23 ديسمبر، 2024 12:26 ص

فرع تموين البصرة ومخالفة الدستور العراقي

فرع تموين البصرة ومخالفة الدستور العراقي

في الأخبار أن مدير فرع تموين البصرة خليل يونس قد أصدر تعليمات تقضي بعدم تسليم البطاقة التموينية الجديدة إلى المواطنين إلا بعد تحديثهم لبياناتهم في سجل الناخبين ، وأعلن أن هذا الإجراء قد اتخذه استنادا إلى كتاب قد وصله من دون أن يعلن عن اسم الجهة التي أرسلت له هذا الكتاب !! وقد أرجع سبب هذا الإجراء لعدم قيام الآلاف من المواطنين بتحديث بياناتهم في سجلات الناخبين ، وربما كان العدد أكثر من ذلك بكثير مما ذكر !!
في البدء ذكرتني هذه التعليمات القراقوشية بالأمر الذي صدر في زمن الطاغية صدام عندما أقام مسرحية الاستفتاء على تجديد رئاسته ، وهدد من لا يذهب لذلك الاستفتاء الشكلي بسحب بطاقته التموينية !! فذهبت جموع الناس مرغمة على المشاركة وأدلت بـ(نعم) دفعا للشر ، وخوفا من قطع لقمة عيشها ، ثم أعلن نائبه من وسائل الإعلام بعد ساعات عن فوزه بهذا الاستفتاء الغريب بنسبة مئة بالمئة وأطلق عليه ( يوم الزحف الكبير)!! ويبدو أن المسؤولين في محافظة البصرة قد أعجبتهم هذه التجربة البائسة ، ورغبوا في تقليد الطاغية صدام فيها والمضي على خطاه في تطبيقها !!
إن صدور مثل هذه التعليمات المستهجنة وهي كثيرة ، ويتكرر حدوثها في معظم المحافظات العراقية ، وهي بصريح العبارة مخالفة دستورية صارخة ، فقد نص الدستور العراقي في الباب الثاني الفصل الأول (الحقوق) المادة 15 على أن ((لكل فردٍ الحق في الحياة والأمن والحرية ، ولا يجوز الحرمان من هذه الحقوق أو تقييدها إلا وفقاً للقانون ، وبناءً على قرار صادر من جهةٍ قضائيةٍ مختصة)) ، وجاء في المادة 17 (أولا) أن ((لكل فردٍ الحق في الخصوصية الشخصية ، بما لا يتنافى مع حقوق الآخرين ، والآداب العامة)) ، كما نصت المادة 37 (أولا – أ) من الفصل الثاني (الحريات) على أن ((حرية الإنسان وكرامته مصانة)) ، وأكدتها المادة 42 من الفصل نفسه إذ قالت ((لكل فرد حرية الفكر والضمير والعقيدة )) ، فالمرجو من المسؤولين كافة والبصريين على وجه خاص مراجعة الدستور العراقي وقراءة أبوابه وفصوله ومواده بدقة قبل إصدارهم أي تعليمات مخالفة له وتمس بحرية وكرامة المواطن العراقي المبتلى بهم .
من المؤكد أن صدور مثل هذه التعليمات المستهجنة والمخالفة للدستور يراد منها إرغام المواطنين العراقيين على المشاركة القسرية في الانتخابات البرلمانية القادمة بعد أن أصيب هؤلاء المواطنون من خلال نتائج الدورات الانتخابية السابقة بالإحباط الشديد لكثرة ما شهدوا من فساد مستشرِ وظلم فادح ، وقرروا العزوف عن المشاركة في أي انتخابات !! وكم كان أولى بالمسؤولين الذين أصدروا هذه التعليمات الغريبة أن ينتبهوا إلى أنفسهم ، ويعملوا بجد تام وإخلاص ملحوظ وكفاءة عالية ، وينهجوا السيرة العادلة المحمودة ليقنعوا الناس عامة بأهمية المشاركة في الانتخابات وضرورة اختيارهم ثانية ؛ لا أن يعودوا إلى أيام الطاغية صدام السود واستعارة أساليبه القسرية بلا خجل !!
إن أمام المواطنين البصريين الكرام فرصة مناسبة لرفع دعاوى قضائية ضد من أصدر هذه التعليمات أو يحاول تطبيقها لدى المحاكم المختصة (البداءة ، النزاهة ، الإدارية) ، لمخالفتها الصارخة لمواد الدستور العراقي ، كما أن من أصدرها استغل منصبه وموقعه الوظيفي فقام بذلك ، إذ لا يوجد قانون يعطي الصلاحية لمسؤول أو مدير دائرة على إرغام المواطن العراقي على الذهاب إلى مفوضية الانتخابات أو المراكز الانتخابية والمشاركة في الانتخابات وتهديده بأي شكل من الأشكال إن لم يرغب بذلك ، مثلما أعطاه الدستور حق الذهاب الاختياري في المادة 20 من الفصل الأول (الحقوق) الباب الثاني إذ ورد فيها ((حق المشاركة في الشؤون العامة ، والتمتّع بالحقوق السياسية ، بما فيها حق التصويت والانتخاب والترشيح)) ، ونكرر إن لم يرغب بممارسة حقه هذا فله كامل الحرية بذلك ، ولا يرغم عليه أبدا .