كثرت فضائح حزب الدعوة كما تكثر عادة فضائح اي حزب حاكم. هذا لاعني ان الحزبين الكرديين بلا فضائح ، ففضائح الحزبين في اربيل والسليمانية لاتقل عن فضائح الدعوة في بغداد، وفضائح الحزب الاسلامي في الانبار والموصل لاتقل عن فضائح الحزب الحاكم في بغداد. وفضائح القائمة العراقية والمجلس الاسلامي الاعلى والتيار الصدري وحزب الفضيلة وكل الاحزاب والاشخاص الذين يتولون السلطة مثل حسين الشهرستاني وعلي الدباغ المحسوبين على المرجعية الدينية في النجف والمتهمين سرا بانهما يمولان المرجعية وحاشيتها بالاف البراميل من النفط يوميا ، وصدر الدين القبانجي، الذي استولى على بناية مديرية شرطة النجف وحولها الى جامعة اسلامية تخرج مئات الطلبة سنويا وهو الذي لم يتخرج من كلية ويملك عشرات الجمعيات التي تشكل واجهة لانتهاكاته النسائية ، وحسين بركة الشامي الذي صادر مبنى دار الاسلام من حزب الدعوة في لندن وسجله مع مرفقاته من بيت وكراج وشقق باسمه في نهاية التعسينات وصادر جامعة البكر للدراسات العسكرية وموفقاتها واجهزتها التي تقدر اقيامها بمئات الملايين من الدولارات وحولها الى جامعة باسم الامام الصدق وهو لايحمل شهادة البكالوريوس وتخرج سنويا الاف الطلاب الذين يدفع كل واحد منهم مبلغ ثلاثة الاف دولار سنويا وغيرهم كثير، دون ان ننسى القيادي في حزب الدعوة تنظيم الداخل عبد الفلاح السوداني واقاربه الذين عاثوا فسادا بالحصة التموينية وابتزوا ارامل وامهات ابتزازا جنسيا كي يعطوهن حقهن في الحصة التموينية والسرقة الكبرى التي تجاوزت المليار فوفر له رئيس الوزراء فرصة الهروب والتخلص من الحكم القانوني، اي تعطيل (حد)السرقة على احد المقربين من المالكي.وهو تعطيل لحدود الله التي تطبق على الموظفين الصغار وييتعطل تجاه المسؤولين المقربين من الدعوة والمالكي.
هذه فضائح. فضائح واقعية، وهم نمادج لفساد يضرب المؤسسات العراقية رسمية او دينية.، كما يضرب الاحزاب العراقية ومنظماتها سواء داخل الحكم او قريبا منه. ولكن المشكلة ان هذا الفساد اصبح السمة الاساسية لواقع العراق دون ان يكون هناك دور للقانون والدين والمرجعيات الدينية والمنظموة الاخلاقة للمجتمعات. فقد تحول الدين الى حارس للفساد وتحول القانون الى شريعة للفساد وتحولت الاخلاق الى اعراف للفساد.
اخر فضائح حزب الدعوة هي قضية زوجة الداعية كمال الساعدي. وهو من قيادات الدعوة المهمين والمقربين من رئيس الوزراء نوري المالكي. فقد دهست زوجته طفلين من ابناء مسؤول كبير في الحكومة مات احدهما وتعرض الثاني لتهشيم قدمه التي بترت. وبدل ان ياخذ القانون مجراه كما يسمي المالكي قائمته بدولة القانون جرى تهريب الزوجة. وكانت فضيجة اقارب رئيس دولة القانون نوري المالكي حين اعتدوا على ابن اخ رئيس التحالف الوطني ابراهيم الجعفري في كربلاء قد كشفت ان القانون كذبة كبيرة في عراق القانون الذي يتذاكى بكشف فضائح خصوم المالكي ويعتبر انتهاكات المالكي جزء من عراق القانون ودولة القانون.
يمكن للفضائح ان تحدث ولايكون لرئيس الوزراء دور فيها . ويمكن لحالات خرق القانون ان تحدث ولايكون لرئيس الوزراء دور فيها. لكن دوره في تطبيق القانون عليها هو الاساس وهو الذي يحاسب عليه.ففي كثير من الدول الديمقراطية يحدث ان يسطو قريب او حسيب لرئيس الوزراء او للحزب الحاكم على المال او يعتدي على مواطن او ينتهك القانون ويمكن للمعارضة البرلمانية ان تستغل الحادث ولكن القانون يلجم الطرفين: الطرف الذي خرق القانون والطرف الذي يستخدم التشهير ، وفي كلا الحالين يكون القانون هو الذي يحمي الدولة والمجتمع.
جزب الدعوة يرث تراث حزب البعث. لاشك في ذلك. لست اعني ان يرث البعثيين من مدنيين وعسكريين ورجال امن ومخابرات وكتاب وصحفيين وجوقات تمجيد القائد الضرورة من الشيعة فقط وانما يرث اسلوبه التسلطي والتفردي في الحكم ثم يلجأ بعد توطيد سلطته الى (دعوة) العراقيين بالقوة كما كان الحكم البائد يلجأ الى (تبعيث) العراقيين لكي يعيشوا. اي لا تعطى فرصة للعراقي كي يعيش اذا لم يدخل الى حزب الدعوة ويمجد المالكي ويعتبره القائد الضرورة البديل للعراق .
فرض على حزب الدعوة ان يقبل بشروط الديمقراطية التي فرضها الوجود العسكري والسياسي الامريكي بعد ٢٠٠٣. اي يقبل بان يكون شريكا للاخرين في عملية سياسية تقوم على الانتخابات والتداول السلمي للسطة ووجود برلمان تمثيلي وصحافة تتمتع بحرية التعبير وتمثل احزابا واتجاهات سياسية وايديولوجية شتى. وقد اضطر للقبول بذلك لانه السبيل الوحيد للوصول الى السلطة. ولكن الوصول الى السلطة بالطريق الديمقراطي يقترب من نهايته.
نعم . ان هذا الطريق يقترب من نهايته. فقد(زيف) التحالف الوطني والمالكي المادة ٧٦ من الدستور التي تنص على الكتلة البرلمانية الاكبر في البرلمان. اي الكتلة التي فازت باسمها قبل الانتخابات وليس جمع كتلتين بعد الانتخابات. لاننا اذا اتبعنا هذا الطريق يمكن لعشرة كتل صغيرة كل كتلة مكونة من عشرة اعضاء ان تعتبر نفسهابعد توحيدها بعد الانتخابات الكتلة الاكبر وتطالب بتشكيل الحكومة. وهذا يعارض الديمقراطية ولم يحدث في اي انتخابات ديمقراطية في العالم. كما ان المالكي وجماعته يرفضون الدستور حين يتعلق بحق استجواب رئيس الوزراء وهو حق وفره الدستور وبدلا من ذلك يطحون فكرة الاستضافة وكأن رئيس الوزراء امام شيعي معصوم او نبي مرسل لايجوز مساءلته.وهذا ارث من حزب البعث وقائده الضرورة.
ان حزب البعث حزب يؤمن بتصفية الخصوم السياسيين جسديا وهو حزب يؤمن بالدكتاتورية ايمانا منهجيا للوصول الى اهدافه ويعتبر اساليبه الدكتاتورية اسليبا ديمقراطية وكان يطرح افكارا سياسية متطرفة وغير واقعية . ويتعامل مع الاحزاب المعارضة والحكومات والدول من خلال افكاره او مصالحه لدلك اضطر الى احياء العشائر لاستخدامها في الصراع ضد ايران وضد المعارضة السياسية واجبر العشائر على ان تكون اداة مسرحية يقوم صدام وفريقه بتاليف واخراج طريقة عرضها امامه فتهوس له وتنشد الاشعار ويجلس هو فوق منصته بحيث يبدو حذائه اعلى من العكل واليشاميغ والغتر التي يعتمرها رجال العشائر وشيوخها في اهانة وتحقير واضحين واعاد احياء قوانينها ليجعل المجتمع العراقي يعيش في فوضى الصراعات والمنازعات وديات القتل والفصل العشائري بالنساء والاموال وغير ذلك ليصل المجتمع الى التمزق ويعيش قوانين عشائرية مسيطر عليها من قبل السلطة الاعلى التي تتحكم بتعيين الشيوخ وعزلهم ورشوتهم بالمال والمسدسات.
هذا ما يحدث اليوم في العراق حيث يكرس المالكي قوانين العشائر ويجعلها تتنازع وتفرض قوانينها ودياتها وفصلها العشائري فتحولت العشائر الى فرق لصوص وابتزاز وبحث عن طرق الحصول على الاموال بالتهديد والتخويف بحيث انتهت ثقافة المجتمع وانتهى الفكر السياسي والاجتماعي وتحول المجتمع الى مجتمع يعيش تحت سيطرة مايسميهم اللبنانيون (الزعران) وقد حدثني احد سواق التاكسيات قبل اسابيع انه مضطر لدفع خمسين الف دينار شهريا من محصوله لان شيخ عشيرته يطالبه بذلك لتسديد فصل عشائري عما يقوم به شقاوات عشيرته من قتل ودهس واعتداءات خارج القانون لان عشيرته صغيرة ولاتستطيع تحدي مطالب العشائر الاكبر منها.
ان دولة القانون بقيادة حزب الدعوة هي اكبر تحد للقانون وقد الغت القانون حيث يقوم المالكي منذ سنوات بتنظيم مؤتمرات للعشائر وتكريس تخلفها فهم يهتفون له ويعطي كل شيخ اربعين مليون دينار ومسدس دون ان يسمع مطالبهم او يعرف ماهي مشاكلهم واغلبهم فلاحون لايستطيعون زراعة اراضيهم لشحة الماء والجفاف فهو لايريد منهم سوى الولاء وتوفير اصوات انتخابية له طالما هو مضطر حتى الان لخوض الانتخابات ليصل الى مرحلة مصادرتها وتزويرها على طريقة صدام وحسني مبارك وعلي عبد الله صالح بعد احكام قبضته على كل مرافق الدولة.
نحتاج الى وعي اشد احتجاجا والى تنظيم هذا الوعي بحيث يتحول الى قوة تمنع هذا التدهور وهذه الدكتاتورية التي تستخدم الدين والعشيرة وتقود المجتمع الى التخلف وتدفع القوى السياسية والاجتماعية الحديثة ثمن سكوتها وتناحرها فالدولة في العراق تراجعت لصالح تجمعات دينية يقودها رجال دين ولصالح تجمعات عشائرية يقودها انتهازيون والصورة الاكثر انطباعا في الذهن اصبحت جموع الفقراء التي نسيت مصالحها وهي تمشي في زيارات الاربعين للامام الحسين وهو ماحققه السياسيون الشيعة وماحققته المرجعية الدينية للشيعة واعتبرته انجازا تاريخيا يقابل الانجاز التاريخي للفساد وسرقة اموال الدولة واموال فقراء الشيعة الذين يقتلون بالمفخخات بينما حكم (السادة) ينتفخ ماليا وعقاريا ويتفسخ سياسيا واخلاقيا في صراع السنة والشيعة الذي تغذيه حتى المسلسلات التلفزيوينة التي اعادت استخدام التاريخ في مشروعها الكبير لاثارة الحروب الدينية والطائفية.