23 ديسمبر، 2024 11:43 ص

فتنة أمريكا

فتنة أمريكا

ورد في احد خطب الجمعة للسيد الشهيد محمد الصدر (قدس) وبالتحديد الخطبة الثانية من الجمعة الخامسة والعشرين أن حرب أمريكا في 1991م كانوا يسموها حرب مريم العذراء وكان الهدف منها هو محاربة المؤمنين والمخلصين في هذا البلد وذكر أمثلة لهذه المحاربة (بما تسمح به التقية) كانقطاع التيار الكهربائي ونقص الغذاء والدواء…..الخ
ونحن نعلم أن المحاربة مزدوجة فكانت داخلية من قبل صدام الطاغية وعصابته وخارجية من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وكان الضحية هو الشعب العراقي المظلوم..
وهذا الأمر ينبغي أن يكون اشد وضوحا في حرب أمريكا الثانية وهي التي سبَبت بإسقاط الطاغية صدام الهدام, فأن أمريكا لا زالت مصرة على محاربة المؤمنين وخصوصا بعد حصول الزيادة العددية والنوعية بفضل تربية ولي أمر المسلمين السيد محمد الصدر (قدس) بل الأمر نستطيع أن نعتبره من الأسباب الخطيرة التي دعت أمريكا إلى إسقاط حكم صدام..
لأن صدام فشل في مهمته التي جاء بها إلى السلطة وهي محاربة الإسلام المحمدي الأصيل الذي استطاع أن يتحدى الحضارة الغربية وهي في قمة مجدها.
فكان ما كان من هذا الطاغية بمباركة وتأييد من قبل الشيطان الأكبر.
وما إعدامه للسيد الشهيد محمد باقر الصدر (قدس) وحربه على الجمهورية الإسلامية في إيران….الخ
إلا أمثلة واضحة لهذه المهمة الخبيثة التي من اجلها وبسببها تسلَط على رقاب الشعب العراقي المظلوم وقد ظن الكثير إن صدام الهدام قد نجح في مهمته واستطاع أن يقضي على الإسلام المحمدي الأصيل وان يطفأ هذا النور..
ونشأ هذا الاعتقاد بعد أن استطاع أن يقمع الانتفاضة الشعبانية بعد تسليط المدافع والدبابات والصواريخ على هذا الشعب الثائر وما المقابر الجماعية إلا شاهد على هذا القمع.
والذي يلاحظ تلك الفترة بعد قمع الانتفاضة الشعبانية يجد اليأس والابتعاد عن الإسلام اجتماعيا وتفشي ظواهر اجتماعية منحرفة حتى قال الشيبة انه سوف تنقلب بنا الأرض لما يروه من الفساد والانحراف, ظن الأغلب أن صدام قد استطاع أن ينتصر على الإسلام ويطفأ نوره حتى أن العفالقة والصداميين المجرمين افتخروا بأنهم استطاعوا أن يربوا جيل الثمانينات على مبادئهم المنحرفة وأطلقوا عليه جيل القادسية وكان مخططهم أن يربوا الأطفال على أفكارهم المنحرفة الكافرة التي لا ترى للدين قيمة وأهمية بل لا بد من محاربة الدين والمتدينين..
ولكنهم خاب سعيهم وخاب ظنهم هم وأسيادهم الأمريكان حينما ظنوا أنهم قد سيطروا على الإسلام, حيث أنهم في قمة مجدهم ووصولهم إلى أقصى غاية لهم, أرسل الله سبحانه وتعالى عبدا من عباده الصالحين مبلَغا ومربيَا وداعياً إليه ألا وهو سماحة المرجع الشهيد ولي أمر المسلمين السيد محمد الصدر (رضوان الله عليه). لقد تصدى السيد محمد الصدر (قدس) لهذه المهمة العظيمة الصعبة في تلك الظروف الصعبة التي كانت تمر بها الأمة الإسلامية والشعب العراقي الذي كان يعاني معاناة عظيمة دينيا واقتصاديا فقد استطاع بمرجعيته الرسالية الصالحة الرشيدة أن يربي المجتمع تربية دينية وقد وفَقه الله لذلك بالرغم لما تعرض له من ضغوطات من جهات متعددة وهذا هو حال الأنبياء والأوصياء والأولياء وكان الله هو الناصر..
ونحن لا نستطيع بهذه الكلمات أن نحيط بهذه التربية الرسالية للفرد والمجتمع التي قام بها السيد الولي الصدر (قدس) ولكننا نريد أن نشير إلى شيء مهم وهو أن السيد الصدر (قدس) استطاع أن يهدِم كلما عمله الطاغية صدام وأمريكا واستطاع أن يثبت ما جاء في القرآن((أن اوهن البيوت لبيت العنكبوت)).
فالذي صرفت له المليارات وزهقت بسببه ملايين الأرواح أصبح كبيت العنكبوت بل إن جيل القادسية أصبح جيل الصدر أصبح جيل الهداية وجيل الإسلام بل إن قوافل الشهداء من هذا الجيل أكثر من غيره..
فكان ما حصل بسبب هذه التربية العظيمة من قبل ولي أمر المسلمين يمثل تحطيما لكل الأصنام التي ارادونا أن نعبدها..
ويبدو ان امريكا قد استوعبت هذه الضربة ففكرت بتصفية هذا المرجع الكبير وتمَ ذلك على يد خادمها صدام اللعين وكان صدام بهذا العمل يرجوا أن ترضا عنه أمريكا وكذلك كان يخشى على كرسييه وسلطته التي بدأت شيئا فشيئا تضعف بسبب التفاف الجماهير المؤمنة حول السيد ولي أمر المسلمين (قدس)..
وبعد أن تم لأمريكا قتل السيد الشهيد (قدس) بقي الصدر وما سببه من عزة للدين والمذهب والمؤمنين وما أسسه من توعية وتربية وتفاني من اجل الدين بل إن صدى الصدر وروح الصدر ونور الصدر وصوت الصدر وأفكار الصدر لم تمت ظلت تنبض بالحياة تعيش في قلوب وعقول الأمة والمجتمع بمختلف طبقاته في الحوزة وفي الشارع وفي المدارس والأسواق وفي كل مكان من عراقنا الجريح بل خارج العراق…
الأمر الذي كان صعبا على الطاغية صدام وزمرته البعثية الكافرة أن يخمد ويطفأ هذا النور أو ينشأ جيلا يفتخر به لان جيله الذي تعب عليه أصبح جيل الإسلام وجيل الصدر وأصبحت الأجيال التي تلت هذا الجيل تقسم باسم الصدر وبدمه ولكنهم حاولوا محاولات إلا أنها فشلت فقد عمدوا بعد استشهاد الصدر (رضي الله عليه) إلى التوسع في الحزب حيث توسعوا في إنشاء الفرق الحزبية فتضاعف عددها محاولة منهم لاحتواء كل ما بناه الصدر وشيده…
أمريكا بدورها بدأت تفكر أيضا باحتواء واستيعاب ما قام به الصدر (قدس) حيث أنها تيقنت من فشل صدام وزمرته في المهمة التي من اجلها جاء إلى السلطة والحكم وكذلك أصبح من الواضح أن استشهاد السيد محمد الصدر (قدس) لا يعني نهاية كل
ما بناه بل بالعكس انه يعتبر ترسيخا لما بناه لأنه من القادة والمراجع القلائل اللذين لم تمت أفكارهم بسبب موتهم…
وكان المقلق للشيطان الأكبر هو من القائد الذي سوف يقود هذا الشعب ويسقط هذا النظام الفاسد..
لان أي قائد يخلف السيد الشهيد الصدر (قدس) سوف لا يبدأ من الصفر لان القاعدة الجماهيرية الشعبية موجودة وهي لا تعطي زمام القيادة إلا لمن يستحقها فهي واعية من هذه الناحية وحيث أن المسافة الزمنية بين استشهاد محمد باقر الصدر (قدس) والسيد محمد الصدر (قدس) هي تسعة عشر عاما إضافة إلى أن ما بين هذه الفترة أي ما قبل بروز السيد محمد الصدر (قدس) كانت الأمور في صالح الطاغية ولكن الأمر الذي تحسبه أمريكا بعد استشهاد السيد محمد الصدر (قدس) مغاير لان الأمور ليست في صالح الطاغية ولا في صالح أمريكا أكيدا…
فهي لا تستطيع التنبؤ بالمستقبل على ضوء هذه المعطيات الجديدة إلا أن المؤكد حصول شيء ضد مصالحهم يكون في فترة زمنية اقل ويكون هذا الشيء أعظم من الناحية السياسية من السابق وقد يطيح برأس صدام الهدام الأمر الذي لا تتحمله أمريكا ولا تطيقه بل يكون شبه ضربة قاضية على وجودها في المنطقة الأمر الذي دفعها إلى افتعال حرب الإرهاب وإسقاط نظام صدام الهدام عليه اللعنة والعذاب وهذا الأمر يشكل فتنة في حد ذاته للشعب العراقي من عدة جهات:-
الجهة الأولى:- أن هذا الذي ذكرناه من تخوف أمريكا من مرحلة ما بعد استشهاد السيد الصدر (قدس) لا يشكل للشعب العراقي وعيا به بل انه مقتصر على النخبة بل أن هناك من ينفي مدخلية أمريكا في قتل الصدر (قدس) مما ينتج عدم الحذر الشديد من أمريكا وحسن الظن بنواياها الخبيثة.
الجهة الثانية:- أن هناك اشتراك مصلحة بين أبناء الشعب العراقي الواعين وغير الواعين على السواء وحتى القواعد الشعبية المؤمنة التي شيدها الولي الصدر (قدس) حيث إن الشعب العراقي يسعى نحو إسقاط صدام بل إن الشعب العراقي سعى بمختلف الطرق من اجل هذا الهدف فيكون هدف أمريكا مرغوبا به من قبل الجميع الأمر الذي يسبب لدى غير الواعين فتنة بأمريكا وحسن ظن بها والشعور بتفضلها بل وبإعادة النظر في الإدارة الأمريكية وما ينسب لها من جرائم في حق الإنسانية بصورة عامة وفي حق المسلمين والعراقيين بصورة خاصة الأمر الذي يشكل اختلافا شعبيا وخصوصا إن الساذجين وغير الواعين يشكلون نسبة معتدا بها وهذا يكون سببا للتفرقة التي بها يسود الأمريكان.
الجهة الثالثة:- لا شك انه من المعلوم شعبيا لو صح التعبير أن هناك اختلافات في أوساط المعارضة العراقية ونقصد بالمعارضة جميع الأحزاب والحركات والتيارات علمانية كانت أم غيرها مخلصة كانت أم غيرها وهذا بحد ذاته يكون فرصة إلى جميع طلاب الرئاسة والدنيا إلى التملق لهذا المحتل ومباركته والدفاع عنه بل وإعطائه الشرعية في حكم البلاد والتسلط عليه وكذلك لكي يكون بديلا نافعا لتسلم السلطة من بعد الهدام صدام بما يخدم مصالح أمريكا وتعويضها الخسارة التي أجبرت عليها وهي خسارتها لنظام مثل نظام البعث ألصدامي الكافر..
الجهة الرابعة:- الشعارات الزائفة التي تنادي بها أمريكا في الحرية والديمقراطية سوف تشكل فتنة بحد ذاتها ولعدة أسباب منها:
1. ما قام بها اللانظام المجرم الكافر من تربية سلبية أنتجت الكثير من المنحرفين عقائديا وأخلاقيا فسوف يتمسكون بالحرية ابقائا على فسادهم وترويجا له.
2. جميع من كان يقف مع البعث الكافر سوف يقف مع أمريكا ويعرض خدماته ويقدم لها المشورة والنصيحة وهم سلموا من القصاص العادل بسبب الحرية الزائفة والديمقراطية.
3. إن كل من يرى انه لا يهوى الإسلام بل يهوى الرذيلة والانحلال وإسرائيل والصهاينة سوف يجد الأمر سهلا لديه وسوف يتخذ من المحتل عضدا وناصرا ومعينا.
الجهة الخامسة:- لا شك إن هذا الشعب وهذا البلد بما يتمتع به من موقع مهم سياسيا واقتصاديا.. كان ولا زال عرضة إلى الأعداء خصوصا من الصهاينة فإذا كان الأمر في السابق عن طريق الجواسيس فالآن الأمر مختلف خصوصا إن البلد بسبب المحتل سوف يكفر بكل القيود والحدود ويستقبل كل من هب ودب وبعد إشغال البلد والمجتمع بالتفجيرات تارة ومن يقف ورائها من أنصار صدام وفدائييه أو من الإرهابيين الذين يأتون من وراء الحدود تارة أخرى, الأمر الذي سوف يجعل الصهاينة بعيدين عن الأنظار مما يجعلهم يعملون داخل البلد بسهولة ويسر وهذا يعتبر من اخطر الفتن.
الجهة السادسة:- عدم الاتحاد بين الحركات الإسلامية والوطنية على حد سواء بل إن الصراع والتضاد يشكل فتنة فمثلا إذا اتجه تيار وطني أو ديني نحو تحقيق وتجسيد إرادة الشعب خصوصا إذا كان هذا التيار ملتفتا إلى الأخطاء التي يمر بها البلد, نجد أن اغلب التيارات سوف تتجه الى احد اتجاهين وهما:
الاول:- عدم المساندة لهذا الاتجاه ومحاولة سلب مشروعيته وتقليل أنصاره كما حصل سابقا مع السيد الشهيد محمد الصدر (قدس).
الاتجاه الآخر:- هو اللجوء إلى المحتل والتعامل معه واتخاذه عضدا ومعتمدا..
وهذان الاتجاهان فتنة خطيرة لا زال شعبنا يعاني منهما.
بل كل غيور فردا كان أو تيارا سوف يحتم عليه الاستمرار نحو تجسيد إرادة الشريعة وإرادة الأنبياء وإرادة الشعب بل انه يرى التوقف خيانة عظمى للإسلام وللشعب.