تبنى الدول والأوطان بجهود جميع أبنائها، وتكاتف طاقاتهم، والتقاء مهاراتهم وأفكارهم، كلٌ حسب مجاله وما يسّر له.

والعملية تسير ـ كما هو مفترض ـ بالتوازي، حتى يتم الوصول إلى الأهداف المنشودة، وذلك لأن أي تباين زماني او مكاني قد يوجد الاختلال المؤثر على عملية البناء، فإما لا يتم الوصول كما ينبغي، او يكون النتاج مشوهاً وذو أبعاد مختلفة القياسات والاتجاهات!

ولعل واقعنا الآن هو أكبر دليل على ما نقول، والشواهد كثيرة، ومنها اختيار المواقع الخاصة في الدولة، والتي تجري وفق مقاسات ظاهرها الكفاءة وباطنها المحاصصة المقيتة.

لا يتم الاختيار اليوم في الأعم الأغلب إلا وفق القرب من الانتماء وليس الاختصاص والانجاز، فيمنح من لم يكتمل بناءه فرصة متقدمة جداً واكبر من مقاسه، فيبدو الأمر كما أشبهه دوماً بقفز عشر درجات في سلم الارتقاء مرة واحدة، وهو ما يحرم صاحبها من التزامات ومتطلبات الدرجات التسع التي بينها.

لذلك نرى ما نرى من اضطراب في الإدارة.. وذلك لأننا وضعنا الرجل في المكان غير المناسب، او قبل أن يكون مناسباً له!

ومن ذلك حالة الاختلال بين سيل الشهادات العلمية والمتقدمة منها وبين البيئة التي تستوعبهم، فليس منطقياً ان يكون الجميع أطباء، او يحملون شهادة الدكتوراه، فهذا الأمر غير ممكن، مع افتراض أن أولئك على درجة وإمكانية تؤهلهم لهذا الامر!!

الأمر كمن يذهب إلى الامتحان وهو خالي الوفاض حتى من القلم الذي يكتب به!!

فهل نتفاجأ بعدها بهذا التراجع المخيف في سلك التربية والتعليم حتى على مستوى الكوادر والإدارات؟!!

إن المطلوب الآن بعد التقاط الأنفاس إلى عملية مراجعة حقيقية، مراجعة تنتج معالجة تضمن تقارب الخطوط فيما بين المجالات، المناصب ومستلزماته، الشهادات وسوق العمل، الأجهزة وميدان استخدامها، وحينها فقط نكون قد سرنا في الاتجاه الصحيح وتجنبنا حالة التقاطع والاشتباك.