23 ديسمبر، 2024 12:26 ص

فشل كاسح لحزب ماكرون !

فشل كاسح لحزب ماكرون !

اجمع الاعلام الفرنسي على الفشل الكاسح لحزب رئيس الجمهورية ايمانويل ماكرون في الدورة الثانية للانتخابات البلدية ٬ فقد سادتها الفوضى خصوصا في باريس والانقسامات الداخلية التي أدت الى فقدان بعض الوزراء مقاعدهم ليس فقط في البرلمان بل وحتى في مجلس بلدية باريس. وتجسدت هذه الخسارة التاريخية بشخصية وزيرة الصحة آنيس بوزن التي قادت قائمة الأغلبية الرئاسية في باريس وهي مرشحة أيضا عن الدائرة السابعة عشر للمدينة ولم تحصل على العدد المطلوب لتكون عضوا في المجلس البلدي للعاصمة٬ مثلها مثل بعض أعضاء قائمتها. وشكلت هذه الهزيمة صدمة كبيرة للأغلبية الحاكمة ولاتباعها وفي حين اعترفت الناطق باسم الحكومة بهذا الفشل المدوي والإحباط للنتائج وخاصة لقائمة وزيرة الصحة الا ان ذلك لم يكن امرا غريبا اذ ان الوزيرة بشكل خاص قد راكمت الأخطاء منذ بداية ازمة كورونا في فرنسا بسبب عدة تصريحات متناقضة حول الوقاية وتأخر اتخاذ الإجراءات لمدة شهر بعد انتشار المرض كما أصرت الحكومة على اجراء انتخابات الدور الأول رغم توسع الجائحة وقد ارتفعت أصوات كثيرة ضد هذا القرار الذي اعتبر قرارا ضد المصلحة العامة للشعب وتصب فائدته للطبقة الحاكمة فقط . فقد بدا لكثير من الفرنسيين ان الرئيس ايمانويل ماكرون وحكومته لا يتصرفان بطريقة ناضجة في أزمة خطيرة مثل جائحة كورونا وعلى الاغلب فأن هذه الجائحة كانت اختبار اخر للحكومة ولكن للرئيس ماكرون أيضا فكانت كورونا القشة التي قصمت ظهر البعير في شعبيته المتردية أصلا بعد مواقفه من إصلاحات التقاعد وعدم علاجه لمطالب السترات الصفر رغم الاحتجاجات الواسعة والمستمرة ٬ ولم يسامح الفرنسيون الحكومة فكان الذهاب للتصويت ضعيفا جدا في الدورة الثانية فجاءت الهزيمة لتعبر عن رفض عام للإجراءات الحكومية ولطرق عملها. بغض النظر عن الأقلام والقنوات التلفزيونية التي حاولت تجميل موقف الرئيس في أزمة كورونا لكن الغالبية الفرنسية رأت العكس وتعزز موقفها خلال أشهر الحجر الاجتماعي ازاء تخبط
الرئيس وحكومتة في ادائهما وتعاملهما لمواجهة الجائحة خاصة مشكلة السماح بالعلاج بالكلوروكين العائد لمختبر البرفسور ديديه راؤول بداية الامر لينتهي بمنعه ومن ثم إعادة استعماله من جديد .
تميزت الجولة الثانية للانتخابات بانتصار الخضر حيث تمكن البيئيون من حصد المدن الكبيرة لتكون بذلك المفاجأة الثانية بعد انتخابات الدور الأول التي برزوا فيها بشكل ملحوظ. أولى المدن المهمة والأكثر رمزية التي فاز فيها الخضر هي مدينة ليون ثان أكبر المدن الفرنسية واهمها بعد العاصمة باريس ومن ثم تمكنوا من الفوز بمدينة بوردو التي تعتبر احدى اهم قلاع اليمين٬ فقد بقيت لعقود مدينة الان جوبيه ٬ عمدتها ٬صديق ورفيق الرئيس الراحل جاك شيراك. أما المفاجأة الأهم فكانت في مرسيليا التي انتقلت بسهولة الى ايادي البيئين ومثلها في الشمال الفرنسي مدينة ستراسبورغ ومدينتي بيزانسون وبواتييه وآنسي وتور . هذه الموجة الخضراء غيرت تماما وجه الدورة الثانية للانتخابات وهي المرة الأولى التي يصل فيها البيئيون الى الفوز بكل هذه المدن الكبيرة والمتوسطة. ما هو اكيد فأن هذه الانتخابات ستكون حاسمة أيضا في اختيار الرئيس المقبل للجمهورية. لذلك لم يتأخر الرئيس ايمانويل ماكرون في خطابه في اليوم التالي للاقتراع الذي خسره حزبه في التلميح لاقتراحات بيئية سيقوم باتخاذها وفقا لقرارات المؤتمر العالمي الذي سبق ان عقد في باريس في عهد الرئيس فرانسوا هولاند في حال انتخابه لفترة رئاسية ثانية وربما يكون ماكرون متفائلا بحظوظه في الفوز بفترة رئاسية أخرى بمجرد كلامه عن اقتراحات وبرنامج قريب من برامج الخضر لكن الاستطلاعات ومنذ فترة طويلة وبعد اشهر قليلة من رئاسته كانت في غير صالحة ٬ اما الأخيرة منها فهي تشير الى هبوط واسع وكبير في شعبيته التي اكلتها مواقفه من اهم القضايا والمشاكل التي تعاني منها مختلف شرائح الشعب الفرنسي واكبر دليل على انهيار صورة الرئيس لدى الفرنسيين هو الاستطلاع الذي أظهر ان ثمانين بالمئة من الفرنسيين يؤيدون احتجاجات ومطالب السترات الصفر حول قضايا التقاعد والرواتب والخدمات والضرائب على أصحاب الثروات الضخمة التي تمس الملايين منهم ولا تتحدد بطبقة او فئة صغيرة.
ان الفشل الكاسح لأغلبية الرئيس الفرنسي هي فشل لسياسة ترفضها الغالبية الفرنسية وربما تكون هذه الانتخابات للدورة الثانية ناقوس الفشل له في الانتخابات الرئاسية القادمة ٬ للمرة الأولى في تاريخ فرنسا الحديث يسمي الفرنسيون رئيسهم برئيس الأغنياء ٬ والتاريخ الفرنسي الحديث هو تاريخ النضال من اجل الحقوق والمواطنة والحرية والعيش الكريم في ظل مبادئ الجمهورية ومنذ وصول ماكرون للحكم الى تاريخ هذه الانتخابات رأت الغالبية الفرنسية ان رئيس الأغنياء لا يمثلها بل يمثل فئة صغيرة وطبقة تتمتع بكل الامتيازات أحيانا هي فوق القانون وفوق الجمهورية وهذا ما يرفضه المواطن الفرنسي !