التاريخ البشري مراحل ومنعطفات يتحكمها قانون ثابت لكل زمان و مكان وهو قانون التغيير او ان دوام الحال من الحال , أي انها ستمر بحلوها ومرها وحزينها و سرورها بسعتها و ضيقها , وتبقى مجرد ذكريات في الذاكرة او في بطون الكتب و القليل من يعتبر و يأخذ منه الدروس .
ظهور الفايروس كورونا رغم بشاعته و سرعة انتقاله و نزعته القاتلة و نتائج الاصابه به مرعبة و قدرته على تغيير نواميس الحياة على الكرة الارضية التي لم تعد التقدم العلمي و القوة العسكرية و البعد و القرب و الحالة الاقتصادية و هشاشة الروابط الاجتماعية وقوة صلابتها و الانظمة الاشتراكية او الرأسمالية قادرة على الوقوف بوجهه و الحد من انتشاره و الوقاية منه , يبدو ان عدالة السماء كانت اقدر و اشمل .
الجانب الامني لم يكن بمنأ عن هذا التغيير الذي خلفه الفايروس، بل كان اكثر الجوانب تأثراً و حاجة الى المراجعة و مراعاة رسم استراتيجية امنية لمرحلة ما بعد الفايروس، لأن غالبية المفاهيم الامنية التي كانت متداولة على الساحة العالمية لم تعد ذي نفع او فعالية , ذلك بسبب التغييرات الحاصلة في المجتمعات في المجال الاقتصادي و السياسي و الاجتماعي و الثقافي , فالامن الصحي الذي هو جزء مهم من امن ايه دولة و يتمثل في الاجراءات التي تتخذها الدولة في سبيل حماية الجانب الصحي لمواطنيها لم يعد مي مأمن وان الاخفاق في تأمين هذا الجانب من الامن يتطلب اعادة النظر في الخطط و الاستراتيجيات السابقة التي لم تستطع ان تقف بوجه فايروس لا يراه العين المجردة و قادر على قتل آلاف من المواطنين و بات تهديداً فعلياً لأمن العالم باعتباره الوباء المتفشي .
ان المفاهيم الامنية دائماً في تغيير و تجدد حسب الضرورة و الحاجة و تعدد و اختلاف في نوعية و عدد مصادر التهديد لأمن الدول , فبعد الحرب العالمية الثانية ظهر مفهوم الامن القومي(ظهوره كمفهوم وإن كان موجودا منذ وجود الخليقة) الذي كان يعتمد على القوة العسكرية للدولة أي ان الدولة التي تمتلك قوة عسكرية و اسلحة تستطيع ان تحمي امنها , لذا كان سباق التسلح نظاماً قائماً بين الدول لمدة (45) سنة الى انهيار الاتحاد السوفيتي السابق الذي لم يستطيع قوتها العسكرية الدفاع عنها و الحفاظ عليها من التفكك و دخل العالم الى نظام القطب الواحد الذي افرز مجموعة من المفاهيم الامنية الجديدة و بات الامن الاقتصادي هو الاساس , أي ان الدولة التي تستطيع حماية امنها الاقتصادي من التهديدات هي الآمنة خاصة ضد الجرائم الاقتصادية من غسيل الاموال و الاتجار بالبشر و البطالة و الفقر والجرائم الالكترونية و و … الخ ، إلا ان ظهور الفايروس كورونا اثبت ان القوة الاقتصادية لا تستطيع ان تقف ضد هذا التهديد , فنرى ان الدول العظمى الغنية تعاني منه اكثر من الدول الفقيرة و الامر ليس ببعد الدول او قربها فقد اصاب الفايروس اقصى العالم الى اقصاه .
العالم و الاجهزة الامنية بصورة خاصة بحاجة الى مراجعة سياساتها القائمة بالاستفادة من خبرة الخبراء و الاكاديميين و مراكز الدراسات الامنية المتخصصة في العمل الامني في اعادة صياغة سياسة امنية تناسب الظروف الآتية التي تحمل معها الكثير من المفاجئات.
بأختصار الامن الانساني الذي كان محكوما بمجموعة من المبادئ والمفاهيم بحاجة الى تقييم جديد بعد هذا الفايروس الذي هز العروش والجيوش وان الاجهزة الامنية مطالبة الى إعادة رسم سياساتها الامنية المعمول بها سابقا لان أمن الفرد بات مسؤولية الجميع