من جماليات المكوث في البيت ، انك تصبح بمرور الوقت ابلها ، فاغرا فاهك ، تسأل اي شيء ، في كل شيء وعن كل شيء ، وتنسى انك في حرب مستمرة مع العصابة المارقة التي حولت العراق الى اقل من مستوى البلدان ، – غيرت التعبير شوية – حتى لايزعل الذين انتقدوني بوصفي له في مقال سابق بتحوله الى قمامة كبيرة .
فالجلوس بالبيت عبارة عن وجود كائن محصور ، او محاصر ، يخشى الخروج من عتبة الباب حتى لا يرى اهوجا من اولئك الذي يصعدون الدفع الرباعي فيلعن سلسفيل الدنيا ، او يرى فقراء الوطن وهم يبحثون عن علب فارغة في القمامات الصغيرة المنتشرة على كل شوارع الحي الذي تسكنه ، امامك التلفاز ، والحاسبة الصغيرة تقلب فيهما بحثا عن الضوء في آخر النفق ، ولكن ولا ضوء ، ثمة ضجيج يفلسف نفسه ، ثمة اصوات داعرة تريد ان تتسيد ساحة السياسة لتقول لنا انها هي الوحيدة التي بامكاننا التعلق بمقامات غنائها القبيح المنفر للذائقة ، يسألني صديق عبر التواصل الاجتماعي ، الم تكن تحلم بدولة تمثل مذهبك باعتباركم الاغلبية ، اشو دولتك حولتك الى كائن خائف جالس في البيت لاتتمكن حتى من الخروج من البيت ؟ ليس لدي الجواب الشافي ، وكل ما يقال عن حكومتنا التي تمثل الاغلبية، اقل مما لدي من التعابير المؤلمة ، التي اخشى قولها في حقها ، وسبب خشيتي لكي لا افسح المجال لكي ليخرج مستشار اعلامي بوجهه السمح ، وضحكته الجنان ليقول في شخصي المتواضع كلاما يجرح مشاعري ، اخبار الابن عدي تتوالى الى وكالات الانباء ، فهو البطل الصنديد ( الا تذكركم كلمة صنديد بمرحلة مريرة عشناها ) يطارد هذا البطل العصابات المارقة داخل المنطقة الخضراء ، ويبدو ان والده معجب به ايما اعجاب ، بدليل انه اشار اليه في واحدة من خطبه الجميلة كونه استطاع من القاء القبض على اشخاص خطرين ما لم يستطع غيره عمله سواء من الحراس الكثيرين او قواته الامنية جميعها ، لا اريد اخوض في هذه القصة كثيرا ، فهي تثير اعصابي ، لان الرجل قد يكون محقا في ما يقول بحق ابنه ، وبالتالي فاننا يجب الا نسمح لانفسنا برمي الناس بالبهتان من دون دليل .. اتابع في التلفاز اخبار بعض الوجوه الخشبية ، فتشمئز نفسي ، اتابع بواسير النائب فلان وهو احد الذين وضعوا عمامة الحوزة على رؤوسهم ، وافكر كيف وافقت نفسه الطيبة ، على صرف هذا المبلغ الضخم على العملية التي اجريت له ( 57 مليون دينارا عراقيا ) من خزينة الدولة ، فيما اعرف ان الحوزويين متقشفون سائرون على نهج امامهم قائد الغر المحجلين ، الحقيقة ان العملية واخبارها جعلت نفسي تشمئز ايضا ، ماذا افعل يا الهي ؟ ليس لدي القدرة على الخروج من هذا الحصار المزعج الذي وضعت نفسي فيه ، الجلوس بالبيت يعني ان تموت واقفا ، ومتابعة اخبار الحكومة وابناءهم وبواسير الـ 57 مليون دينار ورؤية وجوه النواب ( الخشبية ) يعني بابسط تعبير انك تعلن عن موتك السريري ، لاسبيل لنا اذن غير ان نعترف بفشلنا في نصح الحكومة والبرلمان الاهتمام بالفقراء ، والبسطاء من الناس ، فقانون التقاعد الذي عولنا عليه كثيرا في انقاذ ما تبقى من ايامنا لاعادة الدم الى وجوهنا قبل ان تتهرئ ، لن يرى النور مادام ملغما بفقرات غير عادلة ، وانت متقاعد تريد ان يصبح راتبك افضل من راتب الفتافيت التي تتقاضاها وقد امضيت عمرك في خدمة هذه البلاد ، خمسون عاما وخمس سنين وانت تريد ان تعيش حياة افضل ، في عراق اجدادك ، غير ان الشلة التي جاءت لتقضي على الطغيان والاستبداد ، جعلتك بدلا من ان تعيش اياما وردية ، ها هي تجبرك على الجلوس في البيت مثل النسوان تقشر البصل وتغسل البيذنجان .