22 ديسمبر، 2024 9:17 م

فخر التاريخ.. وهوان الحاضر

فخر التاريخ.. وهوان الحاضر

تمر الأمم والشعوب على مدى تاريخها، بظروف متعددة ومختلفة، تتباين بين الانتصارات والهزائم، والافراح والاحزان، والنشاط والخمول، فما بال أمتنا؛ والحزن مخيم عليها منذ قرون، والحروب تطحن بأبنائها، والهزائم تتوالى عليها؟

إنْ آمنا بعبقرية أسلافنا، وتفاخرنا بأمجادهم وحضاراتهم، وطرزنا ديباجاتنا بإبداعاتهم، فلِمَ لا نؤمن، إنَّ الدهر لا يبقى على حال، فهو متقلب ومتغير، يرفع أمة حينا، وينزلها حين آخر؟

بدءًا، ما دخل الماضي بالحاضر والمستقبل؟ كم من شعوب لا تاريخ لها وبَنَّتْ اليوم حضارة؟ وكم من حضارات بادت وتَشتتَ أهلها؟ لماذا نربط مصيرنا ومستقبلنا، بماض قد انتهى بزمانه ومكانه؟

إنَّ الشعوب التي لا تجد غير الماضي، فخرًا وعزًا تتغنى به؛ هي شعوب فاشلة؛ وإلّا، لماذا تتغنى بأمجاد اندثرت معالمها، وتشتتَ أهلها، ورَحَلَ صُنّاعها؟ هي الأرض نفسها، والليل والنهار نفسهما؛ فلماذا نجح الماضون، وفشل الحاضرون؟ وإن كان التغني بالماضي فخرًا؛ فمن يتغنى بحاضرنا بعد قرون ودهور؛ وهل لأبناءنا أن ينكسوا رؤوسهم خجلًا، من تأريخ ليس لهم دخل فيه؟

نرى واقعنا، وقد اندثر كل أثر جميل، وغابت معالم التحضر، فبعد أن كانت أرضنا مهدًا لأولى الحضارات البشرية، بُتنا اليوم من أفشل الدول، وأكثرها فسادًا ودمارًا؛ وكأننا نعيش صراعًا، بين الماضي والحاضر! ماض عريق وحاضر سحيق، نعيش اليوم، عصر الجهل والتجهيل، عصر الخرافة والتضليل، توأد الكلمة، ويطغى السلاح، يُقدّم الفاسد ويؤخر النزيه، يَعلو الفاشل ويُبعد الناجح.

إنَّ أردنا أن ننهض من كبوتنا، ونُنهي سباتنا، ونعمّر أرضنا، فإنَّما يكون ذلك؛ ببناء الإنسان وتعليمه، فلو نظرنا للتاريخ، نجد إن الحضارة التي بناها السومريون جنوب العراق، قد رافقها اختراع الكتابة، وكذا حال البابليين، فمسلة حمورابي شاهدًا على المستوى الثقافي الذي وصلت له تلك الامم، من احترام الانسان وحماية حقوقه، ووضع القوانين الضابطة لسلوكه، فبين أمس حضارتنا وفخرنا، ويوم حاضرنا وهواننا؛ إنسان وقانون.