23 ديسمبر، 2024 1:33 م

فضائياتنا وجيشهم الحر لإسقاط الأخلاق

فضائياتنا وجيشهم الحر لإسقاط الأخلاق

لا يختلف العقلاء على إن المنظومة الاخلاقية هي الجدار المنيع و السور الذي يحمي المجتمع من الانحدار و التفسخ و الانتشار الوبائي للامراض المجتمعية المنحرفة سلوكياً و فكرياً , فمن يسعى بإرادة واضحة لنخر هذا الجدار و تفتيته هو يريد السوء بهذا المجتمع أكيداً و يسعى بعلمٍ و دراية و أرادة و قصد الى هدمه و أضعاف الوطن الذي يحتوي الجماهير المستهدفة بهذا الاعلام الهدام , و هنا تتساقط كل الشعارات البراقة الصارخة بالوطنية و حرية الشعب و بمصلحة المواطن التي تتشدق بها هذه الفضائيات و ينكشف الغطاء عن الأهداف الحقيقية المتخفية تحت هذه الواجهات البراقة التي لا تنطلي الا على من تناغمت  شهواته مع المعروض الحيواني المبتذل .
لقد وصل المعروض الدرامي ــ من على شاشات محسوبة على الانتماء العراقي ــ  في الأونة الاخيرة الى مرحلة لا يمكن السكوت عليها من الابتذال و الاسفاف و السقوط وتعدت فيه الحدود و الخطوط الحمراء , فاجتاز مرحلة الايحاء و التلميح و الترميز و الإشارات الجنسية الى التصريح اللفظي و الصوري المبتذل بلا أدنى اعتبارات للحياء و الخجل ناهيك عن الحرمة التي لا وجود لها في قاموس الاعلام الموجه و المخرب ,
لقد بدأت هذه الحملة الشنيعة على قيمنا المجتمعية الاسلامية و الشرقية بشكل واضح و مبرمج بعد الانتفاضة الشعبية في بداية التسعينات من القرن الماضي بأستيراد المسلسلات المكسيكية المدبلجة التي تعرض عبر حلقات طويلة الأمد , قصة عوائل قمة في الانحلال و التفسخ و الشذوذ في علاقاتها السلوكية المنحرفة , و تبنتها وقتها القناة الحكومية و تلفزيون الشباب الذي كان يشرف عليه المقبور عدي صدام حسين و أستمرت بعدها الحملة لتصل الى مرحلة المسلسلات التركية التي تزامنت مع الانفتاح الكبير في وسائل الاتصال و دخول البث الفضائي و الموبايل و الانترنيت على خط التواصل المجتمعي و الثقافي , و قد تبنتها و ما زالت الشبكات التلفزيونية المرتبطة بأفراد من العائلة المالكة السعودية كشبكة الـ mbc و مجموعة ( روتانا ) و غيرها و ظهور اليوم الفضائيات المتخصصة بالدراما التلفزيونية أتاح لها عرض كل ما يقع في أيديها من مسلسلات منتجة بغض النظر عما تحتويه من أفكار و ما تختزنه من أهداف و ما تعرضه من صور بل سعت في حمى كسب العدد الاكبر من المشاهدين لاعتبارات تجارية , الى ان تعرض المسلسلات التي تداعب أذهان و خيال و مشاعر الشباب المراهق الذي يبحث عن شهواته هنا و هناك , كما في الفضائيات المصرية و الفضائيات الاماراتية , و أنتقلت في الآونة الأخيرة عدوى الفضائيات المتخصصة في الدراما الى الفضائيات المحسوبة على المشهد الإعلامي العراقي و في وقت واحد تقريباً ليقتحم العائلة العراقية التي تحسن الظن بمثل هذه الواجهات لنرى مستوى ثالث من العروض ( العربية ) المستنسخة عن المسلسلات التركية الجريئة بلباس سوري و مصري لتظهر و تعرض العلاقات المحرمة و الخيانة الزوجية كحل مطروح بديل عن عدم التفاهم بين الزوجين , في أحد المشاهد لمسلسل سوري يعرض من أحدى الفضائيات, عندما يكتشف الزوج المغدور زوجته متلبسة بالخيانة و يجلب أخوتها ليتعاملوا مع هذه الحادثة التي تمس شرف العائلتين معاً يرى المشاهد أن الأخوة يصبوا جام غضبهم على الزوج و كادوا ان يقتلوه لأنه لم يعطي الزوجة (الخائنة ) القدر الكافي من الحب !! و يحملوه مسؤولية الخيانة كاملة و بعد أن يهرب الزوج المسكين من ضرب الأخوة له !!! يلتفت الأخ الكبير ليلوم الزوجة و الحبيب المغرم بأنهم أستعجلوا في علاقتهم خاصة في بيت الزوج نفسه يرافقها تشنج بسيط يضفي نوع من الرجولة و الغيرة الضائعة على المشهد !!
هذا نموذج بسيط لما تطرحه هذه الفضائيات من مسلسلات فيها تمييع للقيم الاخلاقية و تكسير للأواصر الأسرية فحتى المنتج الغربي من الدراما و الذي يعكس واقع المشهد الاجتماعي في المجتمعات الغربية المتحللة و المتحررة ينظر الى الخيانة الزوجية بنظرة سوء و ازدراء و لا يبررها بأي وجه من الوجوه ,و يعتبرها حالة شاذة في المجتمع , 
إن التأثير السلبي المباشر و غير المباشر لهذا النوع و بهذه الصيغة من الدراما مما لا يمكن إنكاره لكل متابع , فقد عرضت قبل أيام إحدى الفضائيات العراقية تقريراً لمراسلها في محافظة الانبار بين فيها ان حالات الطلاق ازدادت بنسبة سبعة أضعاف في السنوات الأخيرة عما كانت عليه في تسعينيات القرن الماضي و عزى مراقبون الى إن أكثر الأسباب في حالات الطلاق تعود الى الخيانة الزوجية و فقدان الثقة بين الزوجين , و عزا المراسل الى إن أكثر حالات الطلاق حصلت بسبب أن الزوج لم يعد يرغب باستمرار الزواج بامرأة لا تشبه الممثلة التركية الفلانية و لا تتمتع بميزات الاثارة لدى الممثلة السورية …. , أما الزوجة فهي تطلب بشدة أن يتحول زوجها الى شبيه الممثل التركي ( مهند ) و الا فهي لا تستطيع الاستمرار بالزواج من (خلف ) الذي ليس باستطاعته تنفيذ رغبتها الجامحة ,
حتى ان احد المطلقين قالها بصراحة انه طلق زوجته بسبب الستلايت و الموبايل !!!! بحسب قوله .
فإلى أين تريد هذه القنوات و الفضائيات أن تذهب بالمجتمع و ماذا نسمي هذه الحملة اللاوطنية لتهديم و تحطيم الاخلاق و من غريب الصدف هنا ان هذه القنوات هي من المساندين و بقوة لأصحاب اللحى الكثة و( الدشاديش القصيرة ) من السلفيين و الوهابيين و جيشهم الحر في الصراع المحتدم في سوريا في قنواتهم الاخبارية أما في قنواتهم الدرامية فالصورة مختلفة جزئياً فهم من أنصار المنتج الدرامي المغاير لتوجه أصحاب اللحى مع إبقاء القصر و لكن هذه المرة بالتنورات لا بالدشاديش ,,  فهنا يعمل جيش ( حر ) من نوع أخر و مفهوم أخر للحرية هدفه لا اسقاط النظام بل إسقاط الاخلاق . و النظام اذا سقط يأتي بدله نظام أخر بلون أخر و  ولاء لأخر ,  أما الاخلاق اذا سقطت فستسقط الامة سقوط بلا نهوض بعده .
و كما قال الشاعر : وإنما الأمم الأخلاق مابقيت ….. فان هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا .