19 ديسمبر، 2024 12:28 ص

فرانكشتاين في بغداد ….. وعشقي للقراءة والمطالعة

فرانكشتاين في بغداد ….. وعشقي للقراءة والمطالعة

لا يمضي يوم دون ان اقرأ او اتصفح كتابا كي اثبت حضوري كمثقف بين السطور والهوامش والفواصل لذا عشقي للقراءة والمطالعة يفرض علي كشاعر وكاتب ان اقرأ كثيرا ومن ثم اكتب كثيرا تارة ابدأ بقراءة رواية وانسى مع سطورها فوضى يومياتي لساعات وتارة ادخل دهاليز دواوين الشعر كي اتعلم المزيد من خفايا واسرار القصيدة وتارة تأخذني سطور من الفكر الى اعماق الوعي والادراك من خلال قراءة كتاب فلسفي حول قضايا الانسان المعاصر في المجتمع هكذا تتدحرج يومياتي بكل الفوضى التي تحملها لبعض الوقت الذي اخصصه للقراءة والمطالعة …..
قبل عدة ايام ارسلني السيد مدير القسم في الدائرة التي اعمل فيها الى الوزارة في اربيل عاصمة اقليم كردستان في مهمة عمل رسمية ( ايفاد ) هكذا هي العادة عندما يكون المرء موظف حكومي فهو ملزم ومجبر على اطاعة اوامر رئيسه المباشر في العمل وبما انني موظف كفوء ودقيق ومنظم في عملي واملك طاقة ايجابية في العمل فهذا جعلني احظى بثقة واعجاب واحترام السيد مدير القسم والسيد مدير مكتب مدير القسم الذي اعمل فيه لذا احيانا كثيرة يتم ارسالي الى الوزارة لتأدية عمل متعلق بشؤون القسم …..
ذهبت الى الوزارة واكملت العمل الموكل لي وشربت ( استكانة شاي ) وخرجت من الوزارة كان السائق الذي يرافقني ينتظرني بسيارته ( المونيكا ) وقال لي هل انتهى عملك استاذ ايفان فقلت له نعم لكن قبل ان تعود بنا الى دهوك اذهب الى مكتبة المدى ( مكتبة مشهورة في اربيل )حتى اشتري بعض الكتب فقال لي هل تعرف العنوان فقلت له نعم وصلنا الى المكتبة وخرجت من السيارة وقلت له انتظرني او تعال معي واجلس في المكتبة او دخن عدة سجائر لحين ان انتهي من شراء بعض الكتب اختر ما يناسبك فأختار الدخول معي والجلوس في المكتبة …..
دخلت مكتبة المدى ولقيت ترحيبا من صاحبها شاب في الثلاثينيات من عمره ربما يصغرني بسنة او ربما اصغره بسنة قلت له لقد اتصلت بالمكتبة قبل فترة وطلبت منكم كل مؤلفات احلام مستغانمي بطبعاتها الاصلية من دار نوفل هاشيت انطوان اللبنانية فقال لي وصلنا ما تريده استاذ ايفان التفت قليلا لليسار سترى ما تطلبه امامك في الدرج الامامي …..
واخيرا حصلت على ذاكرة الجسد وفوضى الحواس وعابر سرير وعليك اللهفة ونسيان كوم وقلوبهم معنا قنابلهم علينا بطبعاتها الاصلية بدمغة نوفل هاشيت انطوان رغم انها باهظة الثمن لكن انا كمبدع وكائن بشري لا ارضى بغير التميز في فوضى يومياتي بداية من ابسط الامور وصولا الى اعظمها وما ان انتهيت من تصفح بعض صفحات هذه الكتب حملتها ووضعتها على الطاولة وقلت لصاحب المكتبة بما ان مكتبة المدى تعتبر راقية وفيها كل ما يرغب به المثقف لدي اسماء بعض الكتب اتمنى ان تكون متوفرة عندكم فقال لي قل اسماءها وبعون الله اذا كانت متوفرة سأضعها امام حضرتك على الطاولة بجانب مؤلفات احلام مستغانمي فقلت له اريد هذه الكتب …..
فرانكشتاين في بغداد لـ احمد سعداوي
يا مريم لــ سنان انطوان
الفتيت المبعثر لــ محسن الرملي
اطفال منصف الليل لــ سلمان رشدي
غضب لــ سلمان رشدي
فقال لي كلها متوفرة وبطبعاتها الاصلية فأحضرها لي ووضعها امامي وطلبت منه الفاتورة التي تجاوزت المائة دولار فأخذها السائق الذي يرافقني ووضعها في السيارة …..
القصد من وراء هذا كله انني لا استطيع العيش بدون كتاب فهذه الكتب كافية كي تنظم بعض الوقت في فوضى يومياتي لأنني بحاجة للقراءة والمطالعة مثلها مثل الاكل والشرب والشهيق والزفير فأحيانا اقف امام مكتبتي المليئة بالكتب كي ابحث عن كتاب لم اقرأه بحجة النسيان افشل في بحثي فكل ما تحتويه مكتبتي من كتب قرأتها مرارا وتكرارا لذا تنتابني نوبة عصبية فأنا لست من النوع الذي يقرأ اي كتاب يراه امامه ولا اشتري كتابا فقط لمجرد الفضول والاطلاع بل ابحث كثيرا حتى يلفت انتباهي كتاب يشعرني بالحاجة الى تذوق المزيد من نكهة الثقافة والادب والفكر والفلسفة …..
البارحة بدأت بتصفح بعض صفحات الكتب التي اشتريتها من مكتبة المدى ووقفت حائرا امامها وقلت اي كتاب من هذه المجموعة سيشعل نيران الابداع بداخلي فقررت البدء برواية فرانكشتاين في بغداد الحائزة على جائزة البوكر العربية 2014 …..
يا الهي انها رواية في منتهى الروعة  اليوم وصلت للصفحة 259 من هذه الرواية المتميزة التي تتحدث عن الالم والوجع الذي يعانيه الانسان من الحرب والارهاب …..
لم اكن اعلم عن هذه الرواية رغم انني اتابع اخبار الادب والثقافة دائما فعرفت ما صدر قبل هذه الرواية وعرفت ما صدر بعدها وكل ما صدر حاولت قدر المستطاع الحصول عليه من خلال المكتبات او معارض الكتب وبطبعات اصلية لا غيرها لأنني لا اشتري الكتاب ولا اقرأه الا بطبعته الاصلية وغير ذلك انا ارميه في مكب النفايات بدون جدال ونقاش مع فكري وعقلي …..
لكن دار حوار بيني وبين احد اصدقائي من الشعراء والكتاب وكان محور الحديث يدور حول الكتب فقال لي انا اقرأ حاليا رواية فرانكشاين في بغداد وانت ماذا تقرأ فقلت له حاليا اقرأ رواية الاسود يليق بك لأحلام مستغانمي مع بعض الكتب الفكرية والفلسفية الحديثة النشر وبعض الدواوين الشعرية لمحمود درويش والتي اشتريتها من معرض الكتاب الذي اقيم مؤخرا في المركز الثقافي لجامعة دهوك فقال لي الم تلاحظ وجود رواية فرانكشتاين في بغداد في المعرض فقلت له لا العنوان غريب جدا فنصحني صديقي ان اقرأ الكتاب وقال لي …..
ايفان اذا لم تقرأ هذه الرواية فمعنى هذا انك بعثرت بعضا من الابداع في الهواء مدفوع الثمن وانا اعرفك منذ زمن طويل منذ بداياتك الادبية انك تعشق القراءة والمطالعة لا سيما الكتاب المتميز …..
فقلت له
هل هذه الرواية متميزة فقال لي انها النوع الذي تفضله من التميز في الروايات …..
تذكرت هذا الحديث الذي دار بيني وبين صديقي وانا اباشر بقراءة السطور الاولى من رواية فرانكشتاين في بغداد …..
فوجئت بنوبة ابداعية لا مثيل لها بالفعل انه عمل ادبي راقي اي نعم هو عمل خيالي لا يمكن اثباته بصورة واقعية على واجهة الحدث لكن الرواية لا تصعد سلم الابداع بدون خيال ادبي مشبع بالواقع …..
المثير في هذه الرواية انني كلما قرأت بعض فصولها ارجع بخطوات فوضوية الى الوراء كي اقرأ الفصل من جديد لأنني بالفعل احسست وشعرت بطعم القراءة والمطالعة فهي رواية خارقة للمشاعر والاحاسيس فبعض سطورها تضحكني وبعضها يحزنني وبعضها يحيرني رغم انني لم انتهي من قرأتها لكنها تستحق ان تفوز بالكثير من الجوائز الادبية لما تحمله من قيمة انسانية مليئة بالالم والوجع بعيدا عن الحب وقريبا من المجتمع الانساني …..
ما اقصده هنا ان القراءة والمطالعة اختبار مهم ومستمر يجب ان يمارس المثقف الشاعر والقاص والكاتب اي بمعنى الاديب طقوسه فبدون القراءة سيبقى المثقف واقفا في منتصف الطريق باحثا عن الاجوبة دون ان يحصل عليها واحيانا كثيرة لن يجد اسئلة كي يجد اجوبة لها …..
فالكتاب بالنسبة لي لا يقف عند حدود الصحبة والرفقة بل يتخطى معاييرا كثيرة احيانا كثيرة تدخل صميم فوضى يومياتي كي تكمل شخصيتي كمبدع ففي كل الاوقات في فوضى يومياتي لا اعتبر الضجيج والضوضاء تهديدا مباشرا لي عندما اكتب او اعزف او ارسم او امارس اي هواياتي لكن عندما ابدأ بالقراءة واحمل كتابا حينها يجب ان احظى بالهدوء كاملا وشاملا حتى استطيع التعمق والاندثار والانشطار مع الصفحات والسطور والحروف والكلمات فهذا يعطيني مساحة شاسعة كي اهضم محتوى الكتاب فكريا وفلسفيا وادبيا في عقلي وبهذا يكون قد حصلت على نكهة ومذاق طبيعي لما اقرأ من جانب وروعة وسحر الابداع الانساني من جانب وبهذا اضيف مكونا ثقافيا اخر لذاتي الابداعية …..
القضية هنا مكتملة  فأنا من جانب اكتب عن هذه الرواية ومن جانب اكتب عن عشقي للقراءة وما بينهما يبقى شاردا مبعثرا هائما لكن ليس مجهول الهوية انه الكتاب الذي يملك صفة التميز …..
لذا دائما اقول هنالك شيئان انا بحاجة لهما ان يتوفرا امامي دائما كي استطيع مواصلة فوضى يومياتي …..
الكتاب والحب
وبينهما اشياء اخرى مهمة جدا لكن الكتاب والحب هما الاهم …..