.. حين يتحول الانفصال إلى معركة لا تنتهي
في لحظة من اللحظات، يقرر طرفان أن علاقتهما وصلت إلى طريق مسدود، وأن الاستمرار معًا لم يعد خيارًا صحيًا. فيوقعان على أوراق الطلاق، ويظن البعض أن القصة قد انتهت. لكن الحقيقة المؤلمة أن الانفصال لا يكون نهاية دائمًا، بل في كثير من الحالات يصبح شرارة لبداية نزيف جديد.
فما إن تخرج العلاقة من دائرة الزواج، حتى تدخل دائرة أخرى أكثر تعقيدًا: دائرة العناد، والانتقام، والخصومات التي لا تنتهي. في أروقة المحاكم، نسمع الصراخ، وتتفكك الروابط التي كانت يومًا ما حبًّا وشراكة. تتبدل المشاعر، ويتحول الحب إلى كراهية، والود إلى صراع، ويبدأ كل طرف في جمع الأدلة والشكاوى وكأن الحرب ما زالت قائمة.
فلماذا تكثر المشاكل بعد الطلاق؟
هل هو بدافع الانتصار على “الخصم”؟
أم بدافع الإذلال والتشفي؟
أم لأن أحد الأطراف لم يقبل الهزيمة النفسية؟
في كثير من الحالات، يتخلى الطرفان عن آخر مظاهر النضج. يتناسون أن الطلاق، رغم مرارته، يمكن أن يكون وسيلة لإنقاذ ما تبقى من الاحترام، وأنه ليس بالضرورة أن يتحول إلى ساحة انتقام.
لكن المؤسف أن الأمر لا يتوقف عند الأذى المتبادل، بل يتعداه إلى قضايا جنائية أحيانًا: سرقة، تهديد، تشهير، إساءة استخدام الأطفال في النزاع… كل ذلك بين أشخاص راشدين – على الورق – لكنهم لم يبلغوا بعد نضجًا كافيًا لإنهاء العلاقة بكرامة.
ووسط هذا الصراع، يضيع الأطفال.
يدفعون الثمن الأكبر لصراع لم يختاروه، ويتنقلون بين بيتين لا يملكان سوى تبادل اللوم. يعانون من اضطرابات نفسية، وتشتت في الانتماء، وشعور دائم بعدم الأمان. يُستخدمون كورقة ضغط، بدل أن يكونوا أولوية مشتركة، في مشهد يفتقر إلى أدنى درجات المسؤولية.
الطلاق ليس عيبًا، ولا فشلًا بالضرورة. لكنه يصبح كارثة عندما يتحول إلى معركة لا تنتهي. عندما ينسى الطرفان أن العلاقة قد انتهت، لكن الإنسانية لا يجب أن تنتهي معها.
نضج الإنسان لا يُقاس بعمره أو بشهاداته، بل بكيفية تعامله مع الأزمات. فإما أن يجعل من الطلاق فرصة لبدء صفحة جديدة بسلام، أو يتركه يتحول إلى ندبة مفتوحة تفسد ما تبقى من الحياة – له، ولمن حوله.