23 ديسمبر، 2024 7:35 ص

بالرغم من محاولات نقل مركز التشيع من النجف الى حواضر أخرى إلا إن المدينة المقدسة بقيت محافظة على هيبتها، ورسوخ وجودها المعنوي عند شيعة العالم لوجود أهم وأخطر معلم ديني في تاريخ المدينة ومنطقة الشرق الأوسط بعد المقدسات المعروفة، وهو مقام علي بن أبي طالب رابع الخلفاء الراشدين عند الطائفة السنية، وأوحدهم عند الشيعة.

النجف ماتزال وربما ستبقى الى ماشاء الله محافظة على هذا الوجود الذي إقترن بالحوزات الدينية ومنها الحوزة العلمية التي تتبع لمرجع الطائفة،مع وجود حوزات أخرى تدرس برعاية علماء آخرين، ويتبعه الشيعة عامة حتى وإن كان منهم من قلدوا غيره، أو مالوا عنه، أو كرهوه وهو يؤثر في الحياة السياسية مثلما في الدين، ولأمره يمتثل القادة السياسيون حتى وإن إحتالوا بإعتبار إن الساسة كالثعالب يروغون، ولايطالهم أحد، وهم يهربون بفعلتهم وبفسادهم بكلمات منمقة، ويظهرون الطاعة والولاء، والإمتثال لما يصدر عن المرجع الأعلى الذي عادة مايكتفي بالنصح، وإرسال إشارات طمأنينة لأتباع المذاهب الأخرى.

قدمت النجف دعما حقيقيا للعملية السياسة بعد عام 2003 وتجاوزت مراحل صعبة تخللها وجود الإحتلال الأمريكي، والتدخلات الخارجية، وحالة الهرج والمرج والفوضى، والميل الى العنف والتقوي بالأحزاب، والمناطقية التي عزلت الناس عن بعضهم، وأصابتهم بإغتراب مخيف، وإنكسار غير مسبوق، وحصل تباعد بين المكونات الأساسية للدولة التي عرفت التعايش من قرون كقوميات وديانات ومذاهب وعشائر.

ينتقد البعض دور المرجعية الهاديء الذي يواجه سلوكا سياسيا فرديا وحزبيا لايهتم بالتغيير والإصلاح ومحاربة الفساد ومعاقبة المفسدين وهم كثر، وأغلبهم ينتمون لقوى سياسية إستفادت من الدعم الذي وفرته المرجعية طيلة السنوات الماضية، ومنذ أيام التشكيل الأولى التي شهدت الإستفتاء الشعبي على الدستور وإنتخابات تكررت، وكان السياسيون خلالها يدعون إنهم تلقوا المباركة الكاملة من النجف.

القوى السياسية الشيعية خاصة تغولت كثيرا، وبغض النظر عن توجهاتها الدينية والسياسية فقد أصبحت مسيطرة على موارد الدولة، ووزعت الوزارات ومؤسسات الحكم فيما بينها، وصارت الأموال والمناصب تذهب لجهات محدودة، وأشخاص متنفذين لايقوى على محاسبتهم أحد، وهم يراوغون ويتمردون ويتنافسون، ويشرفون على عملية سياسية لم تنجح في تحديد أولويات الحكم، وأسس بناء الدولة، وأدخلت البلاد في دوامة لاتكاد تنتهي.

يزداد عدد المطالبين بتدخل المرجعية بطريقة غير تقليدية، وصادمة، ومشاركة الجماهير في مواجهة الفساد، وتغول تلك القوى، ولكن يبقى السؤال المهم: هل تستطيع المرجعية إحداث الفارق، وإرغام هولاء على التسليم بحق الجماهير، وتعريف السياسيين إنهم يقودون دولة، وليس سلطة. فالدولة تعني المؤسسات، بينما السلطة فهي نوع من القوة يمكن إستخدامها لتحقيق المكاسب، وينزوي بقية الأفراد والمجموعات كضحايا ينتظرون التغيير الذي قد يأتي مدمرا صادما كما في العام 2003