23 ديسمبر، 2024 1:59 ص

فانتازيا مشهد الرعب

فانتازيا مشهد الرعب

رأيتني جالسا، لصق نافذة العربة؛ متألماً، لمناظر حرائق النخيل، تمرُ عليَ مسرعة من خلل زجاج الشباك الصغير الذي أخذتُ مكاني الى الجانب منه. أقاوم انطباق اجفان عينيَ، لم انم طيلة الليل. جروح الروح والقلب، أبقتني يقظا، أذ؛ أخذت تنزف الاوجاع في عروق كياني. اسمعُ دوي عجلات القطار على السكة. فقد ظللتُ غارقا في ألمي واوجاعي ووحدتي. اسمع الريح تصفر في الشوارع والازقة والدروب التي يمر بها القطار. صفنتُ صفنةً عميقةً. ثم بدأت الوب وأنا في مقعدي. في هذه اللحظة تذكرتُ اصحابي الراحلين، الذين لم يتركوا ورائهم الا طيف ذكرى بعيدة. حاصرتني لوعة الفقدان والحسرة وألم الوحدة. فتحتُ الدرج واخرجتُ قلما وورقة، واخذتُ اكتبُ شعرا مع اني مقتنع من اني لم أكن شاعرا يوما ولا ارغب ان أكون، لكن الكلمات ضغطت على قلبي وروحي لأكتب:
تنزف الذاكرة
ترسم بدماء فقراء الله على الأرض؛
حدود الخرائط،
لوطن ذبيح
تركض عربات الغزاة عليه.
جاءني من بعيد، عواء ذئاب، من امكنة متعددة، في السهل القصي وراء غابة النخيل. قلت لنفسي:- يبدوا انها تتجول في السهل على شكل مجاميع، عدة مجاميع منتشرة في السهل. أستمر القطار باندفاعته كما السهم، بين حزم من ضباب وغبار ودخان. توقفت عن الكتابة، ودسست القلم والورقة في داخل الدرج. لمحت شبحا يتقدم نحوي، في الممر، الممتد كما النهر الضيق بين المقاعد، عندما اقترب، اصبح على بعد شبر مني، عرفته؛ أنه صديقي يوسف، بائع الشاي مع البيض في كشك من الصفيح، يقع اسفل الشقة التي اسكنها. بدأ يربت على كتفي. قلت له: اجلس هنا، واشرت الى المقعد الفارغ الى جانبي، لكنه، لم يجلس، ظل واقفا. قال لي، أو ذكرني: ألم اقل لك؛ جميع المدن التي لم تعش فيها، رغم ما قيل عنها؛ تظل غريبة عليك كما انك تظل غريبا فيها. ثم أخذ يكلمني عن نفسي، لم أعترض، استمعت إليه، مندهشا، لمعرفته بي: اشعر حين اتحدث معك؛ بأنك، تحمل في داخلك حزن العالم كله او انك تنو بحمل ثقيل، على الرغم من هذا، لا تغادرك البسمة التي تخفي بين ثناياه؛ كم كبير من الهموم، هموم لا تطاق. كنت اكتشفها عندما تشرد وأنت في اوج كلامك حتى انك حين تحاول ان تعود الى ما بدأت به حديثك، تنسى اخر ما انقطعت به عن الحكاية او الحادثة التي كنت ترويها لي. عندما توقف عن الكلام، مسد شعر رأسي. ثم قال: سأعمل لك طبق من البيض، دقائق وسوف ارجع لك به. انتظرت دقائق كثيرة ان يعود، لكنه، لم يعد. اردتُ ان اسأل احدهم عنه، أو اين ذهب واختفى، مشيتُ في الممر، انظر الى الجانبين؛ كل الناس كانوا منشغلون عني في ترتيب اوضاعهم. توقفت في نهاية الممر وأنا حزيناً ومتألماً. قلت لنفسي: لماذا لا اذهب الى سائق القطار، ربما دخل صديقي عليه، في قمرة القاطرة، والا، اين اختفى؟. تقدمتُ بضعة خطوات حتى صرت امام باب قاطرة القطار، المفاجأة التي اذهلتني؛ أذ، لم يكن في قمرة القاطرة، سائق القطار كما ان القمرة خالية تماما من وسائل القيادة من المقود والى غيره، كانت خالية تماما من وسائل القيادة والتوجيه. منذهلا قلت لنفسي- هل من المعقول ان يسير قطار بهذه السرعة بلا سائق يتولى زمام السيطرة والقيادة والتوجيه؟!- الا تعلم ان هذا القطار مُسيَر يا صديقي. ألتفت الى الخلف مني. علني أرى يوسف صديقي، فقد جاءني الصوت من تلك الجهة، لكني حين ادرت رأسي لم يكن هناك من احد. ومن ثم وقبل ان استقم في وقفتي، واعود انظر امامي، الى القمرة الخاوية، والخالية من كل شيء، الا جدران الصفيح؛ سمعت دويا هائلا. في هذه الاثناء وقبل ان افهم الذي جرى؛ سقطت على ارض الارض، من الكرسي الذي كنت جالسا عليه. اهتزت جدران الغرفة وانقلبتا المنضدة والكرسي. امتلأت الغرفة والشقة كلها بالدخان والغبار. كانت الورقة التي كتبت علي بياضها، كلماتي قبل ان تأخذني غفوة على الرغم من إرادتي، امام عينييَ تماما. قرأت فيها:…..لوطن ذبيح. تركض عربات الغزاة عليه. لم أكد أكمل القراءة الا وسمعت صراخ وصياح وبغيك. نهضت، واطللت برأسي على ساحة الطيران، على سوق البالة في باب الشيخ. كان المنظر الذي واجهني مرعبا. كدت اسقط على الارض وأنا انظر، لولا أني في اخر لحظة قبل ان اتهاوى لهول ما ابصرت، أمسكت بكلتا يدي حديد الشباك. كانت النخلة النابتة على رصيف الساحة، تلتهمها النار. ثمة رأس، معلق بين السعف المحترق، يحدق بعينيه نحوي. :- ألهي، الرحمة، الرحمة، الرحمة، ألهي..