19 ديسمبر، 2024 12:49 ص

فساد العقارات المنفلت.. من بغداد إلى البصرة.. وأبعد

فساد العقارات المنفلت.. من بغداد إلى البصرة.. وأبعد

التقرير الذي نشرته صحيفة “الشرق الأوسط” أمس (تعيد المدى نشره في صفحة أخرى من هذا العدد) قد يبدو صادماً للبعض، لكنّه أمر معروف للكثيرين.. بل معروف أيضاً ما هو أمرّ وأدهى وأخطر من ذلك.
التقرير أورد معلومات عن نوع من الفساد المشرعن يُمارس على أعلى المستويات في الدولة، رؤساء وزارات ووزراء ونواب حاليون وسابقون ومَنْ لفّ لفهم، وأبناء وبنات وأصهار وأقارب لهؤلاء المسؤولين الكبار، وموظفون عاديون في مكاتب هؤلاء المسؤولين، يقطنون قصوراً وبيوتاً فارهة داخل المنطقة الخضراء ورثتها الدولة عن النظام السابق، ويدفع الواحد منهم إيجاراً لا يوازي إيجار شقة متواضعة، ولا حتى غرفة واحدة، خارج هذه المنطقة!
لمّا يزل رئيس مجلس النواب ومكتبه يدافعان عن القرار بتخصيص مبلغ ثلاثة ملايين دينار بدل سكن للنائب حتى لو كان من بغداد ولديه مسكن في العاصمة، ولا يتوانيان في هذا الدفاع، عن اللجوء الى لغة أقل ما يمكن أن يقال فيها إنها تنقصها اللياقة واللباقة المتوجبتين في ما يصدر عن أعلى سلطة في البلاد، على النحو الوارد في البيان الأخير في هذا الخصوص، الصادر باسم المكتب الإعلامي للمجلس.
مسؤولون كبار في الدولة يعيشون في مساكن داخل المنطقة الخضراء الراقية جداً والمحصّنة جداً لا تتجاوز إيجاراتها المليون دينار، بل تصل في بعض الحالات الى أن يكون بدل إيجار منزل مساحته 850 متراً مربعاً بـ31 ألف دينار فقط (26 دولاراً)، كما جاء في تقرير الصحيفة. لماذا لا يُعامل النواب المعاملة نفسها بأن يُمنحوا منازل في المنطقة الخضراء ببدلات إيجار متدنية تتراوح بين 31 ألفاً ومليون دينار؟
ربما يجيب رئيس مجلس النواب ومكتبه بأنه لا توجد منازل في المنطقة الخضراء غير مشغولة .. من واجب رئيس مجلس النواب والمجلس بكلّيته أن يفرضا فرضاً تطبيق القانون، وما من قانون يجيز جعل ممتلكات الدولة نهباً لمسؤولي الدولة.
والواقع إنّ قضية استحواذ مسؤولي الدولة الكبار والأحزاب والميليشيات المتنفذة على عقارات الدولة، حتى من دون دفع بدلات إيجار، هي ظاهرة عامة شاملة في زمن الإسلام السياسي هذا.
عشيّة ظهور تقرير “الشرق الأوسط” عن الفساد المنفلت المشرعن في عقارات المنطقة الخضراء، أطلق مدير دائرة السينما والمسرح في البصرة ما يشبه الاستغاثة لتحرير بنايات السينما والمسرح في المدينة من أيدي خاطفيها، والخاطفون هم أعضاء مجلس محافظة البصرة الذين رفضوا تطبيق حكم قضائي بالإخلاء الفوري لهذه البنايات المملوكة لوزارة الثقافة، مرغِمين 200 من موظفي الوزارة على العمل في مكاتب غير مناسبة، بحسب ما جاء في تصريح المدير.
ليست حال البصرة على هذا الصعيد فريداً من نوعه، فكل المدن والمحافظات لديها عشرات القصص المماثلة.
ليرينا رئيس مجلس النواب ومكتبه شطارتهما في مكافحة هذا النمط من الفساد في سبيل تأمين سكن مناسب لأعضاء المجلس من دون إرهاق الخزينة التي هي خزينة الشعب العراقي بمخصصات سكن مبالغ فيها للغاية.