23 ديسمبر، 2024 1:03 ص

تبقى آثار الفساد والخراب والجريمة هي ذاتها في كل زمان ومكان، ولو اختلفت نسبها وآثارها بين زمان وزمان.
والفساد لم يعد مجرد سمة خاصة يمكن أن يتميز بها شخص ما، وإنما صار ظاهرة واضحة في مجمل العملية السياسية العراقية، وصفة ملاصقة لبعض الكيانات والتجمعات، ورغم ذلك فهذا لا يعني أن جميع من هم داخل تلك الكيانات أو التجمعات فاسدون.
في العملية السياسية العراقية هناك نسبة ليست قليلة من الفاسدين والمتهمين بقضايا وجرائم كبرى، لكن الذي استوقفني أن الكثير من هؤلاء السياسيين الذين صدرت بحقهم أحكام قضائية، أو اتهموا بموجب شهادات رفاقهم، ما زالوا يصولون ويجولون في العراق رغم كل تلك الأحكام القضائية والشهادات ضدهم، ومنهم آل الكربولي، فكيف يمكن أن يكون ذلك؟
بداية حكاية آل الكربولي كانت في عام 2010، حينما اتهم جمال الكربولي رئيس جمعية الهلال الأحمر العراقي بسبع قضايا تتعلق” بسرقة تبرعات لجمعية الهلال الأحمر العراقية والاستيلاء على أدوية للمرضى ومعدات وأغذية للأطفال وسرقة ثمان سيارات مهداة من الهلال الأحمر السعودي إلى جمعية الهلال الأحمر العراقي وتقدر قيمتها بخمسين مليون دولار”.
وفي أوائل تموز 2011، ذكرت رابطة الشفافية في العراق أن” رئيس كتلة الحل جمال الكربولي شغّل موظفين تابعين له في مكتب الوزير ودائرة العقود لتمرير العقود الوهمية التي أدارها، وأبرزها تلك التي جاء بها من الشركة الكندية وقيمتها مليار ومائة مليون دولار”.
وفي بداية شهر آب 2016 كشف النائب عن التحالف الوطني علي البديري، أن” محمد الكربولي كان يحصل على نسبة من الأموال للمقاولات التي تدفعها الشركات العالمية ولجنة العقود في وزارة الدفاع وتسليمها للشركات التي تعمل لحسابه الخاص”، وهذا ما كشفه أيضاً وزير الدفاع خالد العبيدي الذي ذكر في جلسة برلمانية صاخبة عن قيام” رئيس مجلس النواب سليم الجبوري ومحمد الكربولي بمساومته على عقود التسليح وطعام الجنود في وزارة الدفاع”.
وسبق لرئيس كتلة الإصلاح صالح المطلك أن اتهم – في برنامج تلفزيوني- جمال الكربولي بتهريب ” 800 مليون دولار إلى خارج العراق ضمن قضايا الفساد المنتشرة في البلد”.
ورغم كل هذه الجرائم نجد أن آل الكربولي مدعومون – وبقوة- من كبار زعماء العراق، ومنهم نوري المالكي، زعيم حزب الدعوة، وهنالك لقاءات شبه مستمرة بينهما، وآخر هذه اللقاءات العلنية انعقدت بينهما في بداية تشرين الثاني 2016.
هذا التقارب بين الفريقين المتناقضين سبب إحراجاً للتحالف الوطني أمام شركائهم في العملية السياسية، وهو ما سبق أن أكدته وكالة شط العرب التي ذكرت بداية عام 2012، نقلاً عن مصادر من داخل التحالف الوطني بأن” التحالف قدم استفساراً
لرئيس الوزراء نوري المالكي لتحديد الأسباب التي منعته من الكشف عن ملفات تخص النائب جمال الكربولي، وأسباب التستر عليه رغم صدور أوامر إلقاء قبض عليه في ملفات فساد مالي وغيرها، وأن القيادات كشفت للمالكي أن هذا الموقف سيحرجها مقابل قضية الهاشمي القضائية”.
وسط هذه الأجواء المريبة، يمكننا أن ننظر لهذا التغافل الحكومي عن جرائم آل الكربولي – على الرغم من علانيتها، وتأكيدها من القضاء العراقي- من عدة جوانب منها:
– لا شك أن تسوية ما تمت في الأروقة المظلمة، التي تباع فيها الضمائر وتشترى فيها الذمم من اجل غض الطرف عن كافة جرائم آل الكربولي مقابل تقديم الولاء المطلق لزعماء التحالف الوطني، وبالذات لزعيم حزب الدعوة نوري المالكي القادر على تحريك القضاء حسبما يشاء.
– وقوف آل الكربولي مع الإرادة الحكومية في تمرير، أو ترتيب أجندات التحالف الوطني في العملية السياسية لضمان استمرار بقائهم تحت خيمة التحالف، ورأينا كيف أن جمال الكربولي كان من أوائل الذين زاروا عمار الحكيم بعد توليه منصب رئيس التحالف الوطني الشيعي، معرباً عن” سعادته بانتخاب السيد عمار الحكيم رئيسا للتحالف الوطني”، ومؤكداً على أنها” خطوة تصب في صالح استقرار العملية السياسية”.
– استمرار حالة تملق ورعب آل الكربولي من تحريك الملفات القضائية ضدهم من قبل “الأخوة الأعداء” من زعماء التحالف الوطني، لأنهم يعلمون أن تحريك تلك الملفات في أي وقت يجعلهم عرضة لأحكام قضائية قاسية جداً إن طبقت العدالة بحقهم.
– إن سكوت زعماء التحالف الوطني عن تحريك الدعاوى ضد آل الكربولي – كما فعلوا مع طارق الهاشمي ورافع العيساوي وغيرهما- يؤكد أنهم نجحوا في إيقاع آل الكربولي في كماشة، أو شبكة التحالف الوطني، وأنهم أصبحوا عاجزين عن القيام باي دور مؤثر، وسيبقى دورهم الرئيسي تقديم الولاء التام، وتنفيذ أوامر التحالف الوطني سواء السلبية منها أم الإيجابية مقابل السكوت عن ملاحقتهم ولو بصورة مؤقتة.
ورغم هذه الجرائم الثابتة بحقهم نجد أن آل الكربولي يتهجمون على الآخرين، وفي يوم 18/09/2016، رد وكيل وزارة الهجرة والمهجرين العراقية جاسم العطية, على النائب محمد الكربولي بعد انتقاده أداء وزارة الهجرة والمهجرين قائلاً ” إن فاقد الشيء لا يعطيه، وإن الوزارة لن تقبل بأن يلقي اللصوص محاضرات في الفضيلة”.
العراقيون ميزوا الأوفياء من الخونة، والنزيهين من السارقين، والأبرياء من المجرمين، والصادقين من الكاذبين؛ ولهذا لا يمكن لهؤلاء أن يفلتوا من قبضة القضاء العراقي عاجلاً أم آجلاً.