23 ديسمبر، 2024 10:30 ص

في تسعينات القرن الماضي حيث الظروف الصعبة التي مر بها جميع العراقيين بسبب الحصار الذي فرض على العراق وأنهك الشعب، كانت الحياة الدراسية صعبة لا يمكن لأي شخص تحملها. حتى أن العوائل التي كانت لديها أبناء يدرسون في الجامعات وخصوصاً في محافظات أخرى تعاني الكثير بخصوص توفير الأموال لسد احتياجات الدراسة.

مجموعة من الطلبة المتذمرين من الوضع، الباحثين عن مخرج لهم من هذه الأزمة قرروا البحث عن السبل التي تخرجهم من هذا المأزق الذي يحول بينهم وبين تمتعهم بحياتهم الجامعية. شباب يطمحون أن تكون لهم مقدرة مادية في سبيل تحقيق بعض مما تشتهي أنفسهم من أحلامهم في اللبس الجيد والمأكل الدسم والسفرات وما إلى ذلك. لكن كل هذا لا يمكن تحقيقه بسبب عسر الحال للكثيرين وعدم تمكن العوائل من تأمين ذلك لأبنائها. قرر هؤلاء الشباب وبإقـتراح من أحدهم والذي يتميز بالفطنة والدهاء، بالجلوس معاً في الشقة الصغيرة التي يسكنها مجموعة من الطلبة. حدث ذلك فعلاً وقد اجتمع ما يقارب العشر من الطلبة الجامعيين. اقترح صاحبهم الفطن هذا على أن يكون الحديث بصوت منخفض لكي لا يسمع صوتهم من الخارج، خشية أن تعلم السلطات ورجال الأمن بأمرهم ويكونوا في خبر كان بالجملة. فعلاً كان الكلام بالهمسات.

الاقتراح الأول كان هو في تشكيل مجموعة صغيرة تقوم بالإتصال بأفراد آخرين يثـقون بهم حتى تكبر المجموعة. الفكرة تقوم على إنشاء تنظيم شبابي سري والعمل على تحشيد الطلبة ومن ثم الانطلاق والتمرد على الحكومة الظالمة. الحديث يدور في تفاصيل هذه المسالة الحساسة والبحث عن الأشخاص الذين من الممكن الاتصال بهم وضمهم إلى المجموعة. وهم في خضم الحديث والحماس المنقطع النظير وإذا بفأرة تتسلل إلى الغرفة. الفأرة المسكينة وجدت نفسها وسطت الغرفة وبين هذا التجمع الشبابي الناشط. أحس أحد الشباب بوجود الفأرة في المكان وصاح لا شعورياً ودون إرادة :

– فأرة.. فأرة..

ما أن شاهد الشباب الفأرة حتى فروا تاركين الاجتماع السري خارجين من الغرفة ولم يبقى أحد منهم في التجمع حتى انفض الاجتماع تماماً.

الشاب صاحب الفطنة والدهاء بعد أن شاهد هذا الموقف الهزيل خرج من الشقة هذه مودعا إيّاهم. سألوه أين تذهب أجابهم:

– إذا كانت الفأرة قد مزقت شملنا فكيف بنا أن نقارع دولة بكل أجهزتها الأمنية والمخابراتية والبوليسية. الثورة تتطلب قلباً جلداً لا يخشى الصعاب وإرادة صلدة لا تلين بالنائبات وشباب يضعون الموت أمام ناظريهم وأنتم قد هربتم من فأرة.

صمت الجميع وخرج هو من الشقة ليخرج بعده الجميع واحداً تلو الآخر وانتهى الأمر عند هذا الحد ولم يتمكن الشباب من الاستمرار في الاجتماع من أجل إحداث ثورة للتغيير.