21 ديسمبر، 2024 8:15 م

فرات صالح : وعربته التي تحرسها الأجنحة فرات صالح : وعربته التي تحرسها الأجنحة

فرات صالح : وعربته التي تحرسها الأجنحة فرات صالح : وعربته التي تحرسها الأجنحة

” عربة تحرسها الأجنحة”* المجموعة القصصية الأولى للقاص فرات صالح ،مع حجمها الصغير، فأنه يقسمها على (ثلاثة كتب)؟!.دون أن يُعرفنا على الأسباب المؤدية لمثل هذا التقسيم ؟!. (الكتاب الأول)، احتوى على ثمان قصص و(الثاني) تسع و(الثالث) سبع، وبعضها قصص قصيرة جداً ، وأغلبها في (الكتاب الثاني). ثمة وشائج وتأثيرات متبادلة بين ما يكتبه القاص (فرات صالح) من قصص و قصيدة النثر، كونه يمارسهما معاً ،ونلاحظ أنه قد عمل على المزاوجة بين توجهات واشتراطات ومهيمنات بعض قصائد النثر،الراهنة، والسرد في أغلب قصص المجموعة،التي حملت بين طياتها ملامح وتوجهات شعرية ودرامية مع مساحة ما لاستنطاق ذوات الشخصيات القصصية. القاص و في مجموعته ، اعتمد على الأسلوب الأبلاغي وهو من الأساليب التي تعتمد على تلخيص الإحداث والبؤرة الواحدة دون التشظي والإسهاب الفائض عن الحاجة في مثل هدا النوع من القصص، ومن هنا كان إيقاع القص مقتصداً و سريعاً مما أضاف عليها الإمتاع والومضة والمفارقة التي كما أوضحنا تكاد تتميز بها بعض قصائد النثر حالياً ،كما عمد القاص(صالح) لاستخدام تيار الوعي مع استثمار روح الدعابة سردياً ، عبر المفارقات الساخرة التي انطوت عليها غالبية القصص. تبدو قصصه وثيماتها هي مشاهداته اليومية و تجاربه الشخصية الحياتية التي يعيد سردها ، ويحاول أن يرتقي بها فنياً دون أن يضع لتقبلها محددات واشتراطات خارجية، تاركاً للمتلقي تقدير صدقها أو عدمه ، وهي بمثابة شفرات ،ملغزة، رامزة، يتمنى قبولها من قبل المتلقي المرتبط به في الحلم و أمل الحياة المشتركة وعوالمها التي تعاش مرة واحدة في هذا العالم، ويجهد القاص عبر قصصه ومنحاها أن تكون بفضائل إنسانية وعلاقات متينة ، خالية من الرذائل ، و الموت المجاني الذي عصف بنا سابقاً وما يزال. يلاحظ أن المهيمنات في قصص (عربة تحرسها الأجنحة) مبنية على وفق تقنية التوجه الذي يعتني بتقليل جرعات سرعة السرد وتكثيفه باتجاه تسليط إضاءة ساطعة على تفصيلاته الموجزة وهذه التوجه يسهم مع تقنية الوصف لإتمام البناء الفني في القصص وخاصة القصة التي حملت اسم المجموعة ونعني بها(عربة تحرسها الأجنحة) ومعها قصة ( التمثال) ففيهما نجد الراوي يتابع حركة الأشخاص بتفصيل مكثف – مختلف وتتوفر في هذا الجانب السردي كل العناصر الضرورية التي تهيئ للمتلقي متابعة الحدث وارتباطاته بالمشاهد التالية ، و يلجأ القاص إلى الوصف المرتبط بالسرد الفني لغرض إضاءة التفاصيل ومكوناتها ومنها ، النخل ،وهو يهوي بلا رؤوس، بل فقط جذوع لتكون بدائل عن جسور متقطعة ، وبعضها مهدم تماماً، وفي هذا المشهد تتضح مأساوية الخراب والدمار الذي أصاب الخارج بسبب الحروب المتواصلة وعبثيتها، و باتجاه فضح الخراب الداخلي الذي لحق بالشخصية المحورية ، وفي ظهورها المكثف تندفع العربة باتجاه مجهول كما في مشاهد القصة ، التي تلخص حوادث الانتهاك والتعسف الذي يطال الفتاة ، من خلال التركيز فيها على الفتاة فقط ليكشف بعض التفاصيل الضرورية ، و منها ،

ابتسامتها المخفية خوفاً أو حياءً ، وجسدها وبدانته. والقصة الثانية (التمثال) لا تبدو وقائعها فائضة أو تخضع لإضافات بشكل مباشر أو ضعيف قياساً بنهاية القصة ،التي يطرح القاص فيها إمكانياته السردية بوضوح ، عندما يستثمر سرد الإحداث فيها مع انه توجه في السرد لصالح الوصف وربطه بين التوجه الخيالي والواقعي فيه ، ثمة في القصتين إنجاز تقني يظهر فيه التوازي المتوازن بين زمنين ، هما زمن الحكاية بالتوازي مع زمن السرد. و نرى إن بعض الشخصيات في مجموعة (عربة تحرسها الأجنحة) مهزومة وتعاني من فراغ وقحط حياتي- روحي ، وتحاول أن تعوضه بالقراءات الفكرية الجادة – المتنوعة،وبعض القصص فيها إيغال في الوصف التسجيلي ، لكنها تكشف عن آفاق وتوجهات ورهافة لغة القاص، مع اقتصادها العام وانفتاحها على التوجه الشعري أكثر من الجانب السردي الذي يتميز بالتقنين والرصد المحايد. بعض قصص المجموعة، تقع ضمن جنس القصة القصيرة جداً ومنها: رحيل، وشطرنج ، والمقعد الفارغ، ومذيع، وشارع الجثث الأليفة، ومصطبة ، ودوامة ، وزيف، و(ترافك لايت) و كانت بسطر واحد فقط: ” سيدة جليلة تشمخ بأنفها منتصبة مترفعة، مدت كفها الحمراء فتوقف سيل السيارات في الشارع”. نرى هنا ذهاب القاص إلى الإبلاغ الخارجي دون مبرر من خلال الأوصاف التالية:”جليلة، منتصبة، مترفعة”. ونرى انه كان على القاص أن يذهب عبر توجهاته الفنية الكشف عن شخصية قصته بحيادية. وقصص البندقية، و(الباب..الباب..يا محمد) وهي مبنية على أسئلة مقتصدة – رامزة وتقع بين الطفل ومعلمته ، فبعد أن رسم الطفل (محمد) بيتهم دون باب؟!. تسأله معلمته باستغراب عن سبب اختفاء الباب؟!. عندها يرد الطفل (محمد):” لكي لا يستطيع أبي الخروج منه إلى الحرب؟!”، وهذا الوعي العميق – المدهش ، يكشف عن تمزّقُ الروح والقلب ،بسبب غياب الأب والقلق على مصيره ، لكن الجواب، في الواقع، أكبر من عمر الطفل(محمد) ووعيه ، وكان يمكن أن يعالج القاص اختفاء الباب على لسان المعلمة، وقصص سرب حمام ابيض، وحكمة المهرجين، ونوح، وأعوام الأب السعيدة، ومع حجمها الطويل نوعاً ما، لكنها تقع، كما نرى، في مكونات القص القصير جداً وتشترك معها في هذا المنحى قصة”بقعة زيت” ،والتي هي حصيلة “المشغل السردي في البصرة” ،وقد صدر في كتاب مستقل وكان الإصدار الأول واليتيم للمشغل، وتضمن (10 ) نصوص للقصاصين: عبد الرزاق الخطيب، وعادل علي عبيد، وباسم القطراني، وفرات صالح،وناصر شاكر الأسدي، وناصر قوطي، ورمزي حسن، وكامل فرعون، وعبد الحليم مهودر وفاضل حسن الكعبي، وكانت برؤى وأساليب سردية مختلفة في الأشكال والمضامين، خاصة بكل منهم . كما احتوى الكتاب على قراءات لبعض النصوص الواردة فيه لكل من مقداد مسعود وعلي عباس خفيف ومحمد سهيل احمد وثامر العساف.

* دار الصباح للطبع والتوزيع – الغلاف: للفنان صدام الجميلي.