحات الفوضى ونشر القبائح في المجتمع, وان يوضع قانون يحاسب كل قناة تنشر الفوضى, فيتم غلق وتغريم القناة التي تنشر القبائح في المجتمع, وان يتم تحديد المواد المسيئة والتي يمنع تداولها عبر الاعلام.