18 ديسمبر، 2024 9:46 م

فتحها طارق بن زياد مستبشرا وسلمها “ابو عبد الله الصغير” منكسرا !

فتحها طارق بن زياد مستبشرا وسلمها “ابو عبد الله الصغير” منكسرا !

انها حكاية الواقع العربي-الاسلامي الحالي المكبل بقيود وعلاقته بالمجد الاندلسي المُضيع المفقود،فقبل ايام توفي شيخ المؤرخين والباحثين الاندلسيين،المحقق العراقي الموسوعي الدكتورعبد الرحمن الحجي،في العاصمة الاسبانية مدريد حيث يعيش هناك وله الكثير من المؤلفات القيمة عن الاندلس وتأريخها وحضارتها وأدبها ومكانتها وعلمائها وأعلامها،الا انني ومع كل ما تقدم من عطاء زاخر في مسيرة العالم الوقور الذي أفنى حياته كلها انطلاقا من الاندلس وانتهاء بها،لم أكتب شيئا في تأبين الرجل على صفحتي ليس تقاعسا ولا تجاهلا،وانما وددت أن أرثي الاندلس أولا ،ومؤرخها ثانيا،والواقع العربي – الاسلامي ثالثا بالتزامن ،ولكن بعيد افراغ المؤبنين والناعين كل ما في جعبتهم حتى لاتضيع”الرسالة”وسط زحام المعزين وتتيه في خضم صخب المكلومين بفقد شيخ المؤرخين الاندلسيين،وحتى لايفقد البوح صوته ولا يضعف صداه بين أصوات النائحين العالية،بالتزامن مع رثاء الشيخ الفاضل رحمه الله تعالى واسكنه فسيح جناته ووفق ابناءه لطباعة كتابه الأخير الذي اصبح جاهزا للطبع “إعجاز القرآن والنبوة”،اقول وددت رثاء الثلاثة وتأبينهم ونعيهم معا،الاندلس وعاشقهاوواقعنا المتهرئ المهزوم،الاندلس ومؤرخها وحاضرنا المتأزم المأزوم،الاندلس ومحققها وحركة التأريخ المتوقف عندنا كليا بتفرقنا وتشرذمنا وتناحرنا ومحاصصتنا واصطفافاتنا في حكاية بائسة تروى لأجيال محطمة يائسة في كل يوم،الاندلس وباحثها وصناعة التأريخ المُضيَّع لدينا بفعل أمراء الطوائف وتجار الحروب ممن صاروا وعلى حين غفلة من الزمان من علية القوم،لأن حكاية الفردوس الاندلسي المفقود تشبه الى حد التطابق حكاية”الواقع العربي-الاسلامي”الحالي المكبل بقيود..المقيد بأسلاك شائكة وحدود..المغيب وراء خنادق وبنادق وسدود ..المحاط ببساطيل واساطيل وجنود..بعضه غارق بآبار نفط وحقول غاز وترف لامتناه حيث جبال ذهب وهضاب فضة وتلال نقود،فيما بعضه الاخرغاطس الى الاذقان ببرك فقر آسنة وجوع وبؤس وخوف ودمار ونزوح وتهجير ماله حدود،واقع مهول ومستقبل مجهول تعبث به شياطين انس وشياطين جان وإمعات ورويبضات وأصنام حاكمة لاصقة على الكراسي والعروش تحيطها إحاطة السوار بالمعصم حاشية من خنازير وقرود، ثلثهم ذنب للغرب،وثلثهم ذيل للشرق،وثلثهم عبيد للصهاينة والماسونية واليهود، أمة حائرة بين حاضر خرب يرثيه المثقفون والمفكرون والاكاديميون والاعلاميون كعادتهم بكنف الامم المهزومة والمأزومة ليكتفوا بجلد ذات وشق جيب وقصائد نعي وذرف دمع وندب حظ وبكاء اطلال ولطم خدود،داخل مجلس عزاء جماعي شبه يومي،الداخل اليه مفقود والخارج منه مولود، وبين حنين لماض تليد، مجيد ،عتيد،زاخر بمفاخر ومآثر لاتحصى بناه بعرق جبينهم وبعصارة فكرهم وبسخي جهودهم وبخلاصة علمهم وبزبدة تضحياتهم الجسام جدود ..فصرنا بلا وزن بين الأمم، بلا ثقل بين الشعوب،لا قيمة ولا قامة ولاقيم حتى أستحلنا الى أشباه اشباح بلا وجود،بما أغرى كل من هب ودب من شذاذ الآفاق للتكالب على خيراتنا،ونهب ثرواتنا ،واستباحة دمائنا، وغزو بلادنا ،والاستهزاء بتراثنا ،والعبث بآثارنا،والتعرض لمقدساتنا،والتشكيك بثوابتنا،والعبث بعقول شبابنا من دون صد ولاكبح جماح ولا اعتراض ولامواجهة ولا تغيير أحوال ولا حتى مقالات واشعار وخطب عصماء وردود ،مصداقا لقول سيد ولد آدم الذي لاينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى،صلى الله عليه وسلم “يوشك الأمم أن تداعى عليكم، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها. فقال قائل: ومِن قلَّةٍ نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السَّيل، ولينزعنَّ الله مِن صدور عدوِّكم المهابة منكم، وليقذفنَّ الله في قلوبكم الوَهَن” فقال قائل: يا رسول الله، وما الوَهْن؟ قال: حبُّ الدُّنيا، وكراهية الموت”.
الاندلس او شيه جزيرة ايبيريا “اسبانيا والبرتغال” فتحها طارق بن زياد في رمضان سنة 92هـ مستبشرا، فيما كان سقوطها المدوي النهائي بإنهيار وتسليم آخر معاقلها “غرناطة ” في ربيع الأول من سنة 897 هـ على يد ابي عبد الله الصغير منكسرا، وقد امتد حكم المسلمين هناك ما يقرب من 800 سنة، استهلت وتوسطت عهدها بأعظم حضارة في عموم اوربا الغارقة آنذاك في ظلمات العصور الوسطى ، بل وكانت الاندلس في عصرها الذهبي اعظم حضارة في العالم بأسره ماتزال اثارها شاخصة الى يومنا هذا وتكاد ان تكون قبلة السياح والمستشرقين وعلماء الاثار في كل مكان، اندلس كان يحسدها ويقلدها ويتوق الى سكناها والسفر اليها والتعلم في مدارسها وجامعاتها والتجول في معالمها وشوارعها والصلاة في مساجدها والتمتع بحدائقها ونافوراتها والعلاج في مستشفياتها والنهل من معين معارفها وعلومها وعلمائها الثر الدافق القاصي والداني، لتنهي بريقها هذا نهاية مأساوية وبخاتمة سوء وانحدار الى الهاوية اتى على اركان مجدها في القرنين الاخيرين من عمرها ولم يتوقف لحين سقوطها الاخير،وجل المؤرخين فضلا عن المحققين يتفقون على ان من أهم الأسباب التي ادت الى سقوط الاندلس وما اعقبها من كوارث ليس اولها محاكم التفتيش التي نصبت للمسلمين بغية تنصيرهم بالقوة او مغادرة الاندلس ،حيث التعذيب الوحشي بالآت وادوات ووسائل تعذيب لاتخطر على بال اعتى المجرمين والسفاحين والقتلة وقد ذهب ضحيتها عشرات الالوف ، ولا آخرها انحسار الحضارة العربية – الاسلامية في عموم أوربا من جرائه،بما يمكننا تلخصيه بناء على ما اسهب فيه المحققون تارة ، ومروا عليه مرور الكرام تارة اخرى ،ولكن وقبل الشروع بالعرض الملخص اود ان اطرح فكرتي التي قد لايوافقني عليها الكثير هاهنا الا ان هذا ما اؤمن به بعيدا عن “الشحروريات والكياليات” الا وهي ان علامات الساعة الصغرى وان كانت تشخص عللا وآفات ستحدث في ازمنة وامكنة ما لتكون بداية النهاية ،الا ان ظهورها في امكنة وازمنة سابقة او لاحقة سيفضي الى – قيامات – موضعية زمكانية – دنيوية قبل يوم القيامة الاخروي ، بمعنى ، ان ” الامم التي تغرق في كل ما حذر منه النبي الاكرم صلى الله عليه وسلم ، من موبقات وآثام وكبائر ورذائل فقد تأذنت بالخراب وقامت قيامتها الدنيوية ولاريب ولعل هذا ما حدث في الاندلس في اواخر عهدها بعد مجد زاخر طويل جدا ومثير للاعجاب :
– اول اسباب السقوط المدوي الذي انتهى بـ” زفرة العربي الاخيرة ” كما يقال عنها وتوبيخ أم الامير الاخير، ابو عبد الله الصغير بعبارتها التي ذهبت مثلا في الافاق”ابكِ كالنساء مُلكاً لم تحافظ عليه كالرجال” ، بدأ بالابتعاد عن تعاليم الدين الحنيف تدريجيا وانفصام عراه عروة إثرعروة الى حد شرب الخمور علنا وانتشار المعازف والغناء وظهور المطربين والمطربات داخل وخارج الحانات والخمارات وصارت الناس تتباهى بما تحوزه وتجيده من الانغام والمقامات والعزف والرقص على الات موسيقية مختلفة، علاوة على استشراء العلاقات المحرمة والفجور ،وبشكل لافت ومن غير حسيب ولارقيب بما لايمت للدين بصلة مصداقا لقول المصطفى صلى الله عليه وسلم عن علامات الساعة الصغرى “ليكوننَّ من أمتي أقوامٌ يستحلون الحر – الفروج – والحرير ، والخمر ، والمعازف ” = اية حضارة تغرق بالملذات والشهوات وتستسلم للانهيار الاخلاقي من غير ضوابط تذكر صائرة الى زوال لامحالة وما للاندلس من استثناء من تلكم القاعدة الذهبية البتة وقس عليها حاضرنا حيث النوادي الليلية والملاهي والبارات وصالات القمار وقاعات اللهو والكافيتريات والمقاهي أكثر من المستشفيات والمدارس !
– ثانيها هو انشغال الكثير ولا اقول الكل من علماء الدين والمشايخ وطلبة العلم الشرعي بالسفاسف والامور الخلافية والجدل العقيم وركونهم الى الدعة والاستكانة وفتور همتهم وتراجع دورهم في الامر بالمعروف والنهي عن المنكر فضلا عن تعظيم الامراء في المقاطعات التي يعيشون فيها طمعا بما عندهم مقابل مهاجمة وتجريح والتشهير بأمراء و التحامل على علماء وفقهاء المقاطعات الاخرى= حين يعمد المصلحون الى تسقيط بعضهم بعضا على رؤوس الاشهاد واللجوء الى لغة التسقيط المشغوع بالعزة بالاثم ، المصحوب بالمراء والجدل وما افلح قوم اوتوا الجدل ، كما يحدث عندنا اليوم فسيتبعهم المقلدون ولاشك ليصبح تسقيط الدعاة والمصلحين عادة وربما عبادة عند بعضهم يؤجرون عليها على وفق تصورهم القاصر..وعندما تثار المسائل الخلافية المفرقة للامة ليلا ونهارا تصبح الدعوة الى الالفة والاتحاد ورص الصفوف ووحدة الكلمة كما امرنا الشارع الحكيم بها وهي اساس المواجهة والقوة والمنعة امام الخصوم والاعداء ،اقول تصير مجرد يوتوبيا حالمة لامكان لها على ارض الواقع وسيتهم دعاة الوحدة والاتحاد بانهم مجانين أو مأجورون او مغفلون، بل وسيتحول الناس لمضغ لحوم العلماء واكلها في المقاهي والحانات والبارات ليمتسخرواعليهم في كل وقت وحين ونتائج ذلك كله هو ” اما فقدان الثقة بهم وبعلمهم كلهم والجنوح الى اعتناق ايدولوجيات او ديانات اخرى ، او تبني الالحاد ، اللادينية ، اللاادرية ، الوجودية ، واما البعد عن الدين كليا وعدم الامتثال لأوامره ونواهيه ” بما يتحمل المتناحرون فيما بينهم من العلماء جزءا كبيرا منه ..واني لأعجب اشد العجب من عالم يقول لمريديه ،ان “لحوم العلماء مسمومة ” ومن ثم وبعيد دقائق يتولى شخصيا سلخ وتقطيع وسلق وشوي وقلي وطبخ لحوم عشرات العلماء السابقين واللاحقين من المدارس الاخرى المخالفة لمدرسته”، يا اخي انتبه لكلامك جيدا وزنه بميزان ولتكن لك رقبة طويلة كرقبة البعير لايخرج منها الكلام الجارح والمسيء جزافا الا بعد وزنه بمثقال !
– ثالثها هو الاسراف في الترف المهلك الذي اغرقت فيه الاندلس في آواخر عهدها حيث الجواري والنساء المسترجلات والرجال الناعمين والناعسين والكسالى والاتكاليين ، حيث الذهب والجواهر واللالئ والحرير ، حيث التفاخر بالانساب والاحساب المصحوب بالتكبر والاستعلاء، حيث الاموال المكدسة والقصور العامرة والضياع الفارهة والخيول المطهمة = امة يغرق سادتها وكبراؤها وزعماؤها وقادتها وتجارها وحكماؤها في الترف والنعيم المقيم بما يصنع طبقيات متنعمة وراكنة الى الدنيا، لاهثة وراءها ، مهرولة خلف المال والمغنم والمناصب التي تصير دولة بينهم دونا عن البقية الباقية من الطبقات والشرائح الاخرى التي تعاني التمييز الطبقي والاقصاء والتهميش،ما سيقابلها حتما شعب مسحوق فقيرحانق يفترش القاع ويتوق للخلاص منهم جميعا بعد ان استبد به الملل واليأس والاحباط والقرف ولن يحزن لموت احدهم او هلاكه او زوال ملكه ولو على يد الاعداء مطلقا !
-رابعها تمثل ببروز صراع مقيت جدا مدعوم – سلطانيا – والتعصب الاهوج للمذاهب الفقهية بخلاف مرادها وغاياتها ورؤيتها واهدافها ورسالتها التي جاءت من اجلها لتبين للناس دينهم واحكام الحلال والحرام ،لا لتعمل على طرد الناس بعيدا عن شريعتهم الغراء او قلبهم عليها أوتأليبهم ضدها، وقد توترت العلاقة وتأزمت لاسيما بين اتباع المذهبين “المالكي ،والاوزاعي ” حتى تم التضييق على الاخير وكذلك على المذهبين الحنبلي والشافعي هناك اسوة بالحنفي فاقصي عشرات الفقهاء من اتباع المذاهب المذكورة عن الفتيا والقضاء والتدريس والامامة والخطابة وضيق عليهم بعد اعتناق امراء الطوائف للمذهب المالكي حصرا وتحديدا .البداية كانت ذات هدف سام ونبيل تمثل بمحاولة توحيد الاندلس على مذهب واحد لمواجهة عدو واحد بمعنى “امة اسلامية بمذهب فقهي مالكي واحد لمواجهة اوربا بمذهب كاثوليكي واحد كذلك بعد اقصاء البروتستانت وملاحقتهم بتهم الهرطقة ” الا ان ذلك الامر سرعان ما تخبط وتهور وجنح بعيدا الى غير مراده السامي وابتعد كليا عن روح الشريعة الغراء حتى صار تعصبا مذهبيا كريها ما فوت الفرصة على المصلحين والدعاة والقضاة والوعاظ للامر بالمعروف والنهي عن المنكر بأريحية وبمساحة واسعة تسمح لهم بالتعلم والتعليم والخطابة والامامة والدعوة في وسط ينهار اخلاقيا ودينيا وهو بامس الحاجة الى استنفار كل الجهود والطاقات لهذا الغرض ، وصار على العالم الاندلسي اما اتباع المذهب المالكي او الجلوس في بيت ابيه متفرغا للقراءة والتأليف والتصنيف .واعتقد جازما وبخلاف ما قاله بعض المحققين من ان سبب فرض المذهب المالكي على الاندلس يكمن في بعد الاندلسيين عن مدارس بغداد الفقهية ” الحنفية ، الشافعية ، الحنبلية” وتأثرهم بفقه المدينة فقط من خلال رحلات العمرة والحج اضافة الى قربهم من دولة المرابطين ومن ثم الموحدين في شمال افريقيا وكلها مالكية، علاوة على الخشية من انتقال حمى المواجهات الفقهية والكلامية الى الاندلس اسوة بما جرى في بغداد بين حين واخر على يد المتعصبين والسوقة والزعار والشطار والعياريين ممن لامذهب لهم ولادين انما هو الحنين والتوق لافتعال المشاكل تمهيدا لمواجهات الشوارع والازقة والحارات والعبث بالممتلكات العامة والخاصة واثبات الوجود، من اتباع هذا المذهب او ذاك ” فتنة خلق القرآن التي اثارها المعتزلة ، التضييق على الحنابلة ، صِدام اتباع المذهبين السني والاثنا عشري ..” وما شابه بما لا اريد الخوض في غماره وتفاصيله هاهنا وتركه لأهميته القصوى وخطورته وحساسيته وعدم وضوحه الى حين آخر ..واعتقد ان السبب الحقيقي لفرض المذهب المالكي وازاحة بقية المذاهب في الاندلس آنذاك هو ” محاولة جادة من امراء الاندلس لمخالفة مذاهب بغداد ايام الدولة العباسية حتى لايقال ان الاندلس الاموية تابعة لخلافة بغداد العباسية ومعلوم ان الاندلس هي امتداد للامويين في الشام الذين اسقطهم العباسيون في العراق فكانت الاندلس ملاذهم الامن بعد فرارهم والنفاذ بجلدهم الى هناك وبالتالي فإن مذهب الامام مالك المعتبر الذي لم ينتشر في العراق يوما حتى كتابة السطور لأسباب – سياسية لعل اعتناق الامويين له في الاندلس وكذلك دولة المرابطين والموحدين المغرب الخارجة عن طوع سلطة بغداد العباسية واحدة منها – هو المذهب الامثل لهم على حساب بقية المذاهب الاخرى المعتبرة التي يعتنقها العباسيون وفي مقدمتها المذهب الحنفي ،بمعنى ان الاندلس التي رفضت بيعة بغداد وفضلت ان تشكل خلافة لها قائمة بذاتها – وهذا واحد من افدح اخطائها – لكانت الحضارة الاسلامية قائمة الى يومنا هذا من بغداد الى اسبانيا غربا ..ومن بغداد الى الصين شرقا …زيادة على حدوث شرخ خطير لاحق تمثل بتحول السلطة الاندلسية المركزية القوية هذه المرة الى “امارات واقطاعيات لامركزية ضعيفة – أقاليم – ولكل منها اميرها ،اضعفتها الصراعات ،وانهكتها الخلافات وفي ذلك قال ابن حزم الظاهري متهكما ” كان هناك ثلاثة يطلق عليهم امير المؤمنين في رقعة جغرافية تبعد بعضها عن الاخرى مسيرة ثلاثة ايام فقط !!” فتشكلت ما تعرف بأمارات الطوائف التي كانت سببا خطيرا في ضياع الاندلس بعد سقوطها تباعا كاحجار الدومينو ، قلمرية ، ليون ، طليطلة ، أشبيلية ، قرطبة وهكذا وصولا الى غرناطة التي رثاها الشعراء ومازالوا وسيظلون ولعل مرثية ابي البقاء الرندي تتربع على عرشها والتي استهلت بـ:
لكُلِّ شَيْءٍ إِذَا مَا تَمَّ نُقْصَانُ.. فَلَا يُغَرَّ بِطِيبِ العَيْشِ إنْسَانُ
وأختمت بـ :
لمثل هذا يذوب القلب من كمد ..إن كان فى القلب إسلام وإيمان
-رابعها الصراع البشع بين امراء الطوائف الى حد الاستعانة بالاعداء ضد بعضهم بعضا حتى ان احد الامراء قد بعث بالهدايا الى الملك الفونسو السادس الذي اسقط طليطلة بعد حصارها عدة اشهر وتحويل مسجدها الكبير إلى كاتدرائية طليطلة، مهنئا اياه بالمناسبة السعيدة عنده لكونه كان على خلاف مع اميرها المسلم، اضافة الى انتشار الفساد المالي والاداري والسياسي في عهد الطوائف وتكالب الامراء على المنافع المادية والدنيوية ، وتقديم المصلحة الخاصة على المصلحة العامة ،وانكبابهم على الملذات والشهوات البهيمية ،وقد لخص الامام ابن حزم الظاهري وهو ابن الاندلس واحد اشهرعلمائها الاعلام رحمه الله تعالى وكان معارضا لمجمل الافات السياسية والتفرق المذموم والتشرذم المحموم بين الامراء المتقاتلين على المناصب قائلا قولته المشهورة (والله لو علموا – ملوك الطوائف – أن في عبادة الصلبان تمشية أمورهم لبادروا إليها ، فنحن نراهم وهم يمكنونهم من حُرُم المسلمين، وربما أعطوهم المدن والقلاع طوعا فأخلوْها من الإسلام وعمروها بالنواقيس..) = ان الفساد المالي والاداري والسياسي وتكالب الامراء على السلطة وميزاتها ومنافعها ينتهي بالانهيار الشامل الذي يطاول كل شيء ممكن لك ان تتخيله بما فيها الاستعانة بالاعداء لضرب الاشقاء والاصدقاء والاقرباء مع الفتيا بذلك الهرج والترويج والتأصيل له ..ولاداعي هنا لضرب الامثلة المعاصرة التي تتشابه فصول مسرحياتها – الكوميتراجيدية – مع ما سبق !
– خامسها : بينما كانت الممالك الاسبانية المعادية تتحد فيما بينها لتقوية جبهتها ورص صفوفها وتوحيد كلمتها وتدريب جيوشها والتي توجت بإتحاد مملكة قشتالة بقيادة الملكة ايزابيلا ، ومملكة اراغون بقيادة الملك فرديناند من خلال الزواج الكاثوليكي المؤبد بينهما واقصاء كل خصومهما عن الساحة .كان امراء الطوائف المسلمين على الجبهة الاخرى يحارب بعضهم بعضا ويهاجم بعضهم بعضا الى حد الاستعانة بالاعداء ضد الاشقاء من دون حياء ولاخجل !
– سادسها : الصراع القومي بين الامراء ” العرب والبربر ” = الامة التي تتنازعها العصبيات القومية والاثنية والشوفينية حتى تصير عرفا لها وعادة ، هالكة لامحالة !
– سابعها: استشراء الصراع القبلي والعشائري آنذاك “انا من قبيلة فلان ولنا الحظوة والزعامة ..وانا من قبيلة علان ولا سيادة ولا ريادة الا لنا ” = الامة التي تمزقها العصبيات العشائرية والدعوات الجاهلية والثارات القبلية هالكة لامحالة ولقمة سائغة للمستدمرين ان عاجلا او اجلا – اقرأ تأريخ العرب القريب ايام الاستدمارين الفرنسي والبريطاني وانظر بنفسك كيف مهدت العصبيات القبلية لدخول المستدمرين وكيف كانت قبائل عربية تعاون الفرنسيين والبريطانيين ضد بقية القبائل العربية الاخرى ولا اريد الخوض بالتفاصيل لأنها مزعجة ومقرفة جدا !
– ثامنها بروز الصراع السياسي بين الامراء وتوابعهم لحيازة المناصب والمكاسب والمقاطعات والاقطاعيات والمغانم = الامة التي تكثر احزابها وجماعاتها وتكتلاتها وتحالفتها وتياراتها السياسية المتضادة والمتقاطعة والمتنافرة لأجل المناصب امة يسهل اختراقها وتجنيد الذيول في صفوفها لهذا العدو المتربص الصائل أو ذاك …ايضا لاداعي لذكر التفاصيل فالواقع المرير معروف للجميع بما يغني عن الاسهاب .
– تاسعها : التقوقع داخل حدود الامارة الواحدة والانكفاء عليها والابتعاد عن دعوات الوحدة والاتحاد الاشمل او على الاقل الدعوة الى اندلسية ولا اقول عالمية المشترك الذي تحيط به الاخطار المحدقة من كل جانب آنذاك بما يوازي – القطرية السايكس بيكوية الضيقة اليوم – ووضع الحواجز والاسلاك والمخافر والحدود المصطنعة واثارة الخصومات والحروب والمواجهات الدائمة بينها تغذيها القوى الكارهة لها وعلى مدار الساعة =هزالتها وضعفها ووضاعتها جميعا وزوالها قريبا أو هرولتها للصلح والتطبيع والخضوع الى – مملكتي قشتالة واراغون الصليبيتين انذاك – للتحالف معها بغية حمايتها من امارات الجوار القريب والبعيد بما يوازي الهرولة التطبيعية اليوم مع الكيان الصهيوني المسخ والارتماء بأحضانه لنفس الاسباب .
وكفى بالتأريخ واعظا وعبرة لمن اعتبر، ولمن اصغى اليه جيدا،وتأمل في سطوره مليا،وأمعن النظر في صفحاته جديا،وراجع مجمل أحداثه ناقدا،وغاص في عمق وقائعه مستفسرا، واماط اللثام عن مجمل غوامضه مستائلا ، ولم يمر عليها مرور الكرام كي لايتكرر السقوط والانهيار مجددا كما انهارت الاندلس بعد ان كانت حاضرة الدنيا ولؤلؤتها .اودعناكم اغاتي