الأمر الديواني الذي أصدره رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلّحة الخاص بتحويل الحشد الشعبي كقوة تضاهي جهاز مكافحة الإرهاب من حيث التدريب والتأهيل والتسليح , هو قرار صحيح وإجراء مطلوب فقط بالنسبة للفصائل المسلّحة التي تشّكلت بعد فتوى المرجعية العليا بالجهاد الكفائي , وقرار رئيس الوزراء السابق نوري كامل المالكي بتشكيل هيئة الحشد الشعبي , لكنّ هذا القرار غير صحيح وغير مطلوب بالمرّة بالنسبة لفصائل المقاومة الإسلامية التي تشّكلت قبل تشكيل الحشد الشعبي وشاركت في مقاومة الوجود الأمريكي وإخراجه من العراق , فهذه الفصائل المقاومة لا علاقة بوجودها المسلّح في العراق بتشكيل الحشد الشعبي , فوجودها قبل عام 2011 قد ارتبط بموضوع إخراج قوّات المحتل الأجنبي من العراق , وبعد 2011 استمرّ وجودها العسكري المسلّح بالظرف السياسي والأمني للمنطقة عموما والوضع الأمني والسياسي في العراق خاصة , خصوصا بعد تنامي تنظيم داعش الإرهابي وتمدده في العراق وسوريا .
فارتباط هذا التنظيم الإرهابي بدوائر المخابرات العالمية والإقليمية والصهيونية , قد فرض واقعا سياسيا وأمنيا جديدا , فأصبح وجود هذه الفصائل المقاومة واستمرارها بعيدا عن القرار الرسمي العراقي , امرا لا بدّ منه وضرورة تمليها طبيعة العملية السياسية في العراق القائمة على نظام المحاصصات , فكان لا بدّ من عدم خضوع هذه الفصائل لتوافقات العملية السياسية , وهذا هو سر قوّة هذا الفصائل وفاعليتها على الساحة الجهادية , ولو كانت هذه الفصائل تخضع لقرارات المؤسسة العسكرية العراقية من حيث القيادة والإدارة والتمويل , لانتهى بها المطاف كما انتهت إليه مؤسسة الجيش العراقي وقوى الأمن الداخلي , ولهذه الأسباب نرى أنّ قرار رئيس الوزراء بإعادة هيكلة الحشد الشعبي يحمل في طيّاته بصمات أمريكية وسعودية وصهيونية , فهذه الدوائر الثلاث لا تريد لفصائل المقاومة الإسلامية الوجود والاستمرار , خصوصا بعد قرارهم بإنهاء وجود داعش , فليس هنالك وسيلة لإنهاء وجود هذه الفصائل أفضل من مأسستها وجعلها خاضعة لقرارات المؤسسة العسكرية الرسمية , فبهذه الطريقة يمكن عزل هذه الفصائل المقاومة عن قياداتها المؤسسة لها , وجعلها لا ترتبط ماديا وإداريا بهذه القيادات , فوجود قوّات جهادية مسلّحة ومدربة خارج سيطرة القائد العام للقوات المسلّحة , أمر لا تستسيغه دوائر القرار في واشنطن والرياض وتل أبيب .