دعونا ندردش معكم ونتفلسف قليلا، فنطرح السؤال التالي: هل إذا صلح المجتمع صلحت الحكومة(كيفما تكونوا يولى عليكم), أم إذا صلحت الحكومة صلح المجتمع( الناس على دين ملوكها)؟.
هذا السؤال ذكرنا بمقولة(البيضة والدجاجة)
الباطلة بحكم العقل، التي لا تنتهي ولا تتوقف على أصل، فتصبح مقولتنا مثلها:(الحكومة الفاسدة من المجتمع الفاسد، والمجتمع الفاسد من الحكومة الفاسدة)، وبالتالي لا نعرف من هو الأصل والسبب في الإصلاح والإفساد في البلدان، الحكومات أم المجتمعات؟ لكن قلنا هذه الفلسفة باطلة، فلا بد من الوقوف على أصل الفساد،”المجتمع أم الحكومة”؟.
غالبا ما تشير أصابع المجتمع على الحكومة بالاتهام، في كل ما يحصل بالبلد من فساد، وسوء وتدهور للأوضاع، وبلاء نازل، ويبرئ نفسه من كل هذا، وكأنه مجتمع ملائكي نقي من العيوب، لا يوجد فيه تاجر غش في بضاعته، ولا مهندس خان الأمانة، ولا طبيب فاسد في مهنته، وهكذا بقية طبقات المجتمع الأخرى، تجد فيها الغش والفساد والخيانة والرذيلة، بطبيعة الحال لا نتكلم بمنطق”كل”، وانما بالأعم الأغلب، قال تعالى:(وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ).
الطريف بالأمر، إن الحاكمين على الناس، لا يعترضوا، ولا يردوا على الاتهامات الموجهة إليهم، وهم سكوت عنها، والسكوت إقرار واعتراف بها، وما بين اتهامات المجتمعات، وسكوت الحكومات عنها، فمن هو السبب الرئيسي والحقيقي في الفساد؟.
الله جل وعلا، يعطينا الإجابة عن هذا السؤال، في كتابه الكريم في عدد من الآيات الكريمة، فقد قال تعالى:(إنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ), وقال:(ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)، وقال:(وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ), وغيرها من الآيات.
بعض الباحثين الإسلاميين في الشأن الإجتماعي، أستدل على علو وانحطاط المجتمعات، من خلال الآيات و الاحاديث والروايات، فذكر أربعة عوامل أساسية، فعوامل العلو:( العدل، الوحدة، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، التقوى والخلق الفاضل), أما عوامل الانحطاط هي:( الظلم، التفرقة والتشتت، ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الفسق والفجور والفساد الأخلاقي).
مجتمعنا فيه كثير من الفساد، ونخشى أن يصبح فيه الفساد، ظاهرة أجتماعية مقبولة عندنا، وإذا ما أصبحت كذلك(لا سمح الله) ولم ننتبه من غفلتنا، ونرجع الى انفسنا، ولم نتب الى الله من أفعالنا، سيكون مصيرنا ومستقبلنا كالشعوب والأمم السابقة، الهلاك ونزول البلاء علينا كالمطر!.
هناك مقولة للشيخ “محمد الغزالي”، أختم حديثي بها، قال فيها:(مازلت أؤكد أن العمل الصعب هو تغيير الشعوب, أما تغيير الحكومات فإنه يقع تلقائياً عندما تريد الشعوب ذلك).