فائق الشيخ علي شخصية عراقية نجفية من بيت أصيل المحتد والنسب،وأنا شخصياً من احدى مدن محافظة النجف لكني لم أكن أعرف فائقا ولا الشهرة التي يدعيها لعائلته، إما لتقصير مني في التفاعل مع وجهاء النجف لصغر سني حينها او لمغالاة منه في وصف مكانتها، ولكني مع هذا ساصدقه فيما قال عن أهله.
أنا وفائق وملايين آخرين من العراقيين أجبرنا على ترك وطننا العراق في فترات زمنية متباينة بعد أن استحوذ حزب البعث على السلطة بالعراق لاسباب سياسية. كنا -أنا وهو- ممن ترك العراق في نهاية شباط أو بداية آذار عام 1991 أي مباشرة بعد قمع الانتفاضة الشعبية االتي اشتركنا فيها والتي اعقبت اندحار العراق في عملية عاصفة الصحراء وطرده من دولة الكويت.
في تلك الانتفاضة، أدينا -والألوف غيرنا- أدوارا مختلفة من قتال مباشر ضد الجيش العراقي الى اقتحامات مقرات الحزب ومقرات مديريات الامن والجيش الشعبي الى توفير العلاج الطبي والدعم اللوجستي الى الدعم الاعلامي والحرب النفسية، الخ، لذا كان علينا مغادرة العراق ولو أنظرنا البعثيين وقتا قليلا لعلقونا على اعواد المشانق مثلما فعلوا باقراننا في مدينة النجف بعد اعادة احتلالها من قبل الجيش الصدامي. بعد قمع الانتفاضة، لجأ المنتفضون الى دول الجوار: تركيا، ايران، السعودية وكنا -أنا وفائق- ممن لجأ الى السعودية -مخيم رفحاء.
وبما اننا أتينا من مدن متباعدة طواعية للقتال في المدن التي تتعرض لهجمات الجيش إبان الانتفاضة، لم ننضو تحت قيادة موحدة كي يتم توزيع المهام علينا هرميا بل كانت قيادة الانتفاضة افقية إذ كان لكل مجموعة قائداً يذهب بمجموعته اينما يطلب احد (بمكبرات الصوت عادة) مساعدة في القتال، حتى لقد خدعنا مرات عديدة وقادنا بعض أفراد المخابرات العراقية -الذين كانوا يؤدون أدوارا مزدوجة- الى مناطق للتجمع (عادة جوامع) ثم ابلغوا الجيش سرا عن أماكن تواجدنا ففتح الجيش كل اسلحته ضدنا وتفرقنا، بعدها يتقدم الجيش ويحتل مكان تجمعنا. اتذكر مجموعة عبود الغانم ( من المشخاب) قبضت على نقيب مخابرات يدعى أبو سيف متلبسا واعدمته، وبينا كنا مجتمعين في جامع المدينة، خطب بنا رجل معمم ( لاتسعفني الذاكرة، لعله كان يدعى ثويني) وحثنا على البقاء في مدينتنا لحمايتها وكان يروم منعنا من التوجه الى مدينة النجف حيث يقاتل الأخرون ضد الجيش، فلم نطعه، تبين بعد قمع الانتفاضة انه كان رائدا بالمخابرات الصدامية.
غياب القيادة العملياتية الموحدة جعل من الصعب معرفة الادوار الحقيقية التي قام بها كل ثائر من الثوار وتفرقت قصص البطولة والمآثر على المدن والاحياء والقرى والارياف، واصبح من المتعذر دحض ادعاءات من يدعي انه لعب دورا قياديا بارزا في مكان ما في تلك الانتفاضة، الا ان ثمة قيادات محلية برزت في مدنها او محافظاتها اعرف بعضا منهم في محافظة النجف لكن لم يكن بينهم فائق الشيخ علي، وخلال (الاربع سنوات) فترة وجودي في مخيم رفحاء إنبرى للقيادة هناك عدد من الوجهاء:مثقفين واكاديميين ورياضيين وشيوخ قبائل ليس من بينهم شخص يدعى فائق الشيخ علي. أقسم بالله أنني أقول الحق، رغم انني من محافظة النجف ورغم صغر مجتمع مخيم رفحاء حيث يعرف الجميع الجميع، لم اسمع باسم فائق الشيخ علي هناك مطلقا.
حتى لقاءاته الاخيرة مع الاعلامي الكويتي عمار تقي من صحيفة القبس الكويتية، كنت من مناصري فائق الشيخ علي وطرحه في نبذ الاسلام السياسي وتبني نظام حكم علماني مقتدر ونزيه وعادل في العراق يساوي بين كل مواطنيه بغض النظر عن اعمارهم واعراقهم واديانهم وافكارهم ومهنهم. لكني والحق أقول وبعد أن افتضح أمره من خلال مقابلاته مع عمار تقي في برنامج الصندوق الاسود، بدأت اشعر بخطورة دعم شخص يفتقر الى ابسط مقومات الحكمة والاتزان النفسي والعقلي. هكذا صفات لاتؤهل حاملها لادارة حتى اصغر مؤسسة فمابالك ادارة دولة!! هذا لايعني أنني أقول إن من يدير العراق الآن هم أكثر حكمة ونزاهة من فائق الشيخ علي، بل على العكس يبقى فائق -على علاته- اكثر نزاهة واقل طغيانا واكثر نضالا ضد الديكتاتورية وافضل انجازا منهم جميعا. لكن في الوقت الراهن، لاارى من الحكمة الاستجارة من الرمضاء بالنار، فالعراق يمر بمشاكل استثنائية يتطلب حلها وجود قادة استثنائيين، ولقاءاته التلفزيونية الاخيرة أكدت بما لايقبل الشك ان فائقاً ليس من هذا النوع.
في لقاءاته مع عمار تقي، بدا فائق الشيخ نزقا واستخدم لغة متدنية لايستخدمها الاسوياء رغم ادعاءاته كونه من علية القوم وكانت إجاباته نرجسية مملة ومبالغ فيها وساذجة وسطحية وادعى لعب ادوار بطولية وهمية اينما حل ( الانتفاضة، مخيم رفحاء، لندن، العراق مرة اخرى، البرلمان العراقي، المنابر الاعلامية) وكأن العراق والشرق الاوسط ككل يدور حوله هو وحسب.
إدعى فائق معرفته بطرق السماوات والارض وأجاب بنبرة العارف ببواطن وظواهر كل علوم الكون وفي اكثر من 25 حلقة لقاءات لم اسمعه ولو لمرة واحدة يقول ” ليس لي علم بذلك،” ولو كان عمار سأله عن الفيزياء النظرية لادعى ان اينشتاين يمت له بصلة قرابة وكان يسكن في “الحويش.” استبطنت اجابات فائق استعلاءً فارغاً على شرائح اجتماعية كالبدو الذين يمثلون أصل العرب واضفى صفاتاً مثالية على أهل النجف وميزهم على غيرهم من العراقيين. أقحم فائق نفسه بالتاريخ وهو ليس بمؤرخ والفلسفة وهو ليس بفيلسوف وبالتحليل السياسي وهو ليس بمحلل، فخرجت أجاباته ركيكة اعتباطية وكأنها أحاديث رواد مقاهي على طاولة الدومينو اذ افتقرت الى المعرفة العميقة والحقائق والاستنتاج المنطقي او الاكاديمي، وقد وجد عمار صعوبة في كبح جماح مخيلة فائق في اختلاق الاجوبة الاعتباطية دون الاشارة الى اي دليل أو قرينة، وكرر الرجل مرارا السؤال ” هل لديك دليل على ذلك؟” فيجيب فائق باعادة مضمون جوابه السابق نفسه ولكن بصياغة تعبيرية مختلفة وفق مغالطة المنطق الدائري (circular logic fallacy)
لايهمنى إدعاء فائق الزائف للبطولة وتقمص دور القائد في كل محطة توقف عندها في مسيرة حياته الزاخرة بالاحداث فهذا شأنه، ولكن شعرت أن واجبي الاخلاقي هو إنصاف لاجئي مخيم رفحاء الذين كنت واحدا منهم والذين تعالى فائق عليهم وكال التهم ضدهم ظلما وبهتانا وبرأ عناصر الجيش السعودي حتى بدوا وكانهم جيش ايسيلاندا وليس جيشا جاهلا وغير منضبط حاله حال اغلب جيوش الشرق الاوسط ودول العالم الثالث.
لااريد ان اصير مثله (واضرب بالتخت رمل) وأحلل دون اي دليل دوافعه لتشويه صورة وتاريخ لاجئي مخيم رفحاء ولكن مابدا لي جلياً هو أنه يحاول استمالة الحكومات الخليجية على أمل ان تدعمه في معركته الانتخابية القادمة ضد الاسلاميين المدعومين من ايران – وهذا أمر أراه مشروعا في هذه المرحلة بالذات- لاستحالة فوز الشخص الوطني النزية والعادل اعتمادا على موارده الخاصة المحدودة قياسا بحملات انتخابية لشراء الذمم وتلميع صور الفاسدين تنفق فيها مئات ملايين الدولارات المسروقة من المال العام والدعم الخارجي.
ثم إنه ( أي فائق) يشعر ان مركب الرفحاويين بدأ بالغرق نتيجة الحملة الظالمة التي يشنها ضدهم الصدريون والبعثيون على حد سواء وتاليا الكثير من متظاهري تشرين الذي يدعمون ترشيح فائق لرئاسة الوزراء، لذا فهو يحاول القفز منه من خلال تشويه الحقائق والترفع عن كونه كان واحدا منا. إذا كان لبعض العراقيين اعتراض على مقدار الرواتب التقاعدية للاجئي رفحاء فهذا امر قابل للنقاش ولا أعتقد ان الرفحاويين ثاروا كي يتقاضوا رواتبا وبالتالي لااعتقد أيضا انهم سيقيمون الدنيا اذاما قرر البرلمان تخفيض رواتبهم بقانون. الرفحاويون عراقيون طردوا من بيوتهم عنوة وكان غالبيتهم خدم في المؤسسات المدنية والعسكرية كموظفين وجنود وضباط واعتقد انهم كغيرهم من العراقيين يستحقون رواتبا تقاعدية خصوصا وان أغلبهم تجاوز الستين سنة من العمر ورواتبهم التقاعدية ليست مكرمة لدورهم في الانتفاضة بل هي حق مستحق لهم ولكل عراقي، ومن يرى عكس ذلك فهو متحامل وحاقد.
دعوني أولا أقص لكم قصة مخيم رفحاء مدعومة بحقائق فشل فائق الشيخ باسناد اجاباته بمثلها: أثناء هزيمة الجيش العراقي وطرده من الكويت في عملية عاصفة الصحراء في بدايات عام 1991، انتشرت قوات التحالف في الجزء الغربي من صحراء العراق – لاادري لماذا لكن لعل الهدف كان حماية السعودية من اي اجتياح او انتقام محتمل من قبل الجيش العراقي- حتى أشرفت على مدينة السماوة: مصفى نفط السماوة وطريق سماوة-بغداد.
إثناء عمليات قمع إنتفاضة شباط 1991 ، كانت المروحيات العراقية والجيش العراقي يهابون الاقتراب مع قوات التحالف الدولي المنتشرة هناك خوفا من الاصطدام بها، فطاردوا المنتفضين حتى مناطق محاذية لتواجد قوات التحالف. ولان الجيش العراقي كان أجبن من أن يتبعنا الى المناطق التي تنتشر فيها او قربها قوات التحالف، لجأ بعض المنتفضين أفرادا وعائلات وحتى بعض العائلات التي لم تشترك بالانتفاضة لكنها كانت تخاف من الانتقام بعد استبباب الامر لنظام صدام. كذلك لجأ بعض الشباب الذين يحاولون الهرب من العراق ليس لانهم مطلوبون بل لانهم كانوا يبحثون عن حياة افضل من خلال اللجوء الى دول العالم الاخرى. طبعا الجميع لجأ الى بادية السماوة ومن البديهي ان يكون منتفضو السماوة سباقون الى ذلك فكانوا هناك -على حدود قضاء السلمان المحادد للسعودية- قبل ان يصلها اي من المحافظات الاخرى. (عكس ماادعى فائق انه كان و 60 شخص إخرين من النجف أول من إجتاز الحدود السعودية حتى وصلوا على مشارف مدينة رفحاء وكانت الحدود فارغة حسب ادعاءه).
تجمع اللاجئون بالعراء في منطقة تقع ضمن حدود قضاء السلمان في محافظة السماوة العراقية فيما سمي بعدها بالمخيم الحجري، وكانت تزودهم قوات التحالف بارزاقها العسكرية الجافة MREs أي وجبة جاهزة للأكل. وبعد تزايد اعداد اللاجئين، زودونا بخيم باكستانية الصنع بيضاء مقلمة بالاسود فنصبناها، وكانت الحالة المعيشية مزرية حيث الانتظار لساعات طوال في طوابير للاستحمام او الحصول على الغذاء والماء.
في تلك الأيام وضعنا تحت عهدة الجيش السعودي وكانت لازالت قوات التحالف تنتشر في المنطقة. ذات يوم دخل احد اللاجئين في جدال مع نقيب سعودي يدعى جمعة، ففتح جمعة نار رشاشه المحمول على نيسان بيك اب احادي السبطانة المخصص لمقاومة الطائرات وقتل الشخص واخويه اللذين هبا لنصرته. بكى الفرنسيون القريبون من الموقع من هول الحادث وانزلوا نقيب جمعة عنوة من سلاحه. كان الاخوة الثلاثة وامهم من محافظة السماوة القريبة. عادت امهم الى السماوة بعد مقتل ابنائها الذين هربت بهم من بطش نظام صدام ليقتلهم نقيب جمعة في لحظة غضب.
بعد ان قرر التحالف الدولي سحب قواته من المنطقة، ونتيجة لتعاطف الادارة الامريكية مع اللاجئين ندما منها على مساهمتها في معاناتهم من خلال دعوة الرئيس بوش العراقيين للثورة على صدام ورضوخه بعدها لدول التحالف عندما رفضوا اسقاط نظام صدام حسين.كان من بين دول التحالف التي رفضت اسقاط نظام صدام حسين فرنسا وكانت حجتها ان الهدف من التحالف كان تحرير الكويت وحسب وهذا الهدف تحقق لذا يجب فض التحالف وانهاء القتال. السعودية ومصر رفضتا اسقاط نظام صدام حسين لاسباب طائفية وفي مقابلة تلفزيونية للرئيس الامريكي السابق جورج بوش قال “اتصل بي الملك فهد والرئيس حسني مبارك وقالا رافضين لفكرة اسقاط نظام صدام حسين الشيطان الذي نعرف افضل من الشيطان الذي لانعرف.”
أقول بعد انسحاب قوات التحالف من المنطقة، طلبت دول التحالف من السعودية إدخالنا الى اراضيها باعتبارها عضوا في ذلك التحالف. ماكان للسعودية ان ترفض لما لذلك من تبعات دولية عليها واحراج شديد مع حلفائها، فقبلت الطلب على مضض. نقلنا إثرها الى مخيم يبعد عن الحدود العراقية حوالي 5 كيلومترات داخل الحدود السعودية، وهناك بدأت رحلة العذاب والمعاناة.
دعوني ،قبل ان اخوض في التفاصيل، أشكر اصالة عن نفسي ونيابة عن من يتفق مع رأيي من اللاجئين الرفحاويين الحكومة السعودية والشعب السعودي عامة -واهل الحساء والقطيف خاصة- لتوفيرهم المأوى والماء والغذاء. كانت تأتينا تبرعات كثيرة وزيارات من سعوديين من أهل الحسا والقطيف وتبرعات كريمة من سعوديين آخرين من مناطق أخرى بعضها مباشر وبعضها عن طريق مكتب الاغاثة الاسلامية. شكر خاص ايضا للشعب السعودي ومؤسساته الرياضية والاكاديمية السعودية والشرطوية التي تواصلت معنا أثناء وجودنا هناك واخص منها مديرية معارف عرعر.
مشكلتنا الوحيدة كانت مع الوحدة العسكرية السعودية وآمرها الطائفي الفاسد العقيد -في حينها- محمد العريبي، ويعتقد اغلب لاجئي رفحاء ان قرار اناطة ادارة المخيم بالجيش وليس الشرطة كان خطئا جسيما – تسبب لاحقا في كوارث – تتحملة القيادة السعودية قانونيا واخلاقيا ولانعتقد نحن اللاجئون ان الحكومة السعودية كان تريد ايذائنا بقدر مانعتقد انها كانت تحسن الظن بجيشها. حز في انفسنا ان الحكومة السعودية كانت ستكون اكثر كرما لو انها سمحت لنا بالعيش والعمل في المدن السعودية كما كان حال البنكلاديشيين والسيريلانكيين والفلبينيين وغيرهم من الجنسيات الآسيوية ونحن الذين ليس فقط تجمعنا روابط الدين واللغة مع اخواننا السعوديين، بل التداخل الاجتماعي المعقد بين الشعبين العراقي والسعودي اذ كان بعضنا ينتمون الى قبائل شيوخها سعوديون اوشيوخ قبائل عراقية الكثير من افرادها سعوديون كالشيخ خزعل الخشان وسامي عزارة.
وكأي مدينة في اي دولة تعدادها حوالي 35 الف نسمة، كان بيننا -اضافة الى شيوخ قبائل واكاديميين واساتذة ورياضيين وفنانين ومثقفين وسياسيين محترمين – عدد من الانتهازيين من اصحب النفوس الضعيفة وبعض المجرمين الساقطين،من أمثال احسان صبي وعباس طناك وغيرهم ممن أقاموا علاقات مع أفراد الجيش السعودي المسؤولين عن حماية المخيم، فكانوا يجلبون لهم حبوب مخدرة ومشروبات كحولية واطفال مغرر بهم -من خلال عدد من اللاجئين الذين عملوا مهربين لتهريب هذه المواد من العراق الى السعودية- مقابل مبالغ مالية مجزية ومعاملة تفضيلية.
قامت ،إثر ذلك، انتفاضة في المخيم ضد هؤلاء وطردوا من المخيم، فاستقبلهم الجيش السعودي وأسس لهم مخيما مصغرا آخر. بعدها بدأت دوريات الجيش السعودي تستصحبهم كل ليلة ليدلونهم على خيم الذين طردوهم من المخيم الكبير فيأخذونهم وهم بملابسهم الداخلية ويرمونهم على الحدود. فكنا ،عندما يسدل الليل ستاره، نلبس طبقتين من الملابس للاحتياط وكنا نتبادل المبيت في خيم بعضنا البعض لتضليل العسكريين السعوديين.
استمر اختطاف اللاجئين في الليل وتسليمهم الى المخفر الحدودي، وكان ترسخ لدينا اعتقاد أن قائد حماية المخيم العقيد محمد العريبي يقيم علاقات مع المخابرات العراقية واشيع في حينها انه كان يجتمع دوريا بالمخابرات العراقية على الحدود لتسليمهم بعض قادة الانتفاضة الموجودين في المخيم، وقيل كذلك منذ أن درس في كلية الاركان العسكرية العراقية في بغداد، إرتبط بعلاقات قوية مع جهاز المخابرات العراقية. لادليل لدي على ذلك لكن هذا ماكان يشاع في المخيم. لمسنا من خلال تفاعلنا مع أفراد الجيش السعودي ان اغلبهم، ليس فقط العقيد العريبي، كان معجبا بصدام ولايرى فينا الا شيعة روافض خونة خانوا وطنهم خدمة للامريكان يستحقون القتل.
لم يتوقف اختطاف اللاجئين في الليل ورميهم على الحدود العراقية الايرانية حتى قاد عبود الغانم ،وكان احد المستهدفين، اعتصاما إرتدى فيه كفنا أبيض يرمز الى تفضيله الموت في المخيم على تسليمه للمخابرات العراقية (وكان هو أول من ارتدى كفنا تعبيرا عن الاستعداد للشهادة تبعه بعدها كثيرون بما فيهم المرحوم آية الله محمد محمد صادق الصدر) فاقتحمت المدرعات السعودية المخيم ودخلنا في معركة معهم، هم بكل اسلحتهم ونحن بهرواوات ومدي صنعناها بايدينا، وكانت مجموعة نساء من عشيرة الجويبر من الناصرية تمكنت من أسر جندي سعودي حين اقتحمت المدرعات خيم الناصرية. ذهب بعدها وفد من المخيم ( لا اعتقد ان احدهم اسمه فائق الشيخ علي) وتفاوض مع آمر الوحدة السعودية المسؤولة عن حماية المخيم واتفق الطرفان على اطلاق سراح الجندي السعودي مقابل ايقاف حملات خطف اللاجئين ليلا ورميهم على الحدود او تسليمهم الى أقرب مخفر حدودي عراقي.
بعدها بنوا لنا مخيماً أشبه بالمدينة يبعد حولي 10 كيلومترات عن الحدود العراقية السعودية وقسموه الى مربعات وعبدوا طرقه وبنوا مدارساً واسواقاً ونقلونا اليه. خلال معاركنا،التي عادة ماتبدأ بجدال أحد اللاجئين مع عسكري سعودي وتنتهي بمقتل اللاجئ، مع الوحدة العسكرية السعودية المسؤولة عن أمن المخيم، قتل العشرات من اللاجئين وبعضهم كان مجروحا لكنهم رموه في الثلاجات وهو يأن حتى تجمد ومات.
ليس لدي رقم دقيق لكن يعتقد اللاجئون ان عدد القتلى من اللاجئين وصل الى 150 . بالمقابل، في احدى المعارك مع الجيش السعودي، حوصر جندي سعودي في نقطة حراسة داخل المخيم واشعل احد اللاجئين النار في النقطة فاحترق الجندي حتى الموت( ليس 4 كما ادعى فائق) فرد الجنود على الجاني وقتلوه، تأكد فيما بعد انه من محافظة الديوانية واسمه جبار اليتيم وكان تحت تأثير حبوب مخدرة.
بعد ان وصلت العلاقة بين اللاجئين وبين الجيش السعودي الى طريق مسدود واصبحت البندقية وسيلة التفاهم الوحيدة، بدأ عراقيو المهجر تظاهرات ضد السفارات السعودية في دول العالم الغربي وكان العقيد ،جزاه الله خيرا، محمد رشاد الفضل – وهو من النجف- أحد قادتها ووصلت أخبار قتل اللاجئين من قبل الجيش السعودي الى الامم المتحدة، فانهال الشجب الدولي والانتقاد على الحكومة السعودية وطريقة تعاملها مع لاجئين عزل، فرد الأمير سلطان بن عبد العزيز وزير الدفاع الاسبق رحمه الله منزعجاً قائلا: من “يريدهم فليأخذهم.”
ناشدت الامم المتحدة الدول الاعضاء في اعادة توطيننا فبدأت وفود ضباط هجرة تأتينا من دول العالم الغربي (دول أوربا الغربية وامريكا وكندا واستراليا) وتقابلنا، فذهب اكثر من ثلث المخيم -بين 10 الى 12 الف- الى الولايات المتحدة الامريكية. قبل السفر، كان الجيش السعودي يجردنا من كل مامن شأنه فضح جرائمهم المرتكبة ضدنا، فكانوا يصادرون كل الصور والافلام وكان بعضنا يحشر الافلام في ضرورف معجون الاسنان وابتكروا طرقا أخرى عديدة لتهريب الصور والافلام استعملها الذين سافروا منا في الدفعات الأول لفضح المماراسات السعودية أمام منظمات حقوق الانسان الدولية. قبل أن أصعد الطائرة متوجها الى الرياض، صادر العسكريون السعوديون الصور التي التقطتها في المخيم.
وأخيراً لم أفهم بعض الامور التي ذكرها فائق الشيخ علي في مقابلاته مع الاعلامي الكويتي عمار تقي منها على سبيل المثال قال انه كان يحمل جواز سفر ايراني مزور. هل كان يمتلك هذا الجواز عندما كان في العراق ولماذا؟ أوهل يعني هذا انه كان من ضمن اللاجئين القلائل ذوو الاصول الايرانية الذين اخذهم الوفد الايراني الذي زار المخيم الترابي؟ اذا نعم، فلماذا عاد بجواز سفر ايراني مزور؟ اليس هو عراقي؟ واذا كانت اصوله الايرانية تؤهله لاستحصال جواز سفر ايراني، فلماذا جواز مزور؟ وكيف عاد الى المخيم؟ ولماذا تكفله الامير تركي الفيصل رئيس المخابرات السعودية الاسبق واسكنه في فندق في الرياض ولم يتكفل غيره من القادة وشيوخ القبائل الذين هم أكرم واشهر واكثر نفوذا منه في العراق والسعودية على حد سواء كالمرحوم الشيخ حسين الشعلان والمرحوم الشيخ كاظم الريسان والشيخ خزعل الخشان، خصوصا وانهم وقليلين آخرين كانوا يمثلون المخيم لدى السلطات السعودية؟ وحسب كلامه فهو سافر الى لندن في وقت مبكر، كانون الثاني 1992، فكيف اذن استطاع استمالة اعلى هرم السلطة السعودية وهو العائد تواً من ايران وذو الاصول الايرانية؟ لاأريد ان اتهم الرجل جزافا لكني اتمنى عليه الاجابة لتبديد الشكوك.