18 ديسمبر، 2024 11:45 ص

غيابُ وعْيِ الماء

غيابُ وعْيِ الماء

أما كنتَ تبغي أن تسيلَ دمائيا

لماذا قنصتَ القلبَ إن كنتَ لاهيا؟

لماذا تكلَّفتَ الغرامَ وقلتَ لي

أريدُكَ أن ترقى وتغدو سمائيا

وقلتَ حبيبي لا تكن قطُّ صامتاً

تكلَّم تكلَّم واحترق في الهوى ليا

وقلتَ أنا نارٌ وبي كلُّ جمرةٍ

يساندُها في لذعِ قلبِكَ مائيا

نأيتُ أنا من خوفِ عشقِكَ مرةً

فقلتَ تقدَّمْ لا تكن قطُّ نائيا

تقدَّمْ إلى حزني العميقِ فإنَّهُ

توغَّلَ بي حتى أقضَّ الأمانيا

تقدَّمْ وقبِّلْ، لا تقبِّلْ وأنتَ في

شعورِكَ أنَّ اللثمَ يفهمُ ما بيا

أجل إنَّ تقبيلي يخفِّفُ لوعتي

ويشفي قليلاً من غليلِ فؤاديا

أحسُّ بروحي ليسَ يمسكُها المدى

فقد طرتُ في جوِّ التخيُّلِ عاليا

أنا لا أحسُّ الأرضَ تحتي مقيمةً

أحسُّ بأنَّ الأرضَ تغدو فضائيا

برقعتِها كلُّ النجومِ مضيئةٌ

ويطغى عليها في البهاءِ ضيائيا

عشقتُكَ أم أني صقلتُ عواطفي

فصارت مرايا قد عكسنَ جماليا؟

فهل في جميعِ الأرضِ أيُّ رذيلةٍ

فلا تنظرُ العينانِ إلا نقائيا

وهل في جميعِ الأرضِ أيةُ غدرةٍ

فقد حجبَ الغدرَ الدنيءَ وفائيا

وهل في جميعِ الأرضِ أيُّ بلادةٍ

فقد كهربَ الأشياءَ طراً ذكائيا

فها هيَ مثل السيفِ تلمعُ رقةً

ولا عنفَ فيها إذ تمدُّ الأياديا

تصافحُ حتى في الفراغِ لأنها

ترى في الفراغِ الكلَّ أصبحَ جائيا

بل الصخرُ حتى الصخرُ ليسَ فؤادُهُ

أقلَّ شعوراً بالهوى من فؤاديا

ويبدو كذاكَ الماءُ في النهرِ عاشقاً

إلى حدِّ أنَّ الماءَ قبَّلَ مائيا

وقال أنا الماءُ الذي غابَ وعيُهُ

من السحرِ أثناءَ امتشقتُ قواميا

فعانقتُ حتى لم أدع أيَّ بقعةٍ

بلا أن أساقيها بلطفٍ عناقيا

ولا شكَّ أني رغمَ أني متيَّمٌ

فقدتُ شعوري هكذا بندائيا

أناديكَ، صوتي ربما جاوزَ المدى

وبالطبعِ أبغي في النداءِ التلاقيا

ولكنَّني لا أسمعُ الصوتَ مطلقاً

فقد غابَ إحساسي وماتَ عنائيا

توحَّدتُ بالطيفِ الذي هوَ داخلي

فليسَ سواهُ حاضراً في كيانيا

نظرتُ إليهِ مورقَ الروحِ في دمي

يسيرُ على نهرٍ بدا ليَ جاريا

بفعلِ ارتواءِ الطيفِ قلبيَ مرتوٍ

وإن كانَ حتى آخرِ النبضِ ظاميا

***

جديرٌ بقلبي أن يكونَ سفينةً

لأنكَ بحرٌ أصبحَ الآنَ طاغيا

جديرٌ بهِ أيضاً بأن يجعلَ المدى

جميعَ المدى خمراً ويشربَ باكيا

على أنه لم يتخذ من شؤونِهِ

فضاءً ليرقى في سمائِكَ عاليا

جميعُ شؤونِ القلبِ محضُ ضلالةٍ

إذا أنتَ لم تصبح هنالكَ هاديا

قد اتسع الخرقُ الوجوديُّ في دمي

فلا أعرفُ المغزى وإن كنتُ رائيا

أرى الشعرَ موسيقى يضجُّ ضجيجُها

وليسَ لها معنى، فقدتُ المعانيا

لأنكَ موجودٌ بها دونَ رغبةٍ

كأنكَ في سجنٍ تعدُّ اللياليا

تجاهلتَ منها كلَّ روعةِ همسِها

لهذا بدت في مأتمِ الروحِ ناعيا

فعد ضاحكاً في الشعرِ تضحكِ الرؤى

وإلا ستبكي أو تعودُ مآسيا

*[email protected]