18 ديسمبر، 2024 6:44 م

فصل المقال فيما بين الخطاب السياسي والحكومي من تمايز واتصال

فصل المقال فيما بين الخطاب السياسي والحكومي من تمايز واتصال

اهتم منذ مدة بمتابعة وملاحظة الخطاب السياسي للدول المختلفة، التاريخية منها والمعاصرة، واحاول اولاً ان أجد السمات المنهجية التي تحملها، ثم تفسيرها بالتوازي مع تحليل مرجعية تلك الدول ومنظومتها الفكرية ومسارها التنفيذي على حدٍ سواء، فكل ذلك يعد من مفاتيح فهم الخطاب بشكل عام.

ولذلك انتبهت في خلال تلك المتابعات إلى ذلك الخلط الذي يحصل بين الخطاب السياسي والحكومي، وعدم رؤية الخط الفاصل والمتمايز بينهما، وانعكاس ذلك على طبيعة الفهم بالتالي لكل منهما.

واقول في عجالة ان الخطاب السياسي يختص بصورة الدولة عامة ويمثلها، والثاني يرتبط بالعمل التنفيذي الحكومي وهو خاص بها أياً كان اسمها وشكلها ومكوناتها، فالأول أعم واوسع وأكثر أهمية، ذلك ان الدولة هي أثبت من حالة حكومية مرحلية.

كما ان الخلط بين الخطابين يحمل ضرراً كبيراً، سواء كان ذلك الخلط متعمداً ام عفوياً ناتجاً عن سوء الفهم، فهو يحجم ويختزل الدولة بكل ما تحمله من تاريخ وانتماء ورجالات كبار مروا عليها، ويضخم الحكومات بالتالي، أي يعقد صفقة استبدال خاسرة بين تاريخ كامل مقابل عدة أشخاص، بل والأكثر سوءاً قبالة فرد واحد كما هو سبيل انظمة الحاكم الواحد الذي ان قال القائد – حتى لو كان بغير وعيه – فقد قال الوطن والشعب وسار معه نحو الهلاك.

ولو وقفنا عند خصائص الخطابين لقلنا أن الخطاب السياسي يجب ان يكون معبراً عن رؤية المجموع لا الأفراد، ويستوعب الأفكار والانتماءات دون إقصاء أو انحياز، ويجيب عن اسئلة استراتيجية عميقة ويوضح الموقف من الملفات الأساسية، فهو يتسم عموماً بالثبات والاستمرار، ويحمل الطموح للمستقبل دون تهور يؤدي إلى التهلكة الحاضرة!.

أما الخطاب الحكومي فهو المرتبط بحقبة محددة، ومعبراً عن مجموعة صغيرة قدر لها ان تتحمل مسؤولية ادارة البلاد، وهو آني ومرحلي، ويحمل دوماً ــ او هكذا هو المفروض ــ اجابة عن جملة تساؤلات، مثلما انه ترويجي دون ابتذال، وعقلاني دون تبرير، ويحمل في طياته الشجاعة للاعتراف بالخطأ والاعتذار، ومخرجاته تشعر المرء بالاطمئنان لا العكس، وترسخ من حالة الرضا الداخلي بدلاً من زيادة الاحساس بالظلم والغبن والرفض، وقد يكون ــ مع تطور الاهتمام بهذا الجانب ــ احدى اسباب الديمومة والاستمرار واعادة تجديد الثقة بها.

تعرف الدول ومواقفها من خطابها، مثلما يستشرف مستقبل الرجال والحكومات من خطاباتهم، والتدقيق في الخطابين يمنحان الكثير من الفهم النافع لاتخاذ القرارات أو تكوين التصورات.