18 ديسمبر، 2024 11:24 م
زينب ابنة الربيع الخامس وهي من عائلة معدومة. والدها ضرير وهي غالباً ما تقوده من يده في الشارع. سكنت عائلتها في المنطقة في بيت قديم متآكل وقد اجتمعت الرطوبة والزمن في إنهاكه. العائلة مكونة من هذا الأب البصير والأم مع زينب وأخيها الأصغر منها. أهالي المحلة يحرصون كل الحرص في تقديم ما يمكن من المساعدات المادية والعينية لهذه العائلة من المأكل والملبس والأمور تسير بفضل الله.
في ظروف جائحة كرونا انتشرت ظاهرة الدراجات الهوائية حيث قرارات خلية الأزمة التي الزمت الناس بالجلوس في البيت وعدم الخروج في أطول منع للتجوال شهدته المدينة. الجميع من الكبار والصغار يستقلون الدراجات الهوائية لغرض التبضع والتنقل عوضاً عن السيارات التي منعت من السير في الشوارع.
الأطفال في المحلة يسرحون ويمرحون بدراجاتهم الهوائية. دراجات من ماركات والوان مختلفة تملئ زقاقنا. ففي يوم الخميس 23 نيسان 2020 تحديداً وقبل حلول شهر رمضان المبارك بيوم واحد، جاءني زائراً أحد أصدقائي المقربين. صديقي هذا طبيب أخصائي وقد وقفنا معاً أمام الباب نتطلع إلى الأطفال الذي يلعبون على دراجاتهم الهوائية. زينب التي لا تملك دراجة هوائية وبثيابها الرثة كانت تركض خلف الأطفال وهم يقودون دراجاتهم، فليس لوادها المعدوم أن يشتري لها دراجة وهم يعتاشون على ما يقدمه الناس لهم. صديقي الطبيب لاحظ زينب وهي تلهث خلف الأخرين دون أن تكون لها دراجة. سألني صديقي الدكتور لماذا هذه الفتاة تركض خلف الأطفال الأخرين ألا تملك دراجة؟ شرحت له الموقف والحالة المادية الصعبة للعائلة. صعق صديقي من هذا الأمر وتألم ألماً شديداً حتى كادت دمعته تسيل من عينيه. لم يستطع على الأمر صبراً حتى طلب مني أن أركب معه في سيارته. قلت له إلى أين فهناك منع لتجوال السيارات. قال لا عليك فأنا طبيب ولي الحق في ذلك.
لم أكن أعلم وجهتنا حتى قال لي سنشتري دراجة لزينب. أحد المحلات التي تبيع الدراجات في شارع الكورنيش في مدينة كركوك كانت وقفتنا فيها. دراجات بألوان زاهية وأشكال مختلفة موضوعة أمام المحل، أشرت بيدي إلى واحدة منها. قال صديقي لا يا أخي لنسأل عن أسعار هذه الدراجات أولاً ونشتري أغلى دراجة. فعلاً سألنا عن الأسعار وقد أرشدنا صاحب المحل إلى مجموعة من الدراجات التي قال عنها إنها من الدرجة الأولى. اخترنا منها دراجة بلون أخضر فستقي وضعناها في صندوق السيارة وعدنا بها إلى بيتي بعد أن دفع صديقي الحساب.
أنزلني صديقي الطبيب من السيارة مع الدراجة الهوائية وهمّ الذهاب. سألته إلى أين ألا تعطي الدراجة إلى زينب؟ قال لا أعطها أنت بدل عني. وكيف ستعرف زينب أنك من اشتريت الدراجة؟ قال قل لها أحدهم اشتراها لك، ورب زينب يشاهد ويعلم كل شيء، قالها ومن ثم انطلق ذاهباً.
وضعت الدراجة في باحة بيتي وأرسلت ولدي لمناداة زينب وقد حضرت زينب. قلت لها يا زينب هل هذه الدراجة جميلة؟ قالت نعم إنها جميلة جداً. سألتها هل تستطيعين قيادتها؟ قالت نعم، إذن اركبي ولنرى هل تتمكنين من ذلك. استقلت زينب الدراجة وانطلقت في فرعنا مبتعدة عنا شيئاً ما ثم عادت إلينا ونزلت من الدراجة وقالت إنها دراجة سريعة وحلوة. قلت لها لماذا نزلتي منها إذا؟ قالت إنها لكم وليس لي.
لم أتأخر في اخبارها بأن الدراجة لها، حتى قلت لها يا زينب هذه الدراجة لك وليس لنا وقد اشتراها لكي شخص أرادك أن تكوني سعيدة كباقي الأطفال.
زينب هذه الصغيرة ليس لها أن تعبر عن مشاعر الفرحة التي غمرتها في هذه الأثناء. لكنني قرأت كل ما في خلجاتها من مشاعر الفرح والسعادة من تلكم النظرات المعبرة والبريق المنبعث من عينيها. قلت لها مبروك عليك الدراجة اذهبي بها والعبي مع أصدقائك الأطفال. انطلقت زينب وسط دهشة الأطفال الآخرين الذين تعجبوا لدراجة زينب الحديثة والغالية وقد انخرطت بين أقرانها. فقد أصبحت زينب الأن تقود أجمل دراجة وأغلاها بعد أن كانت تركض خلف الدراجات.
ويا لفرحة زينب وبريق عيناها.