من الآن فصاعداً، يجب أن لا يفتح كاتبٌ أو صحافيٌ عربي، من المحيط إلى الخليج، فمّه بكلمةٍ عن الفساد المالي والإداري، وخصوصاً توظيف الأقارب والأحباب والزوجات، لأننا لسنا أحسن من فرنسا!
فالسيد فرانسوا فيون، المرشح اليميني للرئاسة الفرنسية، يتعرّض لملاحقات قضائية بسبب قضية الوظائف الوهمية لزوجته واثنين من أولاده، الذين استفادوا من رواتب كمساعدين برلمانيين له، حيث عُيّن ثلاثة قضاةٍ للتحقيق في ذلك. أما مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان، فيسعى القضاء للتحقيق معها في شبهاتٍ حول وظائف وهمية لمساعدين في البرلمان الأوروبي، ووُجّه الاتهام إلى فريدريك شاتيون المقرّب منها، بتهمة «سوء استغلال أموال عامة» في إطار التحقيق في تمويل حملات انتخابية سابقة للحزب. ومع ذلك رفضت لوبان التجاوب مع استدعاء الشرطة لها، قبل أن تنتهي الحملة الانتخابية أملاً بالفوز.
فيون لا يواجه تهمةً واحدةً صغيرةً، فالنيابة العامة أعلنت فتح تحقيقٍ في مجموعة قضايا (متلتلة): «اختلاس أموال عامة، وسوء استغلال أموال اجتماعية، وتواطؤ وإخفاء جرائم، وسوء استغلال نفوذ، والإخلال بواجب إبلاغ السلطة العليا حول شفافية الحياة العامة». ومع ذلك أصرّ على مواصلة الترشّح لقيادة فرنسا، رغم أن الحملة أسهمت في إضعافه والحطّ من صورته وتراجع شعبيته.
الكلام هنا عن اثنين من كبار المرشحين لقيادة الجمهورية، ما يوحي بوجود بُنيةٍ تحتيةٍ للفساد، ليست من بنات اليوم، فالرئيس السابق نيكولاي ساركوزي اتُهم بقضايا مشابهة بعد مغادرته السلطة وجرى التحقيق معه، وكتبت الصحافة الفرنسية عن تلقيه أموالاً من الرئيس الليبي السابق معمر القذافي لتمويل حملته الانتخابية.
من هنا، إذا كان هناك فسادٌ في فرنسا، فيجب ألا تفتحوا أفواهكم بكلمةٍ عن الفساد واستغلال المناصب، وتوظيف الأقارب، والاستخفاف بمبادئ الإدارة الحديثة التي تقف وراء نهوض الغرب واليابان وكوريا، في اعتماد مبادئ التنافسية وتكافؤ الفرص!
عليكم بعد اليوم، ألا تتكلّموا عن الفساد المالي والإداري في بلدانكم، وأن تحمدوا ربكم، وتدعوه ليلاً ونهاراً في أعقاب صلواتكم، وتردّدوا في نهاية خطبة الجمعة مع أئمة مساجدكم: «الله لا يغيّر علينا»! ولا تطالبوا بالإصلاح والشفافية ومحاسبة المتورطين في قضايا فساد!
المشكلة ليست هناك، فاستطلاعات الرأي العام تشير إلى تراجع حظوظ فيون، كلما كشفت إحدى قضايا الفساد، والمراقبون يتوقعون أن تسقط لوبان في المرحلة الثانية من الانتخابات، لأن هناك شعباً يقيّم ويراجع ويحاسب، ولا يصوّت للشخص ببناءً على انتمائه العرقي أو القبلي، بل على برامجه ووعوده الانتخابية.
هناك لا يوجد رئيس أو عضو برلمان يدافع عن المرشح مسبقاً، بالحق وبالباطل، ويتستّر على فساده ويرفض محاسبته، رافعاً شعار: «هذا ليس من شيم الفرنسيين أو الأوروبيين أو الأميركيين».
هناك، أعلن تيري سولير، الناطق باسم المرشح فيون، على «تويتر»، عن تخليه عنه، بسبب خلق وظائف وهمية لأفراد عائلته، كما انسحب من فريق حملته الوزير السابق برونو لومير لتمسكه بالترشح رغم الاتهامات التي لطخت سمعته، حين وظف ولديه شارل وماري، وكذلك زوجته المدام بنلوب كملحقة برلمانية له، لأكثر من خمسة عشر عاماً، مقابل نحو 680 ألف يورو، لأن فرنسا ومصلحتها وكرامة الفرنسيين كشعب… أهم من ألف طامعٍ بالرئاسة من أمثال فيون!
نقلا عن صحيفة الوسط