23 ديسمبر، 2024 1:07 ص

” في عالمنا العربي فقط… نشهد زيادة عظيمة بعدد الذين يدعمون الاحتجاجات السياسية على المستوى اللفظي… وزيادة اعظم.. بعدد الذين لا يشاركون فيها فعليًا!! لأننا ابطال.. وملائكة بالكلام.. فقط !!!”

إن سلوك الشعوب وردود أفعالها على تصرفات السلطات لا تتحدد فقط عبر المصالح والتوجهات والقيم والمعايير السياسية والقانونية، وإنما أيضا كفعل ورد فعل لتصرفات ممثلي السلطات الحكومية والتي مضامينها قد لا تكون معتمدة على نوع النظام السياسي والحس السليم والأهداف السياسية للدولة ولا حتى المصالح الشخصية في نظم العلاقات بين السلطات والمجموعات الاجتماعية المختلفة والمجتمع ككل، لدرجة إن العواطف الاجتماعية قد تؤدي دورًا مهمًا في مناحي الثقة في المستقبل والخوف والثقة والحب وعدم الكره، ولهذا نقول إن العلاقات السياسية ذات لون عاطفي فتنوع لوحة المشاعر فيها وتتقاطع درجات تجليها والخوف، مما يجعلها تؤدي دورا هاما فيها. والخوف من السلطة يأتي من الخوف الوجودي، وبما أن الخوف هو سمة القوة والعلاقات السياسية فلذلك يتمثل في الاغتراب عن العديد من الأشياء الحيوية لأنه يكمن في عدم القدرة على التحكم في النفس، والثقة في أن الحياة تخضع لسيطرة قوى وظروف خارجية، وقد تمت ملاحظة الاغتراب عن الحكومات ذاتها والفجوة العميقة بينها وبين المجتمعات مع ملاحظة ممثليها وكأنهم أجانب.
في بنية التنظيم الاجتماعي تدمج العواطف في النظام الفرعي المعياري للقيم وتعمل على تعزيز عملها بشكل حدسي أو هادف، غير إن هذه الآلية للتأثير على سلوك الناس تستخدم من قبل مواضيع العلاقات السياسية كأداة خاصة للتعبير عن القوة لكنها في بعض الحالات قد تكون بمثابة “سيف ذو حدين” إذ لا تعمل فقط لمصلحة السلطات وانما أيضًا كمجموعة اجتماعية معينة تعارض كل من السلطات الرسمية والمعارضين السياسيين الآخرين، ومن هذا يمكننا تعريف المخاوف العامة التي تعمل كنوع من العاطفة على انها طريقة للتكيف مع الوضع أو البيئة الاجتماعية التي تمتلك مستويات متعددة من درجات عدم اليقين وتتجلى بالقلق والرهبة والذعر من الشائعات والمخاوف مما تتسبب في عواقب وخيمة على الفرد والمجتمع، ومن الطبيعي السعي إلى الانسحاب من حالة الخوف أو على الأقل التقليل من خلل وظيفتها وهذه الرغبة تستخدم للتحكم والتعامل مع وعي وسلوك الشعوب وبحسب أنواع المخاوف العامة كالبيئية والطبيعية والتكنولوجية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية والنفسية والغير عقلانية وغيرها. وهنا نؤكد انه يمكن للخوف أن يكبح الحركات والاحتجاجات والتظاهرات الاجتماعية السياسية، لكنه لن يمنع الأفعال أو ظواهر الوعي غير الملائمة أو الخطيرة للسلطات ويوجهها نحو الاتجاهات التي تتوافق مع مصالح السلطات عبر تعبئة السكان من خلال تركيز الموارد الفكرية والنفسية والثقافية وغيرها لحل مشاكل السلطة الفعلية، وان المشاكل الاجتماعية والسياسية الفعلية قد لا تكون فقط مشاكل مجتمعية إنما قد تكون مشاكل الحكومات ذاتها كالثقة وولاء الشعب تجاهها إضافة إلى أساسيات الوجود الأيديولوجي، ولذلك فربما يمكن أن يكون الخوف أساسًا للتضامن الداخلي عبر البحث عن العدو الخطير الذي يشكل وجوده تهديدًا لجميع أعضاء المجتمع مما سيشكل أكثر أدوات استخدامًا لحشد الشعوب وتبرير الإخفاقات المتعلقة بعدم الكفاءة الإدارية!! وهو بذات الوقت قد يكون طريقة مثلى لنقل العواطف السلبية والتوترات الاجتماعية من السلطة إلى أشياء اجتماعية أخرى، مما يؤدي الى بروز مظاهر الوظيفة التنظيمية للمخاوف العامة في ظاهرة التضامن بين الأجيال ونعتقد أن الجماعات الاجتماعية التي نجت من الصدمة تنقل الخوف من الظروف التاريخية الصادمة عبر الذاكرة الجماعية والميراث المعرفي يضمن للأجيال الجديدة تكرار الصدمة والخوف مما سيوظف التماسك بين الجماعات الاجتماعية المتعاونة. اذ ومع الخوف تتشكل صورة “القوة المتغطرسة” على أنها الأساس وتصاحب فكرتها الحكمة التقليدية في أن قوة قوية ويُخشى منها عكس الجانب الوظيفي لاستخدام الخوف كطريقة لصنع وتوظيف صورتها، ومن ذلك نلمس أن المفردات المستخدمة من قبل ممثلي السلطات والانظمة السياسية تؤدي وظائف بناء الصور لبناء الخوف فيمتلئ الخطاب بمعسكر الاعتداء والاعداء والمفردات النفسية القاهرة، ولذا فستهدف جميع احتمالات استخدام وتوظيف المخاوف العامة إلى توسيع نفوذ السلطات وتعزيزه والاحتفاظ به مما يمكن من بناء تقنيات استخدام المخاوف العامة باستخدام الموجود منها بالفعل في الوعي الجماعي أو بمساعدة تصميمها!! والشعور بالخوف امر طبيعي تماما للإنسان وهو رفيقه في الحياة اليومية الحديثة، ولذلك فأن السؤال الرئيسي لا يتعلق بكيفية التعامل مع المخاوف الجماعية المختلفة، وإنما بالتحديد لماذا مثل هذا الخوف والتهديدات التي تنشأ وتنتشر في الظروف العصيبة والأوضاع الغريبة؟
لا يفوتنا إن نبين إن السلطات أيضا تتشكل لديها مخاوف وهمية أو خادعة أو عصبية، ولذلك نرى إن المخاوف الخيالية هي مجرد قوة اجتماعية حقيقية مثل ردود الفعل تجاه المخاوف التهديدات الموجودة بالفعل، لكن المخاوف الخيالية لربما هي أقوى لأنها كامنة فتصبح أداة للتلاعب في الوعي العام ومن الصعب إصلاح ووصف عواقبها فهي ليست واضحة ويتم تحديدها من قبل الصور النمطية أو الذاتية، وجراء ذلك يتم بناء المواقف المجهدة بسهولة من خلال الخطب الرسمية ووسائل الإعلام كما في الخوف من الإرهاب والذي نتفق جميعا على إن له أساس حقيقي غير إن الأفكار حول نطاقه الحقيقي وعواقبه لا تبدو كخطر وهجوم حقيقي واضح ومع ذلك فإن الخوف منه هو سبب ملائم للغاية للتلاعب عبره لتقليص الحريات الديمقراطية وتقييد الحقوق الفردية. ومن المهم أيضا ملاحظة أن آلية الترهيب تكمن في صميم الإرهاب نفسه وذلك أيضا “سيف ذو حدين” يستخدمه الضعيف في القتال ضد خصم قوي ويستخدمه القوي في الاستبداد وتحطيم الضعيف، ولذا نقول إن الهدف من الأعمال الإرهابية ليس فقط التدمير الحقيقي للناس أو لغرض الأهداف الإستراتيجية، إنما يتمركز بتشكيل الخوف الكامل منه لأنه لا يمكن لأحد أن يعرف أين ومتى يمكن له أن يظهر. ولذا فأن السلطات لا تستخدم فقط الخوف ولكنها أيضا تبنيه بقوة مستندة على عدم القدرة على التنبؤ بأثاره وإجراءاته وتعتمده في تشكيل وتنفيذ سياسة الترهيب كالخوف من الزمن، وتطوره كمنظم للحياة الاجتماعية باستخدام الأشكال العدوانية وتفعيل التقنيات المتلاعبة ووضع توقعات زائفة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ليتنامى عبرها الخوف عبر القفز في مستوياته وايصاله الى الخوف من الموت للعمل عبره لتنظيم سلوك الناس في المجتمعات العلمانية والدينية على حد سواء مما يجعل الوعي المروع متمكن من تشكيل إيديولوجية مسيطرة على الشعوب باعتماد الخوف من الموت في شكل الحرمان من الحياة كوسيلة للرقابة والترهيب!! ولن تكون مفاجأة لاحد إن اوضحنا إنه وفي عالمنا العربي نجد الأستجابة لسياسة الخوف تسجل انقسامًا على طول خط الاعتماد السلطوي كما نجد زيادة ملحوظة في الشعور بعدم الرغبة في فعل أي شيء للتكيف بطريقة ما مع واقع جديد او متغير جديد، وبذات الوقت نجد ارتفاع عدد الذين ايقنوا بأنهم لن يفعلوا أي شيء حتى لو كانت الظروف محبطة والأوقات عصيبة، بينما يفضل آخرين عدم التفكير في الأمر على الإطلاق وتبعا لذلك تجلت الاستجابة للخوف في نمو المزاج والخطب الاحتجاجية بالإضافة إلى المظاهرات الواسعة النطاق، ومع ذلك فإن إستراتيجية الاستجابة، لها أساس عاطفي مختلف وهذا ما تؤكده قوانين التغلب على الخوف من جانب الأشخاص الذين يعانون منه والمعبر عنه في زيادة نشاطهم الصوتي لتوسيع القاعدة الاجتماعية لحركات الاحتجاج والتي تظهر بوضوح فاضح زيادة في عدد الذين يدعمون احتجاجًا اجتماعيًا وسياسيًا على المستوى اللفظي… وزيادة في عدد الذين لا يشاركون فيه فعليًا، مما يعني نتكلم بأعلى الصوت ونحن مرعوبين خوفا !!!