23 ديسمبر، 2024 12:01 ص

فشل المشروع الاسلامي ….في تطبيق مبادئه الدينية

فشل المشروع الاسلامي ….في تطبيق مبادئه الدينية

مشاريع أسلامية كثيرة طرحت على الساحة العربية منذ بداية القرن العشرين،ابتداًْ بمشروع الاخوان المسلمين ومرورا بمشروع حزب التحرير وأنتهاءً بمشروع حزب الدعوة العراقي بقيادة السيد المرحوم محمد باقر الصدر.كلها جاءت بدعوى تطبيق الشريعة الاسلامية وحكم القرآن في الناس ولم ينجح واحد منها . ولكي ينجح المشروع الاسلامي اياً كان لابد من تغيير جذري،في جوهرالطرح الموضوعي له بعد استبعاد العاطفة الدينية واحلال العقل القرآني الرصين ،لينهض الاسلام كعقيدة ومبدأ لا كمذاهب مخترعة وتحويل المذاهب الى آديان وفِرق متعددة ومختلفة في الراي والتشريع .

وحتى تتجدد القيم الدينية العقيدية استجابة للصيرورة الزمنية .. وتستمر مجتمعاتها ويقبلها الناس كعقيدة آيديولوجية طرحت على الساحة العامة للمجتمعات الانسانية مثل العقائد الأرضية الاخرى ..كعقيدة ماركس ولنين في الشيوعية .. وعقيدة آدم سمث في الرأسمالية ..وعقيدة ماو سيتونغ الصينية في الأشتراكية ..ان تكون فلسفتهم واضحة لامذاهب دينية كل يكفر الأخرفي التطبيق..حتى أنشطر الاسلام الى سبعين فرقة متخاصمة ..هنا فشل الاسلام السياسي في التحقيق.

لماذا حققت تلك العقائد النجاح والتقدم وبنت دولا وقوانين وحضارات،بينما المشروع الاسلامي تراجع وأنحسر حتى اصبح المسلم مقرونا أسمه بالارهاب والقتل والتدمير والتخلف ، وهذه حقيقة وليست تهمة موجهة اليه ؟ حين لم يحقق تقدما قانونيا ، ولم يبني مؤسسات اجتماعية وسياسية حتى في أزهى عصور الحضارة الاسلامية، بل بقي يحكم بالشمولية والبهرجة المقدسة دون حقوق الناس مستندين الى القدسية الموروثة منه خطئاً.أسباب حقيقية لابد من ان يعكف المختصون على دراستها واسباب بيانها للناس ولمن يدعون قيادتها من جهلة العقيدة والدين معاً، ليعرف الأنسان المسلم المغلوب على امره هل ان
الاسلام جاء حاملا لصفة التطور والعقلانية والقانون وحقوق الناس ، ام فاقداً لها معتمدا على التخمين الوهمي كما في نظريات ولي الفقيه والمهدي المنتظر وخزعبلات المرشدين واصحاب نظرية قدس سره .. لاسيما وان النص الديني جاء يحمل صفة الثبات الخارجي وحركة المحتوى المتغير الداخلي، لان الغالبية العظمى من آياتة جاءت حدودية غير ملزمة التطبيق الآني، وليست حدية ملزمة التطبيق كما في الوصايا العشر وحقوق الناس . .وليست دعوة على خطى السلف بغض النظر عن مفهوم الزمان والمكان.وما نرى اليوم من تفاسير مختلفة للنص القرآني من الفقهاء الأوائل “ما بين القرن الثاني الهجري والخامس المطروحة على الساحة الذين لم يصلوا آنذاك وحتى اليوم الى مفهوم نظريات الترادف اللغوي في القرآن والى معرفة العلاقة البنيوية بين اللغة القرآنية والتفكير الأنساني ..وان الرسول “ص” نفسه لم يقدم على التآويل القرآني لأدراكه بتطوراللغة المستقبلة وتغيير المعاني العربية لها ، وماهي الا معوقات في قلب المشروع الاسلامي اليوم ..كما اعتقد .

نحن بحاجة اليوم الى فقه جديد،وفهم جديد معاصر للسُنة النبوية لتعطينا المعنى الحقيقي من أسلامية المعرفة…لكن ذلك لا يمكن تنفيذه الا بعد صياغة نظرية أصيلة في المعرفة الانسانية انطلاقا من القرآن الكريم ،ولا يمكن لهذا المشروع الضخم ان يتحقق الا اذا دعم من حكومة تؤمن به على طريقة دعم الخليفة المآمون للمعتزلة في العصر العباسي الاول.،لان المنطق الفلسفي ينتج عنه بالضرورة الحل الفقهي الجديد كما ارادته المعتزلة حين دعت ان القرآن نظرية لا تتعامل مع الفروض بل مع الواقع. فهل نحن قادرون في عصرٍ أصبح الدين في خدمة السلطة كما كان في عصر الأمويين والعباسيين ومن جاء من بعدهم تحقيق مانرغب ونريد ..مستحيل في ظروف الطمع السياسي الحالي الذي فاق كل وصف جديد؟.

ان التوجه نحو مشروع اسلامي متطور يتماشى مع التطور الحضاري لابد من توفر المستلزمات له لتحديد المسار الصحيح الذي ارتكز عليه القرآن وأضاعه التفسير الفقهي للمذاهب المختلفة والمتخالفة ..وهو التقيد بمنهج البحث العلمي الموضوعي ،وعدم فرضية اصدار الاحكام قبل دراستها والتأكد من صلاحيتها في التطبيق كما في مشكلة حقوق المرأة في الاسلام.. والتوجه نحو الاستفادة من الفلسفات الأنسانية السابقة للاسلام ، والتفاعل المبدع معها..لترصين نظرية المعرفة الاسلامية وأبعادها عن المواقف الفكرية الجبرية والمتزمتة..واعتبار ان البشرية من النبي نوح وحتى الرسول محمد “ص” هم من المسلمين ،واصحاب محمد هم المؤمنون.. استنادا الى الآية 35 من سورة الاحزاب..”ان المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات اعد الله لهم مغفرةً واجراً عظيماً”. والكف عن هرطقة مؤسسات الدين. لأمكانية تحويل العقيدة الى قانون لاشعارات عاطفية نغري بها الجماهير،لكي نهرب من تحديات القرن الحادي والعشرين..

وحتى نكون مثلهم لا يمكن ان نحقق ذلك الا من خلال التوجهات التي يجب ان ترتبط بالمنطلقات بغية تحديد المسار،وهذا ما خلت عنه المشاريع الاسلامية السابقة سوى ما كتبه المرحوم محمد باقر الصدر في كتابيه اقتصادنا وفلسفتنا اللذين لم يريا النور بعد اعدامه على عهد صدام حسين عام 1980.ولم يجدا من يروج لهما وفق عقيدة الامامية البعيدة عن المذهبية التي ألصقت بها لصقاً من قبل أصحابها المصلحيين من جهلة الدين..وبعد ان خانوا مبادئه التي طرحت كبديل لسياسة السلطة الغاشمة.
ان من يدعي ان العقيدة الامامية مذهب فهو عدو لها ،هي عقيدة لكل الناس وليس لبعضهم،وتسمية جماعة أهل البيت تسمية خاطئة يجب العمل بكل جدٍ على تصحيحها بعد ان استغلت من قبل مرجعيات الدين ،فأصطلاح أهل البيت هم النبوة والائمة والصحابة وزوجات الرسول فهو لكل الناس لا لبعضهم كما في الآية الكريمة :(وقرن في بيوتكن ولاتبرجن تبرج الجاهلية الاولى……وأطعن الله ورسوله ،انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا،الاحزاب 33) الاية الكريمة واضحة ولا تحتاج الى تفسير أو تاويل.ولا يجوز قراءتها مقطوعة لغرضٍ في نفس يعقوب ..وما وجدت المذاهب الاخرى الا لتختصر هذا الاتجاه الموسع المنفتح تحت راية تعدد المذاهب لخدمة الحاكم لا لخدمة الدين،فهل منا من يعي ويصحى على الحقيقة المرة لدرء الخطر الدائم الذي نحن فيه الان والذي أوقعنا في هذا التخلف المريع؟.
ان سر التوقف عن التقدم جاء حين فلسفت مؤسسة الدين القرآن وفق نظرية الحلال والحرام ، بدلا من نظرية النواهي والاوامر التي جاء بها القرآن والمؤيدة من الرسول(ص).وبالاعتراف بالاخر كند،عندها نكون قد أوجدنا نظرية الاخلاق التي يطرحها القرآن مبدءً وتطبيقاً،ودون هذه المكونات والمحددات للاطار المطروح قرأنيا لا فقهيالا يمكن ان نكون عقلا او فكرا منتج لمشروع اسلامي مقبول. لا احد من رجال الدين يتحكمون فيه ولا مرجعيات دينية تقدس وتوجه سوى ان رأيها يبقى استشاريا للدولة محددة بالمسائل الشرعية حصراً التي تدخل ضمن أختصاصهم الديني لا غير. وليبقى الحاكم هو الاساس والمحاكم الشرعية والآوقاف موحدة دون انقسام بحجة المذاهب المتعدة والمتخالفة باطلاً ..وفق التنظير القانوني محددا بالقانون،هكذا تقدمت الشعوب حين اتخذت من القانون وسيلة لتحقيق العدالة الاجتماعية فيها وحفظت الدين واصوله معاً.
فالتقدم هو فعالية الانسان بابعاد الزمان والمكان والاسلام جاء متقدما زمنيا لكنه اصبح متاخرا زمانا ومكانا لان التربة الصالحة لانباته تبدلت بتربة مغايرة لواقع التحريك التاريخي، فتوقف الفعل عن ادراك النتيجة ،بعد ان وفرت السماء المنطلق والتوجه بتحقيق التقوى والتزكي للنفس الانسانية ليكون الفلاح للجميع لا للحاكم المطاع.هنا كانت شخصية محمد”ص” مُمَثلة تماما لهذا التوجه الصحيح ،لكن الفقهاء منذ البداية لم يفهموا الرسالة المحمدية ولم يفهموا تأويل القرآن فحولوه الى تفسير لغوي ناقص ..فعجزوا عن التطبيق حين جاؤا بما أوحت لهم تصوراتهم وتفسيراتهم من محدودية التفكير،فاصبح صحيح مسلم والبخاري وبحار الانوار وكانها الحد الفاصل في معرفة الاسلام.
وسيبقى التخلف يلاحقنا الى ان نزيل هذه العلة ونأتي بالخبر اليقين.

ولان السماء هي اهتمام المطلق ونحن اهتمام المحدد ،فقد تعارضت النظريتان وتوقف الوعي التاريخي للامة وان بقي العقل الانساني يدركهما متى عرضا عليه ، فالعقل مضطر لقبول الحق على ما قاله الشافعي حقاً وصدقاً. لذا فان المشروع القرآني لا يعني التمسك بالسلف واعادة انتاج لنفس الفترة وبكامل مواصفاتها – مستحيل لأن الزمن لا يرجعالى الوراء-لاننا هنا نحن نلغي الزمن ودوره في عملية التغيير ،كما لايمكننا ان نلغي مفهوم المتغير الاجتماعي من وجهة نظر جدلية تاريخية .هذا المفهوم يلغي النظرية السلفية القائلة بالغاء نظرية الزمن والتاريخ..فاين لنا من حاكم شجاع ينفذ الصحيح ..؟

القرآن لم يطرح نظرية الفرض الفكري بل الاختيار والحرية (لكم دينكم ولي دين يقول الحق :”وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفرانا أعتدنا للظالمين نارا” سورة الكهف 29″ ولم يقل للكافرين..فمفهوم الكافر هو الظالم.والقانون والعدالة الاجتماعية بدلا من الرأي والكيفية (أعدلوا ولوكان ذا قربى،الانعام 152والاية حدية التنفيذ)، بدلا من الحاكمية الدينية التي لم يفهموا مقصدها وفق( الاية 258 من سورة البقرة..ان الله لا يهدي القوم الظالمين.)، فعدوها مطلقة،كمطلقية لا اله الا الله؟ “والاية ..وأطيعوا الله والرسول وآلوا الأمر منكم “وهم لم يفهوا التآويل لكلمة ولي الأمر الذي هو الجماعة وليس الحاكم..فعدوها حاكمية ..؟
هنا فالعودة عبر الزمن مستحيلة ،فالقرآن يعطينا الحرية في التصرف في الغاء ما يمكن الغاؤه حسب مقتضيات الحال باستخدام القانون في التغيير لا التصرف الكيفي في حقوق الناس كما يريده الحاكم الظالم مُسندا من سلطة الدين..،وسيظل التطبيق الرسولي هو الاسوة الحسنة في التعامل مع نظرية التطور المجتمعي(ولكم في رسول الله اسوةً حسنة)،هذا الذي لم يدركه من جاء بعد محمد “ص”،حتى الخلفاء الراشدين يجب فحص الثوابت التي عدوها ثابتة في عهدهم دون تردد لانها ليست هي خاتمة المطاف في الاسلام ولانهم ليسوا من المعصومين الذي لا يخترقهم الخطأ،ولانها ليست مقدسة بمعنى التقديس المطروح كما عند الشيعة الامامية التي تدعي مرجعياتها بالسر المقدس والقرأن يقف موقف المغاير لهذا التوجه ،يقول الحق” :ان الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلاً آولئك ما ياكلون في بطونهم الا النار…ولهم عذاب أليم،البقرة 174″
..
بعد اختتام الرسالة كان المشروع الذي قدم للبشرية قد اكتمل ولم يبق منه الا التطبيق العملي لدخوله مرحلى التطبيق العقلي لا الديني ..فلم يعد المشروع الاسلامي له علاقة الا بالعدل والاستقامة وذكر الله بعد ان صار العقل حرا،هذا ما عرضه محمد “ص”على الناس ولا غير ابدا(لا تكتبوا عني ..ومن كتب غير القرآن فليمحهُ..أنظر الرقائق في الآحاديث رقم 5326) ..لان محمدا كان مكلفاً بنقل الرسالة للناس وليس بصانعها(يا أيها الرسول بلغ ما أنزل أليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس،المائدة 67).

ويبقى حجر الاساس هو علاقة الانسان بربه لتحريره من العبودية الفرعونية اي الدكتاتورية المطلقة ،فلا حزب اسلامي ..ولا مجلس اسلامي .. ولا حكومة اسلامية ابدا،بل توجه مدني قانوني بثوب اخلاقي مستمد من الاسلام وفق التنظير التأويلي الصحيح.وبذلك يصبح كل الناس متساوون في الحقوق والواجبات.فلا حاكم ولا محكوم الا بالعدل والقانون.

هذا هو المشروع الاسلامي الذي طرحته السماء للارض فهل سنقرأ ونعي ما طالبتنا به السماء ،وليس ما نقلناه عن اهل البيت والصحابة جزافا عن الفقهاء المبتكرين لكل جديد يخدم السلطة السياسية لا الدين..ام نبقى نفلسف الأراء حسب ما نريد؟.