لم يتعرف العراقي على هويته الوطنية بعبقرية الاحتلال و مشاريعه، فهو قد تغذى عليها منذ نعومة أظافره في عائلة عراقية يجمعها الوطن و لا تفرقها الطائفة او القومية، بدليل المتوارث من مصاهرة عراقية تمثل علامة فارقة في المجتمعات متعددة الأعراق، حيث ظل ” المنبت” العراقي هو همزة الوصل في المصاهرة بين العشائر، لذلك نادرا ما نجد في بطون الكتب ما يؤكد هذا النوع من التواصل مع الفرس مثلا!!
لقط ظلت عيون العراق شاخصة صوب أبنائه بحكم الولاء لمقامه العالي بين الدول بعيدا عن الانتماءات الأخرى، على أعتبار أن عراقية الشخص هي جواز مرور نحو صدق الأنتماء و الوفاء و التضحية و الفداء، لذلك لم يتعود العراقيون قبل 2003 التنابز بالالقاب الطائفية و العرقية ، بينما وظفها الاحتلال بطريقة مختلفة لتمرير مشروع الفتنة، حيث بات التباهي بالمذهب يتقدم على التفاخر بالعراقية مثلما اصبحت القومية شعارا للتقسيم لا وحدة الصف العراقي.
ولأن الاستثناء لا يمثل الخيار العام فان العراقيين قد استفاقوا من المحنة بعد أن أذاقتهم مختلف أشكال المرارة و ضيق التنفس ، لذلك تتصاعد الأصوات الداعية الى دحر المشروع الطائفي و القضاء على أسبابه لمعالجة نتائجه، التي من بينها غض الطرف عن طروحات السياسيين الطائفية ، الذين غطوا من خلالها على انعدام منقطع النظير بالشعبية الجماهيرية، فركبوا موجة الطائفية للفوز بملذات لسنا في صدد البحث بمدياتها.
ونحن هنا نريد الحديث بصوت عراقي غير مبحوح بشعارات الفتنة و التطرف و تجاوز المحرمات، فالتوافقات و المحاصصات لا تصلح كاسلوب لادارة عمال مطعم فلافل، حيث الراتب و المخصصات يتقدم على الولاء، لذلك غالبا من يتم اجبار العمال على ارتداء ملابس تحمل أسم المطعم على سبيل الاقناع بالانتماء، فيما العراقيون شربوا عراقيتهم مع أولى قطرات حليب أمهاتهم العراقيات بالفطرة و آباء أكتسبوا لون بشرتهم من طيبة الأرض و سطوع الشمس ليكون اللون الحنطاوي سمة عراقية غالبة حتى على لون العيون.
العراق باق و شعبه يتناسل و السياسيون الى تغيير.. تلك هي معادلة المنطق، ما يستدعي البناء على الثوابت لا المفارقات، و لأن من أولى تلك الثوابت هي عراقيتنا فانه حان وقت الحديث بصوت مسموع عن رفض الطائفية و المروجين لها بغض النظر عن عناوينهم و انتماءاتهم، وذلك بتخلي العراقيين عن عقد المجاملة على اساس ” الجلدة الأكثر التصاقا”، بينما نجد ولاءا شيعيا و انتمائنا كرديا مرادفا للأخوة السنية و المسيحية، فنحن شعب يغترف الحياة من روافد الانتماء لوادي الرافدين و لا يقبل بديلا عنه، لذلك عندما يتهدد الخطر سور الوطن يصطف علي الى جانب عمر و كاكا حما و بطرس في خط متقدم قناعة منهم بأن العراق هو البنيان العالي الذي لا تجب أن تخره قواعده بتأمر السياسيين.
في أي حوار سياسي معتدل أو نقاش متخصص يثار التساؤل التالي: هل ما يجري في العراق من تخندق طائفي و عرقي يٌعبر عن هوية العراقيين الحقيقية، أم أن الشعب كان ململا بضغط مؤسسات الحكم السابقة؟
ولأن الجواب يحتاج أيضا الى عقلانية فانه من المفروض العودة الى طبيعة البيت العراقي وحجم التضحيات التي قدمها للمحافظة على خصوصيته، فرغم كل الضغط مدفوع الثمن لم تٌسجل حالات طلاق طائفية في العراق بعد 2003 ولم يتقطع جسر العشق العراقي غير الطائفي ، لذلك تتواصل المصاهرة العراقية و يتصاعد الصوت الرافض للطائفية و الذي بدون سماعه في كافة الممرات العراقية فلن يكون باب الفرج قريبا، لذلك يحذر العقلاء من تاثير مصالح السياسيين على الشحن الطائفي ما يستدعي قرارا رسميا لتجريم الطائفية بدعم من مرجعيات الاعتدال الديني، ليستيعد المواطن عراقيته المسلوبة بفعل الاحتلال مثل سيادة الوطن، بينما تبقى عراقيتنا نقطة الأرتكاز التي لم يؤثر بها تنوع أسمائنا واختلاف مسحات وجوهنا ، لأنها جميعا تلتقي مع قلب كبير بفصيلة دم متميزة هي ” A وطن”.