“أنا على يقين بأن فتوى السيد السيستاني للجهــاد الكفــائي إلهام إلهي”.
هكذا عبر السيد الخامنئي عن الفتوى العظيمة التي صدرت من الامام السيستاني في 10-6-2014 بعد الانهيار الامني الكبير الذي حصل كنتيجة حتمية لتعنت وفساد سياسي منقطع النظير من قبل السلطة الحاكمة حينها،وضاعت نينوى وصلاح الدين وديالى والانبار وأجزاء كبيرة من كركوك ودخلت قوى داعش شمال بابل وتوغلت غرب بغداد ووصلت الى حدود كربلاء ! وجيش طار فضائيوه في فضائهم وحكومة أصبحت وكأن على رأسها الطير !
جاء النداء العظيم من السيد العظيم فأنعش اﻵمال وحول الصدمة الى اقدام، وفي غضون أيام قليلة تشكلت حشود المرجعية وازدحمت معسكرات التدريب برجال ملئت قلوبهم بالايمان والغيرة، علما أن الفتوى كانت من النوع الكفائي الذي يسقط التكليف الشرعي عن الاخرين بمجرد تحقق الغرض المنشود، فما بالك لوكانت الفتوى عينية؟!
من مميزات هذه الفتوى أنها لم توجه لطائفة معينة وانما كانت موجهة لجميع المواطنين القادرين على حمل السلاح وهذا درس كبير من دروس الوحدة الوطنية التي طالما استنشقناها طيبة من خطابات سيد العراق، وبذلك انقطع السبيل أمام كل صوت طائفي يشكك في نوايا الفتوى وأهدافها.ان المشروع الداعشي كان هو المخطط الكبير لضرب هيبة الدولة وكسر نظامها بعد أن فشلت المشاريع السابقة بعد سقوط النظام الديكتاتوري بحكمة مرجعية النجف، ومن ابرز هذه المشاريع هو زعزعة النظام عبر التفجيرات التي نفذتها القاعدة بحق الابرياء خصوصا وانها كانت تختار المكان والزمان المناسبين،فانفجار في منطقة شيعية يعقبه انفجار في منطقة سنية كانوا يرومون منه خلق الاحتراب الداخلي بين طوائف العراق وفي عام 2006 وصلت الفتن الطائفية الى ذروتها وأصبح القتل على الهوية ولو كانت المرجعية تدافع عن الشيعة فقط لأفتت بالجهاد حينها ولكن الامام السيستاني قال كلمته الشهيرة ” لو قتلوا السنة ثلاث أرباع الشيعة ما أفتيت بقتل واحد منهم)).
فبعد أن يئس أعداء العراق من اشعال الحرب الطائفية بوجود مرجعية النجف التجؤوا الى اسلوب جديد وهو اختلاق دولة مزعومة بفكر غريب وبدعم كبير لكي يحتل الاراضي ويسقط النظام السياسي مستغلا فساد المؤسسة الامنية حينها وتخاذلها، ولكن المرجعية كانت أكبر من الصدمة وقالت كلمتها فتحرر شمال بابل واطراف بغداد، وتحررت ديالى وصلاح الدين والرمادي والفلوجة ولم يتبق الا نينوى وأطرافها وتحريرها بات مسألة وقت لا أكثر.مايميز هذه الفتوى أيضا أنها لم تطلق منفردة دون ضوابط والتزامات تقع على عاتق المجاهدين، بل أن المرجع اﻷعلى كللها بتوجيهات وارشادات للمتطوعين حثهم فيها على نظافة الحرب والالتزام بالمعايير الاسلامية والانسانية في التعامل مع النساء والاطفال وكبار السن وكذلك منع الاعتداء على الاموال الخاصة، وهذه الارشادات كانت نتيجة موفقة لنظافة جميع الحروب التي خاضها الحشد، ففي تكريت مثلا كان حجم الخسائر المادية في المدينة لايتجاوز 3% بعد أن حررها الحشد الشعبي بينما كانت خسائر معركة الرمادي التي لم يشترك فيها الحشد، تقدر ب 80 % بعد مشاركة التحالف الدولي فيها !.
لقد كانت تلك الفتوى صعقة حياة لقلوب وأفكار المواطنين الذين وصل بهم التفكير بمستقبل الوطن حينها الى طريق مسدود، بل حتى لعمالقة السياسة وجنرالات الامن وجميع المهتمين من العلماء والمفكرين، كانت تلك الفتوى حلا أمثلا حين ال (لا حل) ونذكر هنا ماقاله رجل الدين السني المقيم في بريطانيا الشيخ محمد عمر القادري ” إن “فتوى المرجع الأعلى السيد علي الحسيني السيستاني جاءت للدفاع عن الإنسانية جميعاً وتنطلق من مبنىً إسلاميٍ صحيح وهو حب الوطن من الأديان”.
هذه الفتوى وبهكذا حجم وبعد وبهكذا نتائج على أرض الواقع مثلت الضمانة الكبرى لبقاء هيبة الدولة ونظامها السياسي، فمع وجود الحشد الشعبي لا خوف مستقبلي على أمن العراق مهما كان حجم المخططات والمؤامرات فبمجرد نداء قصير من النجف تزرع ارض العراق خلال ساعات برجال أشاوس من زاخو الى الفاو، وهذا يلقي بظلاله على قناعات محلية ودولية قد تقود الى تسويات سياسية كبيرة تغير المعادلة لصالح العراق.