عالم متكامل يأخذك الى كل ما ترغب أو تحلم به، ما رأيته وما لم تره، أشبه بالسحر، إذ يقع تأثيره على الانسان فيصبح منقادا.. مبهورا.. مأخوذا فلا يجد منه مهربا. ولو كان أحد أجدادنا قد شاهده لآمن بأنه معجزة هذا العصر، وربما سيكون لديه الحق، فهل يعقل ان يصل الوحي من قارة الى قارة فتلتحم المشاعر وتتآلف القلوب حتى دون أن تلتقي الوجوه؟
سألني والدي ذي الخامسة وسبعين عاما اثناء متابعته لأخبار الربيع العربي مندهشا: كيف تحدث ثورة من خلال الفيس بوك؟ لم يستوعب خياله وجود هكذا اختراع يمكن له أن يقلب موازين القوى رغم اني شرحت له الكثير من التفاصيل. وللحق أقول اني أنا نفسي لا استطيع استيعاب دور الفيس بوك في الربيع العربي.. ان كان له دور حقا!
يصر أحد الأصدقاء على ان الفيس بوك وجد للحب فقط.. للتعويض عن نقص أو حرمان في نفوس المحبطين والغارقين في جحيم رغباتهم المكبوتة. يبدو هذا صحيحا عندما نقرأ ونسمع عن العلاقات العاطفية وزواجات الانترنت وخراب بيوت بعض السيدات. فتلك كرهت ادمان زوجها للشاشة التي تقدم له كل انواع النساء في ليلة واحدة، واخرى تحاول سد فراغ الزوج او الحبيب بشبح لامرئي لتجد نفسها صارت جزءا من عالم الحب الجاهز. ومهما اتسعت رقعة استخدام الفيس بوك بين النساء في بلدي، تظل صغيرة، فما زال استخدامه مقتصرا على الشابات ونسبة قليلة من الاعمار المتوسطة والكبيرة، وهذه النسبة قد لاتصل الى الثلث.
أما بين الجنس الخشن.. فقد توج الفيس بوك وبكل جدارة قائدا للربيع العراقي، ولكن بطريقة مختلفة عن تلك التي حدثت في مصر او تونس او غيرها، فقد ارتدى فرساننا خوذهم التي تمنعهم من سماع ضجيج الشوارع العراقية المزحمة بالقلق.. وحملوا رماحهم المصوبة نحو قلوب العذارى وغير العذارى، وبدأوا صولاتهم المجيدة التي تستمر كل ليلة واحيانا كل نهار دون هوادة. بعضهم صار خبيرا في وضع الخطط الهجومية التي يمكن من خلالها استعراض مهارة الخصم (هي) ومعرفة مؤهلاتها ومدى استعدادها.. يتخلل ذلك مشاهد درامية نفسية معقدة التركيب يبدو من خلالها الفارس وهو على وشك أن يسقط من على ظهر جواده بانتظار أن تتلقفه يدها البيضاء النقية، فتهرع زرقاء اليمامة التي تظن انها استطاعت اختراق قلب الفارس عبر الشاشة وال(وايرات) الى احتضانه لتسقط صريعة صولته الجهنمية، وربما تكون أكثر خبرة فتتمكن من اصطياده فيتحول الى طريدة. وبعد ان تنتهي الصولة التي يسقط فيها أحدهم ضحية، او يستمتع الطرفان بها ك(لعبة)، دون سقوط ضحايا، تقرع طبول الحرب لصولة أخرى وثالثة ورابعة ليصبح الفارس خبيرا يجند الكلمات في قاموسه الخاص الذي تتكرر مفرداته في كل مرة بينما تلتهم زرقاوات اليمامة ليس فقط كلمات الرجال بل عقولهم وقلوبهم ، ليتحول الى هيكل فارس يعرض في مزاد السلع القديمة لا يملك من تاريخه سوى قصصا عن صولات لم تغير وجه التاريخ، بل غيرت وجهة طريقه ليظل يدور في (فلكة) دون فرس.. او رمح او.. حتى قلــــــــــم…