22 ديسمبر، 2024 6:45 م

فريد شوقي وصورة الأب المثالي في الأفلام الاجتماعية

فريد شوقي وصورة الأب المثالي في الأفلام الاجتماعية

تلعب الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية دورا كبيرا في توجيه بوصلة الحياة العامة نحو وجهة معينة تتناسب، وعوامل التأثير المتداخلة والمشتركة. شهد العالم في عقدي السبعينيات والثمانينيات القرن الماضي نوعا من الرخاء الاقتصادي مع عوامل تبدد الركود المالي ؛ الأمر الذي انعكس على جميع مفاصل الحياة، ومنها السينما العربية فقد سادت في هذه الفترة موجة من الأفلام التي تعالج قضايا اجتماعية سبق، وان تناولتها السينما فيما سبق، وأيضا ابتعدت قليلا عن الموضوع الرئيسي الذي كان يشغل الجميع هو أزمة السكن، والتي كانت تواجه الشباب المقبل على الحياة الزوجية.
اقتربت السينما في هذه الفترة من مشاكل الأسرة اكثر من ذي قبل، وسلطت الضوء على العلاقات الإنسانية التي تحكم هذه الرابطة، وكيفية تعزيز تماسكها بما يعود على بناء المجتمع برمته.
يعد النجم فريد شوقي(30 يوليو 1920م – 27 يوليو 1998م) هو المهيمن على هذا النوع من الأفلام بشكل لافت للنظر بعد إن خلع عباءة الفتوة الشرس والمقاتل المقدام إلى الأب الحنون المكافح الذي يسعى إلى إن يكون بقدر هذه المفردة من معنى أنساني ووجداني. استطاع شوقي بما يمتلك من قدرات تراكمية، امتدت سنوات طويلة تسيد فيها شباك السينما العربية، استطاع إن يطوع البطل الخارق(عنتر) وصاحب اليد الحديدية إلى دمعة أب يجتهد في الحياة كي يزرع القيم والمُثل النبيلة في نفوس أولاده المتمردين. وبهذا تمكن فريد شوقي كما كان قويا بعضلاته إن يكون قويا بمشاعر الأبوة، وان يلهب المتلقي العربي بحسه الدرامي المؤثر تحركه غاية هي زرع القيم الإنسانية في نفوس الجديد. ويعد فيلم (وبالوالدين إحسانا) 1976 بطولة سهير رمزي وسمير صبري وكريمة مختار وإخراج حسن الإمام من أكثر أفلام شوقي اجتماعية لأنه تناول علاقة الأب بالابن ،ومحاولة الأخير إن يتسلق سلم الحياة دون إن يلسع بإبر النحل. الفيلم درس اجتماعي في احترام الأب مهما كان منصبه بسيطاً، إلا إن الإنسان لا يعرف قيمة الأبوة الحقيقية إلا عندما يكتوي بنارها المستعرة. استطاع شوقي إن يكون ذلك الأب الواعظ والمضحي في سيبل سعادة أولاده، وفي حين كان سمير صبري الابن العاق، والمتمرد الذي استطاع إن يستوعب الدرس ويتقن دور الأب ولكن لا حين مناص. ولمجرد قراءة عنوان الفيلم الذي اقتبس من آية كريمة يمكن إن نلمس عمقه الاجتماعي الوعظي الإرشادي. وينجر هذا المحنى على أفلام (ياولد) 1972 بطولة سهير رمزي وحمود ياسين واحمد زكي إخراج نادر جلال،وفيلم( لايا امي) 1976 بطولة مديحة كامل وإخراج ناصر حسين ،وفيلم ( يمهل ولا يهمل) 1979 بطولة نور الشريف وميرفت أمين وإخراج حسن حافظ ،وكذلك فيلم ( يا من أنت كريم يارب ) 1983بطولة نور الشريف وبوسي وإخراج حسين عمارة. ثم انتقل النجم فريد شوقي إلى معالجة مشكلة زيادة السكان، وتحديد النسل وما يرتبط بهذا المشكلة من قضايا تعليمية وأخلاقية واقتصادية كما في فيلم(أفواه وأرانب) 1977 بطولة سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة ومحمود ياسين ورجاء حسين وإخراج هنري بركات، ورغم إن دوره لم يكن يتناسب وحجم نجوميته، ولكنه استطاع إن يكون مؤثرا وفاعلا، مما يؤكد النظرية التي تقول “ليس هنالك دور كبير ولا صغير، بل هناك دور مؤثر وإبداع كبير “. إما في فيلم (يارب ولد) 1984 بطولة سمير غانم وزوجته دلال عبدالعزيز وإسعاد يونس واحمد راتب ومشاركة مميزة لكريمة مختار وإخراج محمد عبدالعزيز؛ انتهج شوقي أسلوب الكوميديا الاجتماعية في طرح القضية القديمة – الجديدة ” الذكر ليس كالأنثى”، وكيف يفضل المجتمع الشرقي الذكور على الإناث، ولعل لمشاركة نجوم الكوميديا هي التي جعلت إن تطرح هكذا قضية بأسلوب هادف، استطاع فريد شوقي إن يحتضنها برحابة صدره وخبرته الفنية الطويلة.
المعروف عن فريد شوقي انه في بداية الخمسينات بدأ يغير جلده نوعاً ما ليقدم شكلاً آخر للبطل بعيداً عن صورة الشر التي ظل يؤديها طوال الفترة الأولي من مسيرته في أفلام مثل (قلبي دليلي) عام 1947 إخراج أنور وجدي، و(اللعب بالنار) عام 1948 للمخرج عمر جميعي، فيلم (القاتل) عام 1948 إخراج حسين صدقي، و(غزل البنات) عام 1949 إخراج أنور وجدي وغيرهما من الأفلام التي أدى فيها أدوار صغيرة كلها تدور في إطار الشر عن طريق رفع الحاجب وتجهم الوجه.بعد ذلك غير جلده تماماً وأصبح البطل الذي يدافع عن الخير في مواجهة الأشرار؛وجاءت أفلامه في هذه المرحلة متميزة ومنها فيلم (جعلوني مجرما) عام 1954 للمخرج عاطف سالم.
وشارك شوقي في عدد من الأفلام العربية التركية منها :(مغامرات في إسطنبول)1965مع فريدة، رأفت طرنزاي، تأليف عبد الحي أديب، وإخراج سانر،و(عثمان الجبار) 1968، مع هوليا كوتشيت، تأليف عبد الحي أديب، وإخراج عاطف يلمز،و(غوار لاعب كرة) 1973 وهو فيلم سوري تركي، مع دريد لحام، أرول وفاهي يوز، تأليف نهاد قلعي، وإخراج عاطف يلمظ، حتى فليم (وحش الأناضول)1980 مع آمال ياسين ويوسف شعبان، تأليف عبد الحي أديب، وإخراج ماتين أركسان.
ربما يكون الفنان فريد شرقي من خلال مسيرة أمدت لخمسين عاما، ابتداءها من فيلم ( ملائكة جنهم) 1948 حتى فيلم آخر أعماله (الرجل الشرس) 1996 لياسين إسماعيل ياسين وأكثر من 400 عمل سينمائي وتلفزيوني ومسرحي، استطاع شوقي من رسم صورة معينة له في ذهنية المشاهد العربي هي صورة البطل(عنتر بن شداد) وابن البلد الفتوة ورجل الأمن الفذ والبخيل، ولكن تبقى صورة الأب الحنون هي الأكثر ولوجا وقربا من النفوس ، لأنها تناغم المشاعر الإنسانية العربية التي تتآزر مع العواطف التي تنسال منها دموع المواعظ وتدغدغ وجدان الإنسان الشرقي الباحث عن المثالية في الأفلام كي تعوض جحود الحياة.