كنت دائما اصر على ان العقول التي تدير المؤسسات الامنية وتقودها ميدانيا لازالت متاثرة بالمنهج الامني للنظام السابق ولا تستطيع ان تغادره ابدا فرغم عشر سنين من المواجهات الدامية والتضحيات الكبيرة والدماء الغالية التي سفكت على يد الارهابيين كانت من المفروض ان تكون كافية لايجاد وسائل ناجعة وخطط جديدة لمكافحة الارهاب الا ان تنامي قدرات القوى المعادية وامكانياتها الواضحة بتوجيه ضرباتها وقت تشاء واين تشاء وبالسعة التي تشاء يثبت بما لايقبل الشك فشل ومحدودية قدرة القيادات الامنية على السيطرة وضبط ميدان المواجهة .
كلنا يعلم ان القيادات الارهابية في العراق ليست عصابات عادية ولا اشخاص مغمورين وقليلو الخبرة ففصائل الارهاب كما هو معروف متشكلة من قيادات الاجهزة القمعية الهاربة او من تنظيمات فدائيي صدام المطلوبين للعدالة او من عناصر القاعدة وكل هولاء يملكون الخبرة الطويلة والامكانات الذاتية المكتسبة من سنين طويلة من العمل في ميدان المواجهة هذه الخبرة تجعلهم بالتاكيد يعرفون المتوقع من الاجراءات المضادة التي ستقوم بها الاجهزة الامنية تجاه عملياتهم التي يخططون لها وبالتالي امكانية التملص من قبضة العدالة .
ولا يمكن ان ننكر ان لتلك العصابات الارهابية خيوط ليست بالقليلة في المؤسسات الامنية الحالية وهي ناشئة بطبيعة العلاقات الانسانية ورفقة العمل الطويلة في الاجهزة الامنية للنظام السابق تلك الخيوط والارتباطات المشبوهة تساعد كثيرا في كشف الصفحات السرية من العمل الامني المضاد لحركة الارهاب والارهابيين وبالتالي تحبط الكثير من العمليات الامنية وتساهم في فشلها .
ونظرة بسيطة الى مكونات جهاز الاستخبارات والمخابرات العراقي وبطبيعة خلفيات انتماء منتسبيه وضباطه وقادته تكشف بوضوح ان الاعم الاغلب من عناصره هم من منتسبي جهاز المخابرات والاستخبارت الصدامي المنحل بل ان فيهم من كان يعتبر عامودا وركنا مهما من اركان تلك الاجهزة انذاك
ولا بد ان لايغيب عن بالنا ابدا ان تركيبة تلك الاجهزة الامنية وطرق اختيار افرادها كانت تعتمد الولاء لصدام وعائلته شخصيا وهم مختارون بعناية وتدقيق دقيق تضمن اعلى مستويات الولاء والخضوع لذلك النظام اضافة الى طبيعة التربية السياسية الموجهة بعناية لهم والمسمى علميا (غسل الادمغة ) حيث كيف يمكنه ان يحمي اليوم قادة و نظام حكم سياسي كان يعتبره بالامس عميلا وخائنا وعدوا .
في عام 2010 كنت جالسا مع بعض الاخوة في مكتب قائد امني كبيروهو مسؤول عن امن احدى المناطق المهمة والشاسعة وهو طبعا من قادة اجهزة امن النظام السابق وكان الرجل يتحدث بفخر عن انجازاته في مكافحة الارهاب والتصدي له وفي خضم حماسة وانفعالات حديثه ذكر الرجل بطولاته وقدراته وفعالياته في زمن النظام السابق وكيف انه كان امرا للواء في تشكيلات فدائيي صدام ثم فتح جرارة مكتبه ليعرض لنا متفاخرا صورة له مع صدام جسين وهو يقلده نوط الشجاعة او وسام اخر لا ادري ماهو !!!
وقد سمعت بعد فترة ان صاحبنا هذا اتهم بقضية فساد تخص اطلاق سراح ارهابيين معتقلين مقابل اموال طائلة مما ادى الى هربه الى خارج العراق !!
امثال هولاء ومن بعقلياتهم وارتباطاتهم وخلفياتهم وفسادهم هم اليوم من يتحكمون بامن بغداد وامن الابرياء فيها وهم اليوم من يحكمون ويتحكمون بمصالح الشعب وامنه !!
كل هذه الوقائع المهمة مضاف اليها حجم الفساد الكبير عند الساسة الممسكين بالملف الامني التي هي ليست مخفية على احد وواضحة وضوح الشمس في الهجير ادى بوضعنا الامني الى هذا التردي والتراجع ولا اظن ان قرارات استبدال القيادات الامنية سيساهم كثيرا في حل المعضلة ّلانها لم تات بجديد لا على مستوى الخطط ولا الشخوص ولا الالستراتيجيات الامنية فكل القادة الجدد هم من نفس المدرسة القديمة ولا تختلف عقلياتهم الامنية عن سابقيها الا بمقدار شدة القسوة والخشونة في التعامل مع مرؤوسيهم من جهة ومع المواطنين الابرياء من جهة اخرى !
فبدلا من ان تستبدل تلك القيادات خطط من سبقهم والتي هي عبارة عن عقوبة جماعية يعاقب بها المواطن البغدادي المسكين بغلق الطرق والحد من حركته ومنع تجواله وكثرة السيطرات ومفارز التفتيش التي لا طائل منها وبدلا من ان تلاحق وتعاقب الارهابيين وتستبق الوقائع بالعمل الاستخباري الرصين والمخلص تجدها قد اوجدت لنا بدعة جديدة وعقوبة جماعية اخرى تضاف الى العقوبات الجماعية المتراكمة المفروضة على ابناء هذه المدينة المنكوبة .
فقبل عشرة ايام القت القوات الامنية القبض على عصابة ارهابية تستخدم السيارات ذات الرقم الاسود او الفحص الموقت في عملياتها الارهابية ضد شعبنا المبتلى واكتشفت ان هذه السيارات هي من السيارات المسقطة والتي من المفروض ان تسلم الى دائرة المرور وقد استغل الارهابيون شهادة التسقيط لتضليل الجهات الامنية عن معرفة حائزها او مالكها وبدلا من ان يلقي القبض على العناصر الامنية التي ساعدت هذه العصابة في اخراج تلك العجلات واصدار تلك الشهادات وبالتاكيد هم ليسوا من الرتب او المناصب الصغيرة لطبيعة الصلاحيات التي تخول اصدار هذه الاوراق الرسمية وبدلا من ان تحاسب وتعاقب المتعاونين مع الارهاب اصدرت عقوباتها الجماعية على جميع من يمتلك السيارات التي تحمل اللوحة السوداء فوضعت شروط واحكام وقيود تحد من حرية التنقل واستخدام السيارات التي هي في اغلبها مصادر رزق لعوائل فقيرة تملا ازقة ومحلات بغداد .
مثل هكذا قرارات غير مدروسة ولا معقولة لا اظنها ستساعد في توطيد الامن ولا تساهم في التقليل منه وذلك لان الارهابيين كما قدمنا سيجدون وسائل اخرى غير هذه الوسيلة فهم يسبقون الاجهزة الامنية بمسافات شاسعة ولن توقفهم مثل هكذا اجراءات عن ارتكاب جرائمهم الشنيعة بطرق اخس وابشع وسيجدون دوما من يتعاون معهم وفي كل مفصل من مفاصل الامن في العراق وللاسباب التي ذكرناها
فالامر ياسادتي يحتاج الى معالجات جذرية وخبرات امنية متطورة حتى ولو اضطررنا لاستيرادها واستقدامها من الخارج والا فنحن في كارثة لان وسائل الارهاب تتعدد وتتغير وتتلون كل يوم واذ ا كانت معالجاتكم ستكون كمعالجات سيارات الفجص المؤقت فسيصل الحال بنا الى منع كل العراقيين من مزاولة اعمالهم وستضطر الحكومة بالتالي الى منع تجول دائم للعراقيين لتضمن عدم خروج الارهابيين وتنفيذهم لعملياتهم الخسيسة .