17 نوفمبر، 2024 7:49 م
Search
Close this search box.

فدك.. عنوان صراع الحق والباطل منذ يوم السقيفة

فدك.. عنوان صراع الحق والباطل منذ يوم السقيفة

فدك : قرية في الحجاز، بينها وبين المدينة يومان، وقيل ثلاثة، وهي أرض يهودية في مطلع تاريخها المأثور (معجم البلدان /ياقوت الحموي 4: 238 – 239). كان يسكنها طائفة من اليهود، حتى السنة السابعة للهجرة حيث قذف الله سبحانه وتعالى بالرعب في قلوب أهلها فصالحوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليها كلها (فتوح البلدان / البلاذري : 42 – 46).

وابتدأ بذلك تاريخها الاسلامي، فكانت ملكا لرسول الله (ص)، لأنها مما لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب – قوله تعالى “وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب” – الحشر آية 6، ثم قدمها لابنته الزهراء (فتوح البلدان : 44)، وبقيت عندها حتى توفي أبوها (ص) فانتزعها وصادرها الخليفة الأول (الصواعق المحرقة: 38) ظلماً وجوراً، وأصبحت من مصادر المالية العامة وموارد ثروة الدولة يومذاك، وبعد أن تولى الخلافة عثمان بن عفان أقطعها مروان بن الحكم (فتوح البلدان: 44، إن بني امية اصطفوا فدك وغيروا سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، شرح نهج البلاغة 16: 216 )، ثم يهمل التاريخ أمر فدك بعد عثمان فلا يصرح عنها بشيء. ولكن الشيء الثابت هو أن أمير المؤمنين عليا انتزعها من مروان على تقدير كونها عنده في خلافة عثمان – كسائر ما نهبه بنو امية في أيام خليفتهم.. ثم عاد معاوية أبن صاحبة الراية الحمراء مغتصباً لتلك النحلة من آل الرسول (ص) لتبقى هكذا حتى يومنا هذا.. جاء في البخاري ومسلم وغيرهما.

فدك كانت ملكا لرسول الله (ص) ثم منحها لقرة عينيه فاطمة (ع) كما جاء في شواهد التنزيل للحسكاني وميزان الاعتدال للذهبي ومجمع الزوائد للهيثمي والدر المنثور للسيوطي واللفظ للأول عن أبي سعيد الخدري: لما نزلت (وآت ذا القربى حقه) دعا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فاطمة وأعطاها فدك (تفسير الآية 26 من سورة بني إسرائيل في شواهد التنزيل 1 / 338 – 341، والدر المنثور 4 / 177، وميزان الاعتدال 2 / 228، ومجمع الزوائد والكشاف وتاريخ ابن كثير 2 / 36، وتفسير الطبري ج 15 ص 72 ط 2 ينابيع المودة، وسيرة ابن هشام 3 / 408، ومغازي الواقدي ص 706 / 707 وشرح النهج 4 /78)؛ بأمر من الله سبحانه وتعالى ورداً لجميل والدتها أم المؤمنين خديجة الكبرى التي وضعت كل أموالها في خدمة الرسول (ص) لنشر الدين الاسلامي الحنيف- جاء في الدر المنثور للسيوطي عن البزاز وأبي يعلى وابن حاتم وابن مردويه عن سعيد الخدري أنه قال: لما نزلت الآية “وآت ذا القربى حقه- الإسراء:26” دعا رسول الله(صلى الله عليه وآله) فاطمة الزهراء(عليها السلام) وأعطاها فدكاً- الدُرّ المنثور في ذيل آية 26 من سورة الإسراء، وميزان الاعتدال، ج 2، ص 288، وكنز العمّال، ج 2، ص 158.

لقد كانت عائدات فدك في ذلك الزمان تضاهي عائدات دولة كاملة ولهذا السبب أغتصبوها القوم حتى يدعموا بذلك حكمهم الذي سلبوه بهتاناً وزوراً وظلماً بعد أن أنقلبوا على وصية نبيهم خاتم المرسلين (ص)، وأنقلبوا على بيعتهم لأمير المؤمنين الامام علي بن أبي طالب عليه السلام في واقعة غدير خم عام 10 للهجرة وأمام أكثر من 130 ألف من المسلمين وهم عائدون من الحج مع الحبيب المصطفى (ص) في حجة الوداع .

عن أبي الطفيل بمسند أحمد بن حنبل وسنن أبي داود وتاريخ الذهبي وتاريخ ابن كثير وشرح النهج واللفظ للأول قال: لما قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أرسلت فاطمة إلى أبي بكر: أنت وارث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أم أهله؟، فقال: “لا، بل أهله”، قالت: فأين سهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (مسند أحمد 1/4 الحديث 1، وسنن أبي داود 3/5 كتاب الخراج وتاريخ ابن كثير 5/289، وشرح النهج 4/81، وتاريخ الذهبي). لكن القوم لم يريدوا أي يسمعوها فضربوها، وأحرقوا بابا دارها وهي خلفها، والثاني يصيح بأعلى صوته “أحرقوا الدار ومن فيها”.. فقيل أن فيها فاطمة.. فقال “وإن” – حديث هشام بن عمار – الجزء: 1- الصفحة 221، وتاريخ الطبري – الجزء 3- الصفحة 202، والبلاذري- أنساب الأشراف – القول في السيرة النبوية الشريفة – أمر السقيفة – الجزء 1- الصفحة 586، وابن عبد ربه الأندلسي – العقد الفريد – كتاب العسجدة الثانية في الخلفاء وتواريخهم وأيامهم- الجزء 5- الصفحة 13، وابن عبدالبر- الاستيعاب في معرفة الأصحاب – الجزء 3- الصفحة 975 وغيرها من مئات المساند المذكورة في كتب العامة قبل الخاصة لايتسع المقال لذكرها.

لقد أسقطوا لها جنينها، ولطموا خدها، ومنعوها من البكاء على أبيها، و… حتى أستشهدت سيدة نساء الأولين الآخرين الطهر الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام وهي في ربيعها الثامن عشر ونحن نعيش ذكرى تلك الأيام المؤلمة والمفجعة؛ تلك الحوادث المريرة التي عاشتها وتعيشها الأمة منذ ذلك اليوم الإجرامي حتى ساعتنا هذه والدماء البريئة تسيل مثل الأنهار على يد عصبة آل أمية وأحفاد ذوات الرايات، من شرق فدك وحتى غربها ومن شمالها حتى جنوبها أي جميع بلاد المسلمين آنذاك، وكما حدد حدودها الامام موسى الكاظم عليه السلام في حواره مع الخليفة العباسي هارون الرشيد الذي قال للامام «حدّ فدكاً حتى أردها إليك» سعياً منه لسلب تأثيرها السياسي على الأمة باعتبارها تحمل قيمة سياسية ورمزاً للصراع التأريخي بين خط السقيفة وخط أهل البيت (عليهم السلام)، فرد الامام الكاظم (ع) قائلاً: «لا آخذها إلا بحدوده». فقبل هارون بذلك، فبدأ الإمام بذكر تلك الحدود قائلاً: «أما الحد الأول فعدن، والحد الثاني سمرقند، أي الحدود الشرقية لأراضي حكومة هارون، والحد الثالث أفريقيا، ويعني تونس أي الحدود الغربية للبلاد، والحد الرابع سيف البحر مما يلي الجزر وأرمينيا، أي الحدود الشمالية آنذاك»- کما كتب ابن شهرآشوب في كتابه “مناقب آل أبي طالب”: في كتاب “أخبار الخلفاء”، والمناقب، ج2، ص381، والزمخشري في ربيع الأبرار؛ أي أن العالم الإسلامي بجميع أقاليمه هي فدك .

لقد أخبر رسول الله (ص) وهو على قيد الحياة ما سيجري على ريحانته وروحه التي بين جنبيه بقوله: “كأني بها وقد دخل الذل بيتها، وانتهكت حرمتها، وغصب حقها، ومنعت إرثها، وكسر جنبها… وأسقطت جنينها وهي تنادي يا محمداه فلا تجاب، وتستغيث فلا تغاث، فلا تزال بعدي محزونة مكروبة باكية…” – بحار الأنوار/ ج 28 ص 38 نقلاً عن أمالي الصدوق 99؛ عملوا كل ذلك وصدا أقوال رسول المحبة والمودة (ص) عن فاطمة لا يزال يرن في آذان المسلمين ولم يمض عليه زمن وهو قال مرارا وتكرارا (فاطمة بضعة مني من آذاها فقد آذاني). وقد قال الله تعالى: (والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم). وقال أيضا: (إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنوا في الدنيا والآخرة). وقال (ص): (إن الله يغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها).. لكن فاطمة ماتت وهي غاضبة على أبي بكر وعمر – نقلاً عن عائشة كما جاء في صحيح البخاري: ج 5 – ص 177، و صحيح مسلم: ج 1 (ملخص) – ص 589 دار السلام – رياض، والامامة والسياسة ج 1 – ابن قتيبة الدينوري تحقيق الشيري ص 31، و أعلام النساء 3 ص 1214وغيرها؛ والله تعالى يقول (يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قوما غضب الله عليهم)!!

إصرار أم أبيها سلام الله عليها وروحه التي بين جنبيه على إعادة فدك ليس من بابها الاقتصادي فحسب بل من باب تثبيت وصية والدها حبيب رب العالمين (ص) في خلافته لصهره وابن عمه الامام علي (ع) كما أمر بذلك الله سبحانه تعالى في يوم الغدير بامامته للمسلمين في قوله تعالى “يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ” – المائدة: 67؛ ليعتلي المنبر الذي أقيم له وهو ينادي في القوم “من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم والي من والاه وعادِ من عاداه…”، فيهرع أول من يهرع من القوم الأول والثاني وهم يصرخان “بخ بخ لك يا علي أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة”

قال الامام علي بن أبي طالب أمير المؤمنين عليه السلام: ” بَلَى كَانَتْ فِي أَيْدِينَا فَدَكٌ مِنْ كُلِّ مَا أَظَلَّتْهُ اَلسَّمَاءُ فَشَحَّتْ عَلَيْهَا نُفُوسُ قَوْمٍ وَسَخَتْ عَنْهَا نُفُوسُ قَوْمٍ آخَرِينَ وَنِعْمَ اَلْحَكَمُ اَللَّهُ وَمَا أَصْنَعُ بِفَدَكٍ وَغَيْرِ فَدَكٍ وَاَلنَّفْسُ مَظَانُّهَا فِي غَدٍ جَدَثٌ تَنْقَطِعُ فِي ظُلْمَتِهِ آثَارُهَا وَتَغِيبُ أَخْبَارُهَا وَحُفْرَةٌ لَوْ زِيدَ فِي فُسْحَتِهَا وَأَوْسَعَتْ يَدَا حَافِرِهَا لَأَضْغَطَهَا اَلْحَجَرُ وَاَلْمَدَرُ وَ سَدَّ فُرَجَهَا اَلتُّرَابُ اَلْمُتَرَاكِمُ وَإِنَّمَا هِيَ نَفْسِي أَرُوضُهَا بِالتَّقْوَى لِتَأْتِيَ آمِنَةً يَوْمَ اَلْخَوْفِ اَلْأَكْبَرِ وَتَثْبُتَ عَلَى جَوَانِبِ اَلْمَزْلَقِ” – شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد – (ج / ص 3)، ومسند الامام الرضا (ع) للشيخ عزيز الله عطاردي – (ج 1 / ص 331) .

فدك عنوان الصراع بين الحق الباطل وبين الاسلام المحمدي الأصيل وبين الأسلام الأموي الارهابي المزيف الذي يعصف منذ يوم سقيفة بني ساعدة وحتى يومنا هذا في الأمة شاقاً صفها، مريقاً دماءها، مزيفاً اسلامها، مستهدفاً شيعتها الموالين لآل الرسول (ص) ومحبيهم وأنصارهم، عمداً وعامداً، يفتك بأجسادهم، وينتهك أعراضهم، ويحرق بلادهم، ويسبي نساءهم، ويقتل علمائهم، ويحرق قرآنهم، ويدمر مساجدهم؛ ظلماً وعدواناً لا لشئ سوى السلطة والحكم الزائل وفتاوى “حرمة الخروج على الولي وإن كان فاسقاً” تنتشر في ربوع فدك تغسل أدمغة شباب الأمة قبل شيوخها، ودعاتها قبل سذاجها، ليدفعوا نحو التناحر الطائفي، والصراع المذهبي، وتعزيز فكرة الاسلاموفوبيا الصهيونية، ومشاهد القتل والدمار والتفخيخ والتفجير والاحتلال والسبي المؤلمة الموجعة مشهودة اليوم في سوريا والعراق واليمن والبحرين وغيرها من بلاد المسلمين .

أحدث المقالات