23 ديسمبر، 2024 11:05 ص

قبل كل شيء لابد من تقديم الاعتذار لكل من شعر بنوع من الألم بسبب مقالي السابق عن ” وطن مام جلال !” الذي جاء في سياق معارضتي المستمرة لعملية إسقاط النظام السابق بطريقة الغزو العسكري والاحتلال، وماترتب عنهما من عملية سياسية فاسدة لاينفع معها الترقيع.. فمابني على باطل فهو باطل تماماً. وأنوه أيضاً أن مقالي السابق، وماأكتبه في زاويتي اليومية ” مسامير ” في جريدة ” العالم ” ، إجتهاد شخصي وقراءة مني – تخطيء أو تصيب- لاعادة تقويم بعض أوراق ماقبل التاسع من أبريل نيسان 2003 ، ومقارنتها بالواقع ، ربما تفيد في إصلاح ما أفسده نظام المحاصصة الطائفية والعرقية الذي إبتدعه الراعي الأمريكي، وكرسه ” المقاولون السياسيون ” وبعضهم لا أشك في إخلاصه. 

” مام جلال ” شئنا أم أبينا واتفقنا معه أم اختلفنا يظل شخصية سياسية تجاوزت حدود الوطن الى العالمية. وهو سياسي مخضرم له بصمته الواضحة على مجمل التطورات في العراق الجديد في مرحلة ما قبل سقوط نظام صدام. ونسأل الله أن يعيده للعراق .. محبيه ومنتقديه ، سالماً معافاً من كل مرض  وعرض ، ليمارس دوره كرئيس للعراق كله، أو يتقاعد هو من تلقاء نفسه ، وليس بسبب الموت لاسامح الله، لنبقى نستمتع بتعليقاته ونكاته التي تشع دوماً بالنور والأمل والحياة، ونبقى نمارس معه رسالتنا الصحفية نقداً في إطار مهمتنا كصحافيين مستقلين نزعم أننا نشارك في البناء السياسي والتغيير الايجابي .. كل حسب موقعه.

أما إذا رحل ” مام جلال ” لاسامح الله ، وهو ما لا أتمناه ،  والأمر أولاً وأخيراً بيده جل وعلا ، فهو المحيي وهو المميت وبيده الأمر كله ، فان العراق ربما سينتقل الى مرحلة صعبة تزيده انقساماً وتشرذماً وصراعاً ذلك لأن ” مام جلال ” وإن كان إنحاز في المرحلة التي سبقت ” غيبوبته ” الى قوميته ، ونسي أو تجاهل أنه رئيس لكل العراق بكل قومياته وتضاريس جغرافيته الجميلة – وهذا ما كنت أشرت له في مقالي السابق عنه حفظه الله – فإن كارزما شخصيته التي إنتزعت إحترام المعارضين له، تبقى هامة جداً لحفظ التوازنات، ومنع الانزلاق نحو المجهول . ونحن بانظار عودته معافىً لكي يكشف لنا الكثير من الأسرار التي يحفل به تأريخ العراق والمنطقة والعالم.

ورغم أنها سنّة الحياة أنْ يجري التحضير لخلافته إنْ رحل “مام جلال” لاسامح الله ، إلّا أن الصراع على رئاسة العراق، بالطريقة التي تتسرب بها الأنباء عمن يخلفه ، يبعث على الكثير من الألم ، وكأن ” الجماعة مستعجلون ” للجلوس محله ، غير مدركين أن ” مام جلال ” بغض النظر عن أي شيء ، رمز عراقي كبير يستحق التريث في البحث عن خلافته الآن على الأقل. وأتمنى من كل قلبي أن يمد الله في عمره ليقرأ مقالتي هذه عنه ويعلم أن  مقالي السابق وجدالي معه أثناء مؤتمره الصحافي  الذي عقده في طهران بعد مشاركته في مؤتمر المعارضة بلندن، لم يكن مجرد مشاكسة شخصية تنطوي على إهانة ، بل  هو موقف من مخلص يتعامل مع زعيم سياسي كبير تصدى لعمل خطير وصار في الواجهة. فأنا أكنُّ له الاحترام، وأدعو له بالخير والعافية وبالعمر المديد.

إن “غيبوبة الرئيس” جلال طالباني ، يجب أن تدفع المتصارعين على خلافته الى التعلم من تجربته التأريخية الطويلة، وقبل كل شيء الاتعاظ. فيا من تحدثون نفسكم بها إن هذه الدنيا قصيرة وفانية مهما طال العمر فيها لأحد. وأن الكرسي والمقام والمنصب تكليف لاتشريف. وحين يحين الوقت لا تنفع  الرئيس فخامته ولا سيادته، ولا تشفع للملك ولا للأمير جلالته أو سموه: فَلاَ أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَاءَلُونَ . فالمُلك لله وحده شاء من شاء وأبى من أبى. ولات ساعة مندم عندما يقبض ملك الموت الروح ليستعيد الله أمانته.

كما يجب أن تكون “غيبوبة مام جلال ” رسالة موجهة لنا جميعاً خصوصاً أولئك الذين يزعمون أنهم إسلاميون وهم يتقاتلون على المناصب وهي   تخاطبهم وجهاً لوجه وتقول  : ” ملعون من ترأس، ملعون من هَمَّ بها ملعون من حدَّث بها نفسه” . 

فكيف نستفيد من هذه التجربة القاسية في ظاهر أمرها، أن يقع الواحد منا في غيبوبة ، هي جسر قصير بين الدنيا والآخرة ، وكيف نخطط لننتقل منها أي من الغيبوبة الى مقام الحضور والتجلي في حضرة المحبوب ؟.

 أيها الإنسان لا تنس الموت فانه لن ينساك .فالموت  جمل يركع أمام كل الأبواب..

والمجد المزَيّف قد يزهر ولكنه لا يثمر .

ولتكن ” غيبوبة الرئيس ” لنا عبرة… 

والعاقل يفهم.

مسمار :

 سـلِ الـخـليفةَ إذ وافتْ منيتهُ  أين الحماةُ وأين الخيلُ و الخولُ

ايـن الرماة ُ أما تُحمى بأسهمِهمْ  لـمّـا أتـتك سهامُ الموتِ تنتقلُ

أين الكماةُ أما حاموا أما اغتضبوا أين الجيوش التي تُحمى بهاالدولُ

هيهات ما نفعوا شيئاً و ما دفعوا عـنك المنية إن وافى بها الأجلُ