يعد التنوين ميزاناً خفياً تستقيم به بنية الكلام، وتتّزن به طبقات الصوت، وتنجلي به ظلال الدلالة.
فحين يُهمَل، تتعثر القراءة، وتفقد اللغة شيئًا من بهائها وصدقها، ويبدأ النصّ في التآكل من الداخل، كمنزلٍ به خلل في أساسه.
ويعتقد بعض المثقفين أنّ
تنوين الفتح أو الضم أو الكسر مجرد حركة إعرابية،
وهذا خطأ جسيم، فالتنوين
هو ركيزة في النحو والإملاء والصوت والدلالة، وغيابه يُربك التركيب، ويشوّه المعنى، ويضعف سلامة اللغة.
وهنا دعني أخوض معك
في تنوين الفتح مثلاً،وأقول:
إنّ تنوين الفتح هو أحد أنواع التنوين الأربعة (الضم، الكسر، الفتح، الرفع). وتُرسم فيه علامة الفتحتين (ــًـ) مع ألف زائدة غالبًا في آخر الاسم، وتُلفظ بوضوح في النطق.
ومن وظائف تنوين الفتح: هو يعدُ علامةً على التنكير
مثل: كتابًا (أي: كتاب غير معين).
كما أنّ تنوين الفتح يُشير إلى أن الاسم نكرة، كما في
1- اشتريتُ قلمًا
2- رأيتُ ولدًا في الحديقة.
وهو بالإضافة إلى ذلك يعد عنصراً تركيبياً نحوياً
يُستخدم لإظهار الإعراب الصوتي، خصوصًا في نصب الأسماء، وبدونه قد تختلط مواقع الكلمات.
ومع هذا وذاك فالتنوين يكون وسيلةً للإبانة الصوتية والإيقاعية، لأنّه يُعطي انسيابية في النطق، خاصة في الشعر والبلاغة، ويُحدث موسيقى لغوية جميلة.
بالإضافة إلى أنّه يشكل دلالة نحوية على التمييز بين الكلمات المتشابهة
مثال:
1- رأيتُ علَمًا في السماء. (بمعنى راية).
2- رأيتُ علَمَ البلاد. (بمعنى معرفة).
والسؤال الجدير بالاهتمام هو
ما تأثير غياب تنوين الفتح حين تستحقه الكلمة؟
والجواب:
إذا لم يُوضَع تنوين الفتح حيث يجب، فالنتائج قد تكون خطيرة لغويًا:
1- اختلال المعنى
مثلًا:
قرأتُ كتابًا. ✅
قرأتُ كتابَ. ❌
في الجملة الثانية، يُحتمل أن تكون مضافة لـ”فلان”، أو أنها ناقصة نحوًا.
2- اللبس في الوظيفة الإعرابية
غياب التنوين قد يُوهم القارئ بأن الكلمة معرفة
أو مضافة، بينما هي نكرة.
3- خلل في الوزن الشعري والإيقاع في الشعر، تنوين الفتح عنصر مهم لإتمام التفعيلة وضبط الوزن.
4- ضعف في الصحة الإملائية خصوصًا عند الكتابة بالألف الزائدة (مثل: كتابًا، خيالًا، نورًا).
إنّ غياب الألف والتنوين يجعل الكلمة ناقصة رسمًا ونطقًا.
إنّ التنوين ليس مجرّد حركة إعرابية تُضاف في أطراف الكلمات، بل هو نبضٌ خفيٌّ في جسد اللغة، يحمل في طيّاته أبعادًا نحوية وإملائية وصوتية ودلالية.
وغيابه لا يُعدُّ مجرد سهوٍ كتابيّ، بل هو إخلالٌ بجوهر التركيب، وتشويهٌ لهندسة الجملة، وانطفاء لوميضٍ صوتيّ يُثري النغمة ويرشد المعنى.