كان يبتسم وبيده دعوة خاصة, لحضور عرض الراقصات الروسيات, في كازينو المسرة, أفكار مثيرة عن ليلة حمراء تنتظره, جعلته يشعر بالانفعال والتعجل, لكن الإشارة الحمراء أوقفت قطار الأحلام, باللون الأحمر هكذا هي أشارة المرور, عند وصوله لتقاطع المسبح في الكرادة, مما جعل فاضل يوقف سيارته الحديثة, ذات الدفع الرباعي, منتظرا أشارة الانطلاق.فاضل بلغ الخمسون من العمر, يحاول أن يكون أنيقاً, بفعل تحسن وضعه المادي كثيرا, لكنه يبقى يحس بنتانة داخلية, تسري من روحه العفنة, عن سنوات عمره الراحلة, دوما تلاحقه كلمات العم أبو مهند, عندما صاح موبخا فاضل, وسط كل أهل الحي وبعلو صوته ” فاضل القذر”, بعد أن وشى بمهند, واعتقله حزب البعث, بدعوى انتمائه لحزب الدعوة, في تلك الفترة كان فاضل يتملق الرفاق البعثيون, كي يكون واحدا منهم.مع أن القصة مر عليها عشرون عاما, إلا انه يحس دوما بقذارة نفسه, مهما تعطر بأجود أنواع العطور. مازالت الإشارة حمراء والسيارات تزمر, الجو حارة جدا, أنها ساعات الليل الأولى في بغداد, عاد شريط الذكريات إلى عام 1996 , حيث فاز فاضل بعضوية حزب البعث, وأصبح عضوا معترفا بانتمائه, من قبل القيادة العفلقية, كان خبرا سارا تنتظره كل عائلته المصونة, فأخوه اللص, أدرك بأنهم أخيرا نالوا العزة والكرامة, وسيهابهم الناس, لان أخوهم الكبير أصبح عضو في حزب صدام.كان تملق فاضل المستمر, وتضحيته بأي شيء, في سبيل القبول في حزب البعث, تضحية تدركها العائلة, خصوصا كتابته التقارير عن أهل المنطقة, أنها سنوات موت الضمائر, جاعلين من أرواح الناس, جسرا لنيل الكرامة, التي اضمحلت بسنوات الفقر المتعبة. الإشارة حمراء مثل لون الدم, لا تتغير, والازدحام يكبر, أحس فاضل بضجر كبير, ففتح المذياع على صوت أغنية, للمطرب رضا الخياط, سرح من جديد مع الذكريات, حيث يقف بأول صفوف الجماهير, وهو يلبس الزيتوني, في ساحة الحمزة قرب مدينة صدام, حيث تظاهرة تعلن البيعة والحب للطاغية صدام, ويصيح فاضل بعلو صوته (( لبيك يا صدام )).ترى متى تتحول الإشارة إلى خضراء؟ يتسائل فاضل مع نفسه, لقد تأخر عن الوصول لغايته, تلك اللحظة التي تكتحل فيها عينيه, برؤية الروسيات الفاتنات, الوقت يضيع, وفاضل يفكر كثيرا باستغلال كل لحظة, ما دام مترفا, سرح بفكره نحو الماضي, وبالتحديد لعام 2003, حيث يركض مع أخوه اللص, وجماعة من صعاليك الحي, نحو بناية لمنشاة حكومية, قريبة من سكنهم, لغرض نهب ما يمكن حمله, أسرع لخزنة في غرفة الإدارة, وفتحها بمعونة ثاقبة ضخمة, وبدا يملئ كيسه من المال الحرام.ثم تنتقل صفحات الذكريات, إلى مخزن البيت المملوء بالأجهزة والأموال, التي تم نهبها طيلة الأسابيع, التي تلت سقوط الطاغية, حيث ستكون خير عون لحياة أفضل, لكنه كان مشغول البال, في تلك الفترة, في كيفية الحصول على الحماية, لأنه بعثي قديم, وعضو معترف به, والناس تلاحق فلول البعث, لتقتص من وجودهم العفن, فقرر فاضل الانتساب لجماعة مسلحة, وأعلن التدين, فأطال لحيته, وامسك بمسبحة سوداء, فأصبحت الناس تخشاه.أشارة المرور كأنها تعطلت, فالزمن مر طويلاً, وهي لا تبدل لونها الأحمر, بعض السائقون نزلوا من مركباتهم, للبحث عن رجل المرور, لحل الأشكال, أشعل فاضل سيكارته الأمريكية, واستنشق الدخان الأمريكي, الذي يعشقه, فعاد به شريط الذكريات, إلى عام 2006 , وهو يتظاهر في ساحة الحمزة, قرب مدينة الصدر, ملتحفا بالسواد, ويتصدر الحضور, وهو يصيح بعلو صوته “لبيك يا حسين”عرف فاضل من أين تؤكل الكتف, التزام الحضور للجامع كي يؤدي الصلاة, مع ترديد بعض كلمات المتدينين, جعلت الناس تصدق ما يقوله, ومن مكاسب الانتساب لجماعة مسلحة, أن حصل على وظيفة مريحة, وراتب كبير, وسيارة حديثة, واستعان للتعيين بان يزور شهادة الإعدادية.لكن بقي مع كل مكاسبه, يحس بحقارة داخلية لا تفارقه, فهو البعثي واللص والمزور والمنافق.بقي صامتا يتفكر في حاله, فمع كل الإساءات التي صدرت منه, ومع كل النتانة التي يعيشها, لكنه يتوفق دوما لغاياته, فهل أن الله يكافئه على أفعاله؟ أم أن الله يستدرجه لمصير اسود؟تسائل مع نفسه, هل هو يشعر بالندم, عن كل ما فعله, طيلة مسيرته المتقلبة, من دون أي مبدأ ثابت؟ الجواب اليقين من داخل قلبه : كلا, لم يندم يوما, بل هو يفتخر, بكل ما فعل, ويجد خطواته حكيمة, ومنسجمة مع روحه, فكان أولا حزب البعث طريقاً لنيل الكرامة, وثانيا السرقة والنهب لإصلاح حال العائلة, وكان عملا صالحا, وثالثا الوشاية بمهند جائزة لأن مهند ولد عاق, لأنه يكره النظام العفلقي.هكذا تحسن له نفسه كل خطاياه, فارتاح واخذ نفسا طويلا من سيكارته الأمريكية.وأخيرا, جاء الفرج, الإشارة أصبحت خضراء, حاول فاضل الانطلاق مسرعا نحو كازينو المسرة,حيث الراقصات الروسيات ينتظرن الفارس فاضل.لكن!ما هذا.. سيارة توقفت وقطعت الطريق أمام فاضل, لتمنعه من الانطلاق, ولتقطع حبل الأحلام الجميل.يبدو أنها تعطلت, حيث نزل منها شاب ملتحي بذقن طويل, فتح غطاء المحرك, ثم ابتعد عن السيارة, واستدار لينظر نحو فاضل وهو مبتسم.لم يعرف فاضل ماذا يقصد هذا الملتحي, من تلك الابتسامة الخبيثة, ولماذا ترك سيارته.فإذا بالملتحي يخرج من جيبه جهاز للتحكم عن بعد, عندها تبخرت أحلام فاضل, حيث شاهد ألاف الوجوه تضحك عليه بسخرية, وهي تصرخ فيه ( فاضل القذر) وشاهد مهند يحمل سيفا, وهو يصيح به بأنه سينتقم منه, وتم ضغط زر, فتنفجر سيارة الإرهابي الملتحي, وتحرق سيارة فاضل, وينقطع شريط الحلم والذكريات, فقد تقطع فاضل لأجزاء متناثرة, مع رائحة نتنة ارتفعت للسماء.لم يبقى شيئا من سيارة فاضل, إلا بطاقة الدعوة لدخول كازينو المسرة, ليكون ختام رحلة فاضل في الدنيا.