*لقد حان الوقت اليوم ليقول الملوك والرؤساء والحكام العرب الى فرعون أمريكا بكل وضوح وصراحة: انته لست ربنا الأعلى ,ولن نقبل بأن تكونوا فوق إرادتنا , ولن نسمح لسياساتكم المتغطرسة أن تتحكم في مصير شعوبنا ,ولن نقبل تهجير سكان غزة ,وإعادة توطينهم ,وسرقة أرضهم التاريخية؟
على مدى عقود طويلة، لعبت وأسهمت السياسات الأمريكية دورًا محوريًا في تعزيز شدة الموقف الإسرائيلي , ليس فقط من خلال الدعم العسكري والمالي , بل أيضًا عبر استخدام نفوذها في المحافل الدولية, وخاصة في مجلس الأمن الدولي, مما أدى إلى إضعاف الجهود الرامية لإيجاد حل عادل ودائم للقضية الفلسطينية, فقد عملت بشكل متكرر وفي احيانآ كثير’ مبالغ فيه جدآ على حماية إسرائيل من أي مساءلة دولية , باستخدام حق النقض (الفيتو) ضد قرارات الشرعية الدولية التي تدعو إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية , كما أن العديد من قرارات الأمم المتحدة التي تدعم الحقوق الفلسطينية وتدعو إلى إنهاء الاحتلال لم تُنفذ حتى اليوم، مما يعكس بدوره تأثير الدعم الأمريكي الواضح والصريح في إعاقة تطبيق الشرعية الدولية وسط خيبة أمل من قبل الراي العام العربي , وإلى إضعاف مكانة الملوك والرؤساء العرب أمام شعوبهم وذلك نتيجة لخيبة الأمل العميقة التي يشعرون بها جراء غياب موقف عربي موحد ومتماسك، مما أدى إلى تشتت وتفكك الرؤية العربية تجاه هذه القضية المركزية.
أن القمة العربية الطارئة التي دعت لها القاهرة والتي سوف تعقد بعد ايام ، لبحث ملف الوضع في قطاع غزة ومواجهة المخططات الإسرائيلية والأميركية بشأن تهجير سكان قطاع غزة واعادة توطينهم في بلدان اخرى، فعلا الحكام العرب أن يكونوا على قدر المسؤولية اليوم ,وأن يثبتوا لشعوبهم بأنهم لديهم ضمائر وكرامة ليست شخصية فقط والحفاظ على موقفهم وكذلك للحفاظ على كرامة شعوبهم التي يحاول فرعون أمريكا الجديد بإهانته من خلال تهجير سكان غزة الى خارج أرضهم التاريخية ,وعلية أيها الحكام والرؤساء والملوك نقولها لكم : فأن أحسنتم القيام بواجبكم أمام شعوبكم، فقد أحسنتم لأنفسكم أولا وقفتم صامدين في وجه التحديات، دون تردد أو خوف من أي حاكم أجنبي أو طاغية جديد، فإن ذلك سيكون دفاعًا عن أنفسكم وكرامتكم قبل أن يكون خدمة لشعوبكم. الشجاعة في مواجهة الظلم والاستبداد ليست مجرد واجب قومي أو أخلاقي، بل هي أيضًا حفاظ على هويتكم وكرامتكم وإنسانيتكم . أما إذا أسأتم للقضية الفلسطينية، وتخلّيتم عن مسؤولياتكم التاريخية والأخلاقية، ورضختم للضغوط الخارجية، فستكون قد خنتم أنفسكم قبل أن تخونوا شعوبكم., وعندها، فليكن العار مصيركم، وليكن السحق جزاءكم، لأنكم بذلك تكونون قد تخلّيتم عن قضية ليست مجرد قضية شعب واحد، بل قضية أمة بأكملها، قضية العدل والحرية والكرامة الإنسانية التي كنتم تدعون لها طوال العقود الماضية.
في ظل الأحداث المتسارعة التي تشهدها القضية الفلسطينية، خاصة ما يجري في قطاع غزة من تصعيد عسكري وحصار خانق، يبرز دور أمريكا كقوة عظمى تسعى إلى فرض رؤيتها الأحادية على المنطقة. ومع وصول الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” إلى السلطة مرة اخرى ، شهدت القضية الفلسطينية تحولات جذرية، كان أبرزها ما يُعرف بـ “صفقة القرن” التي تجاهلت بصورة جذرية حقوق الشعب الفلسطيني التاريخية وحاولت إفراغ القضية من مضمونها العادل.
“ترامب” القادم من طبقة كارتيل المال والأعمال ، والذي نصفه اليوم بوُصف “فرعون أمريكا” لسياساته المتسلطة و الاستعلائية وغطرسته ، نجح إلى حد كبير في استمالة بعض الأنظمة العربية، وجعلها تتنازل عن ثوابت كانت تُعتبر فيما مضى خطًا أحمر في الدفاع عن الحقوق الفلسطينية ولا يمكن تجاوزه حتى وانا كان دفع الثمن حياتهم. فبدلًا من الوقوف صفًا واحدًا أمام هذه السياسات التي تدعم الاحتلال الإسرائيلي ، وجدنا العديد من الحكام العرب عاجزين عن اتخاذ مواقف حاسمة، بل إن بعضهم سارع إلى تطبيع العلاقات مع إسرائيل، متجاهلين معاناة الشعب الفلسطيني ومتناسين دماء الشهداء التي سالت على أرض غزة والضفة الغربية.
ففي قطاع غزة، الذي يعاني من حصار مستمر منذ أكثر من 15 عامًا ويعتبر أكبر سجن مفتوح بالعالم، تتفاقم فيه الأزمات الإنسانية يومًا بعد يوم. من انقطاع الكهرباء، نقص الأدوية، وارتفاع معدلات البطالة والفقر، والحالة المعيشية الصعبة كلها عوامل تجعل الحياة في القطاع جحيمًا لا يُطاق. ومع كل موجة تصعيد عسكري، تزداد المعاناة، بينما يقف العالم العربي، بقياداته الرسمية، عاجزًا عن تقديم أي حلول جذرية أو حتى تخفيف الألم عن أهل غزة.
الملوك والرؤساء العرب، الذين كان من المفترض أن يكونوا حماة للقضية الفلسطينية، تحولوا في عهد “ترامب” إلى مجرد أدوات ولعبة في يد السياسة الأمريكية. فبدلًا من الضغط على واشنطن لوقف دعمها اللامحدود لإسرائيل، وجدنا بعض الأنظمة العربية تتبارى في تقديم التنازلات، وكأن القضية الفلسطينية لم تعد تمثل أولوية في أجنداتهم.
لكن في المقابل، تبقى الشعوب العربية هي الحامي الحقيقي للقضية الفلسطينية. فبالرغم من كل المحاولات لتهميش القضية، لا تزال فلسطين حية في قلوب وضمائر ووجدان الملايين من العرب، الذين يرفضون التطبيع ويصرون على أن الحقوق لا تُنسى. المظاهرات التي تشهدها المدن العربية تأتي كرسالة واضحة للحكام: إن الشعب لن يقبل بأن تكون فلسطين ثمناً للمصالح الشخصية أو الامتيازات السياسية والمعونات المادية.
على الرغم من أن الرئيس الأمريكي قد اشتهر لدى الرأي العام العربي والعالمي بكونه شخصية لا تكترث بأي انتقادات تُوجّه إليها، خاصة فيما يتعلق بسياساتها الخارجية المثيرة للجدل وتصريحاتها الحادة والمستفزة، إلا أنه خلال فترة ولايته الأولى كان يتردد في طرح فكرة بيع قطاع غزة أو الترويج لتهجير سكانه والسيطرة عليه كجزء من مشروعه العقاري التوسعي. والسبب ببساطة يعود إلى خوفه من فقدان دعم الناخبين العرب الأمريكيين، الذين كانوا يمثلون جزءًا مهمًا من قاعدة تأييده الانتخابية.
لكن الوضع الآن اختلف تمامًا. فمع دخوله ولايته الثانية، والتي يراها الكثيرون حول العالم أربع سنوات عجاف مليئة بالتحديات والصراعات، يراها سكان غزة سنواتٍ ستكون فيها معاناتهم أكثر قسوة، حيث يترقبون ما إذا كانت هذه الفترة ستجلب لهم الغوث أم ستزيد من ضيقهم وعذابهم. ولأنه الإن لديه أربع سنوات قادمة يراها الفلسطينيون أربع سنوات عجاف ويراها أكثر وضوحا سكان غزة حيث فيها اليوم يغاثون وفيها يعصرون، وفي هذا السياق، أصبح الرئيس أكثر تطرفًا وهمجيةً في خطابه وسياساته، بل تجاوز في عنصريته حتى الموقف الإسرائيلي نفسه. فقد فاجأ العالم بتصريحاته الأخيرة التي تدعو إلى تهجير سكان قطاع غزة وإعادة توطينهم في بلدان أخرى، وهو ما يُعتبر انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان وتجاهلًا تامًا للتاريخ والجذور العميقة للشعب الفلسطيني في أرضه.
هذه التصريحات لم تكن فقط صادمة للعالم العربي، بل حتى للإسرائيليين أنفسهم، الذين تفاجأوا من جرأة الرئيس الأمريكي وحدّة موقفه. فما كان يُعتبر في السابق خطًا أحمر في السياسة الدولية، أصبح الآن يُطرح علنًا دون أي اعتبار للقانون الدولي أو للأخلاقيات الإنسانية. هذا التحول في الخطاب والسياسة يعكس نهجًا أكثر عدوانيةً واستعلاءً، يجعل من الرئيس الأمريكي شخصيةً أكثر تطرفًا من أولئك الذين يدعمهم، وهو ما يضع مستقبل القضية الفلسطينية في خطر أكبر، ويزيد من معاناة شعبٍ يعاني بالفعل من ويلات الاحتلال والحصار.
يواجه الحكام العرب اليوم اختبارًا صعبًا أمام شعوبهم، حيث يتعين عليهم تجاوز دورهم مجرد ظاهرة صوتية دون تأثير فعلي على أرض الواقع. لقد ترسخت في العقل الجمعي العربي طوال العقود الماضية سردية صورة التخاذل وعدم الجدية، وهي صورة أصبحت واقعًا مؤلمًا يتطلب تغييرًا جذريًا. إن القمة القادمة في القاهرة تمثل فرصة حاسمة لهؤلاء القادة لإثبات جديتهم والتزامهم بالقضايا العربية المصيرية، وخاصة القضية الفلسطينية. يجب ألا يقتصر الحضور على ممثلين أو وفود دون مستوى التحديات، كما حدث في العديد من القمم العربية السابقة. فالتاريخ اليوم لا يرحم أحدًا، ولن يُسامح أي تقصير أو تهاون. إن يوم الخميس الموافق 27 شباط يمثل محطة مصيرية في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي،
يجب أن يتميز البيان الختامي لقمة القاهرة من الشدة وبالوضوح والصراحة والقوة، بعيدًا عن أي تهاون أو تخاذل، نظرًا للتداعيات المصيرية التي ستترتب عليه في تحديد مستقبل القضية الفلسطينية . يتعين على القادة العرب أن يقدموا موقفًا موحدًا وحازمًا يدعم إيجاد حل دائم وشامل وعادل لهذه القضية العادلة. كما يجب عليهم أن يتخذوا موقفًا صريحًا في مواجهة السياسات الأمريكية المتغطرسة، في تهجير سكان قطاع غزة وأن يعلنوا رفضهم للابتزاز الذي تمارسه عبر استخدام المساعدات كأداة للضغط والرضوخ لمصالحها.
في النهاية، القضية الفلسطينية ليست مجرد قضية سياسية، بل هي قضية إنسانية ووجودية تمس كرامة الأمة العربية بأكملها , وإن كان “فرعون أمريكا” قد نجح في إضعاف الموقف الرسمي العربي، فإن إرادة الشعوب تبقى أقوى من أي سياسة استعلائية , فهل يعي حقآ اليوم وفي هذه اللحظة التاريخية الحاسمة الحكام العرب أن التاريخ لن يرحم من تخلّى عن فلسطين، وأن الشعب لن ينسى لمن وقف صامتًا أمام معاناتها وتشريدهم ؟