قبل أقل من عام ، وتحديدا في 24 يناير كانون الثاني من العام الحالي الذي يوشك أن ينصرم، كنت قد نشرت تقريراً في ” العربية نت ” وطبعاً في قناة ” العربية ” أيضاً عن ولادة ” حزب سوريا للجميع ” الذي يقوم أساساً على إيجاد حل سلمي للأزمة السورية من بوابة الاقتصاد.
وكنت قبل ذلك التقيت صدفة في باريس بمؤسس الحزب ” محمد عزت خطاب ” فكتبت عنه تقريراً للأخبار، أثار بذلك ردود أفعال كثيرة.
” محمد عزت خطاب ” وكأي مواطن سوري حر مستقل وشريف، يعتقد بأن حل الأزمة السورية ، برغم كل تعقيداتها، وتجاذباتها الدولية والاقليمية، لن يكون الا على أيدي السوريين أنفسهم، تحت سقف الوطن ، وبعيداً عن الاستقواء بالخارج ، ويرى أن إعادة بناء مادمره ” العنف والعنف المتبادل ” بين أطراف الأزمة وهي كثيرة لا تنحصر بين نظام ومعارضة فقط ، سينجح عندما يتفق الجميع على قاعدة مشتركة واحدة لاتقبل القسمة وهي : سوريا للجميع، وليست لفئة واحدة أو حزب أو تحالف أو إئتلاف، ومن هنا فهو يسعى الى أن تتقدم عملية البناء الاقتصادي على الحل السياسي ، بل هي مدخل مباشر للعملية السياسية التي يجب أن تكون طبعاً خالية من الدماء والدمار والخراب الذي اتسمت به المرحلة السابقة، وهي تظل تصطبغ بلون الدم كلما استمر مسلسل الموت الدموي اليومي في سوريا.
تشبه أفكار ” محمد عزت خطاب” كثيراً أحلام الفتى الطائر(أي فتى)، وهي تشبه أحلامي عندما كنت معارضاً لنظام البعث السابق، رافضاً إسقاط النظام وتغييره بالقوة العسكرية من الخارج، ومدافعاً عن شعبي ضد تأييد فصائل المعارضة آنذاك للعقوبات الاقتصادية التي أذلت العراقيين ، وسحقت عظامهم.
وكنتُ كتبت ، تقريراً قدمته للسيد محمد باقر الحكيم رحمه الله ، تضمن وجهة نظري حول العقوبات بعد غزو صدام للكويت في أغسطس آب 1990 ، وطلبت منه أن يتبناها كرئيس للمجلس الأعلى للثورة الاسلامية في العراق. وقلت إن الشعب الايراني يكره منظمة مجاهدي خلق لأنها وقفت الى جانب صدام في الحرب على إيران، ولأنها أيدت العقوبات الاقتصادية التي أضرت مع الحرب بالايرانيين .
وقد كان على العقوبات وإيذاء الشعب العراقي، أن تستغرق سنوات طويلة قبل أن يصل الكثير من هذا الشعب المقهور الى مرحلة إحتاج فيها الى نظام بديل عن صدام حتى لو كان ” أريل شارون ” الذي مايزال في” غيبوبة ” منذ ست سنوات، لاتختلف كثيراً عن ” غيبوبة ” العراق منذ سقوط صدام العام 2003.
وإذ يختلف مشروع ” حزب سوريا للجميع ” عن الكثير من المشاريع التي طرحت لحل الأزمة العراقية في فترة ماقبل الغزو الأنجلو أمريكي للعراق ، فانه يشدد على إبعاد شبح التدخل العسكري الخارجي، وويلاته عن السوريين وهم يشاهدون جارهم العراقي وقد إستفاق من غيبوبة التفكير بالتغيير ولو بالبديل على شاكلة شارون، وإكتشف هذه الافاقة بعد أن ” ذهبت السكرة وجاءت الفكرة ” ،إثر كل قوافل الموت وأنهار الدماء ، سواء بسب الغزو ، أو نتيجة نظام ” تقاسم الحصص ” والاستقطاب الطائفي – العرقي الذي يخدم حفنة ” المقاولين السياسيين “.
لكن وكما يبدو بعد مرور نحو عام على أحلام الفتى الطائر، فان مشروع حزب سوريا للجميع ، يواجه صعوبات جدية من حاسدين من سوريين فضلوا ” الغيبوبة ” عن الواقع ولحس القدم الأجنبية باسم “الثورة السورية” ، على أن يتلقى شعبهم دعماً مالياً كبيراً يتحمله ” الفتى الطائر ” من ماله الخاص ، لاعادة اللحمة بين السوريين.
وليس هذا وحسب، بل إن ” محمد عزت ” ، وكذلك أنا، وضعتنا ” الثورة السورية ” على قائمة أعدائها،وهي تشن عليه حملة شعواء لتسقيطه، فيما تضع السلطات الفرنسية الداعمة لثورة العنف الدموي في سوريا ، العقبات أمامه لتنفيذ مشروعه الاقتصادي الذي لو كتب له النجاح لنقل سوريا الى عتبة السلم المدني والتعايش الأهلي بين السوريين.
أما النظام الذي يواصل ارتكاب أخطائه في الداخل حيث يستمر إعتقال معارضين وطنيين مثل ” عبد العزيز الخيّر ” ، فانه في الخارج أيضاً شن عبر بعض أنصاره، هجوماً على ” عزت ” في نفس إتجاه التسقيط والتخوين ، لمجرد أنه أعلن أن حزبه سيعتمد التغيير السلمي عبر صناديق الاقتراع.
فالى متى نظل نعتمد في التغيير في بلداننا على الأجنبي ولانثق بقدراتنا الذاتية، وننسى أن أحداثاً كثيرة جرت خلال ” غيبوبة شارون منها أن حزب الله اللبناني هزم إسرائيل في يوليو تموز 2006 ، وحركة حماس نجحت في إنتخابات جرت نفس العام في قطاع غزة. وأن فلسطين هذا العام أصبحت
دولة مراقبة غير عضو في الأمم المتحدة، ومايسمى ” الربيع العربي ” يكاد يهدد جميع الأنظمة ؟!.
أيها الناس أفيقوا من غيبوبة ” شارون ” وانطلقوا نحو التغيير بأحلام الفتى الطائر ليس الا ..
أيقنتُ أن المستحيلَ ثلاثةٌ . . الغولُ والعنقاءُ والخِلُّ الوفي
والعاقل يفهم.
مسمار :
و يتجلى الكشف في الغيبوبة/والإحضار في التجلي/ويصبح مقام القرب مبعث الإلهام حلولا في فيء الروح/وترحالا في سماء الانهمار/يلامسُ القلق الألق لتولد أنوار الوصل/وتتشكل الفكرة من واقع الألم/ورحلة التنوير….
من ” غيبوبة الكشف ” للشاعرة الإماراتية فواغي صقر القاسمي