تكريت ليست أرضاً على قارعة خارطة بل إنها ذاكرة خاكية في سجل الحاضر السياسي تمثلت برمزية تمثال غل قدميه قسراً على بساط احمر وضعه في حفرة على أبواب مقصلة بعد ان جلس على قمة القصر الرئاسي لأكثر من ثلاثين عاماً، فيما تبقى المدينة صاحبة اصرار على عدم تصفير الذكريات فمن كان ينظر الى العوجة انعواج في التاريخ بات الأن يرجم الأرشيف بـ”دماء السلطة و مناحر سبايكر”.
ما حصل في تكريت اكبر من حكاية انتصار على “فتوى النكاح”، نعم قد يكون سقوط أطرافها بطريقة الضربة الخاطفة تميهداً لانهيار جدرانها بسلاح الانتظار، درسا عسكريا لكنه يتجاوز مديات “السرف و المدافع”، اذ يمكن القول ان ما حصل فيها بانه تطبيق عملي لرد فعل تأخر أكثر من ثلاث عقود، بدأ في ارض المجزرة أما أين سينتهي حتماً ستكون المتغيرات الاقليمة طرفاً رئيساً في تحديد بوصلة فوهات أكثر من ثمانين ألف مقاتل.
إشارات ما حدث في التحضير وما حصل بعدها من تطهير لصلاح الدين قرأت بشكل جيد من قبل اللاعبين على المستوى المحلي و الدولي، مما اثار مضاجعهم في السعي لوضع العصا في دولاب الحشد الشعبي خشية الوصول الى الانبار ونينوى اللتين مازالتا في خدمة الانتظار، فقد يحاول البعض أن يضع حرق البيوت ونهب الممتلكات عنواناً لغزو شيعي لمناطق سنية، وحقيقة ان الثلاجة التي سرقت من تكريت لايمكن لها أن تتسع الى 1700قتيل.
الأخر لايريد ان يفهم ان (داعش) ورقة أسقطت من طاولة التخطيط ببعدها المكاني في اجتزاء المدن العراقية وتقطيعها على اساس دين منتج في مصانع الغرب، مع بقاء الكثير من المشاريع التي تنتظر التطبيق او التي في طريقها الى الظهور، وهنا لابد من الالتفات الى ان عاصفة الحزم في الرياض ما هي الا قراءة عميقة لاستباق الزمن لوضع السدود على المياه الإيرانية حتى لاتجد نفسها يوما تدافع عن مملكتها بعد ان قضت دهراً تفترس من يخالف عقيدتها، وهو ما دفع واشنطن بان ترمي الطعم الى طهران لتجميد اذرعها ثلاثة اشهر عبر اتفاقية لوزان النووية، لفسح المجال امام “دكاكينها” في الشرق الأوسط لبيع بضاعتها دون وجود “منافس مشاكس”.