صدرت أول فتوى للجهاد، في العصر الحديث عام( 1914)ضد الإحتلال البريطاني، إذ أفتى جمع من العلماء، بالجهاد ضد الإنكليز وقاد السيد محمد سعيد الحبوبي المجاهدين، وقبل هذا التاريخ لم يفت، أي عالم من علماء الشيعة، بعدغيبة الإمام المنتظر عجل الله فرجه، أي فتوى للجهاد في العصور المتعاقبة.لماذا أعلن السيد السيستاني فتواه، بعد الأحداث التي أعقبت سقوط الموصل؟وهنا علينا أن نحلل الأمر، من وجهة نظر سياسية وأمنية، فلسنا متخصصون في الأحكام والفتيا.لو إفترضنا العكس أن السيد، لم يصدر فتواه المباركة ماذا سيحصل؟الجواب الموضوعي، هو أننا في تلك الأيام الصعبة، إذ إنهارت معنويات الجيش، وتفككت عدة وحدات وفرق فيه، وسيطرة داعش على ثلث الترسانة العسكرية تقريبا، مع تفشي الفساد والفضائيين في الجيش، وقوى الأمن الأخرى، أما الفصائل المسلحة لبعض القوى الشيعية، لم تكن مهيئة بالعدة والعدد، لمجابهة ذلك الحدث الكبير، وإنشغال بعضعها في المعارك في سوريا.
فلو لم تصدر الفتوى، ستكون النتيجة هي سقوط بغداد بيد داعش، وتمدده نحو الجنوب؛ لكنهم توقفوا عند المناطق التي سقطت بأيديهم، بعد الفتوى المباركة، وظلوا يراوحون في أماكنهم، وبمرور الزمن أخذوا يفقدون مناطقهم، واحدة تلوى الأخرى، حتى وصل بهم الأمر، ليفقدوا عاصمتهم المعنوية، وقلعتهم الحصينة الفلوجة، وهاهم يحتضرون، وماهي إلا أيام حتى يعلن، عن موت هذا الكائن الإرهابي في العراق.
بعض الناس طرحوا تساؤلات، بين مشكك ومعترض ومستفهم، فمنهم من طالب المرجعية، بأن تصدر فتوى الجهاد ضد الأمريكان، والبعض الآخر وصف مقام المرجعية بالصامته؛ لأنه لم تتدخل في كل صغبرة وكبيرة.
الجواب على تلك التساؤلات، هو أن الشعب العراقي، بعد إسقاط الطاغية، بفعل قوى خارجية، بعد أن عجزت أو أجهضت كل المحاولات لإسقاطه، وكنا نتمنى في تلك الأيام، لو يحكمنا يهودي، سيكون أفضل لنا من هذا الطاغية، وكان الشعب منهكا من الحروب المتتالية، هذا من جانب، ومن جانب آخر، كانت تحكم العراق، لمئات السنين معادلة ظالمة، وهي أن الأقلية تحكم، وتضطهد الأكثرية، ولكي لا تعاد مآساة ثورة العشرين، حيث تثور الأكثرية، والحكم يذهب للأقلية، وما حدث من مآسي للشعب العراقي، كان نتيجة لتلك المواقف، حيث كشف التاريخ أنها ليست بصالحنا.ولو أـصدر المرجع الأعلى، فتواه ضد الاحتلال الأمريكي، لذهبت أرواح الآلاف، ولهدمت المدن، مع وجود أفق للحل السياسي، الذي من خلاله، إستطعنا كتابة دستور دائمي، من قبل هيئة منتخبة، وتشكيل حكومة وطنية منتخبة، وعملية سياسية، وإنتقال سلمي للسلطة، ومن ثم خروج الإحتلال(2011) بإتفاقية سياسية، ولم يبقوا لهم أي قاعدة في العراق، وهذا ماكان ليتحقق، لولا حكمة السيد السيستناني، الذي أجبر قوى الإحتلال، على تغيير مواقفها، بعد أن عينوا حاكما للعراق، وكتابة دستور من قبل أشخاص، معينون من قبلهم.
من رفع شعار مقاومة الإحتلال، كانوا أصنافا، منهم من يقاوم، لإسقاطهم نظام صدام، والبعض الآخر مرتبط بالتكفيريين والقاعدة، وقسم مرتبط بدول أقليمية، كانت لها مصلحة، في ضرب الأمريكان في العراق؛ لإبعاد الخطر عن حدودها، وعليه فإن خيار المقاومة المسلحة، لم يكن في صالح الشعب العراقي.
أما بعد تفجير العسكريين في سامراء، إجتمع المراجع الأربعة، ولم يفتوا بالجهاد ضد النواصب التكفيريين، بل دعوا إلى ضبط النفس، فالهدف من هذا العمل الإرهابي الشنيع، هو تأجيج صراع طائفي، فالمرجعية كانت تعي خطورة، وحساسية الموقف، إذ كان الإحتقان الطائفي في ذروته، مع ذلك خرج الوضع عن السيطرة، فكان القتل والتهجير، على الهوية الطائفيىة، إلا أنها إنحسرت وتلاشت، بعد بضع سنين.
إن تشكيل الحشد الشعبي، بعد الفتوى المباركة من متطوعين، وفصائل مقاتلة لأحزاب شيعية متعددة، كان ضربة موجعة للإرهاب، بل غير المعادلات الإقليمية، وشكل رقما صعبا، وكان إسنادا وظهيرا للجيش العراقي، رفع من الروح المعنوية للمقاتلين، لكافة صنوف قوى الأمن، إذ لم يشترك الحشد الشعبي في معركة، إلا وخرج منتصرا فيها، وما بقي إلا قليل، لإعلان النصر التام، على قوى الشر والإرهاب.