23 ديسمبر، 2024 5:36 م

غورنيكا الألم هل يُعيد أخوة يوسف حُلّي الوطن ؟

غورنيكا الألم هل يُعيد أخوة يوسف حُلّي الوطن ؟

((في هذه اللوحة التي أعمل فيها والتي سأطلق عليها اسم(الغورنيكا) وفي كل الأعمال التي ستليها، أنا أعبّر وبكلوضوح عن مقتي واشمئزازي من الفرق العسكرية التي أغرقتإسبانيا في بحر الآلام والموت . ((بيكاسو))

وأنت تنسلخ في لحظة سهو عن واقعك هاربا نحو مديّاتالخيال ،  لتتجرد ممّا علق في ذاكرتك وأسبغ رؤاك من أحداثووقائع ومآس ، فتجد نفسك ذاك الانسان الذي خلقه الله كمايشاء هو ، ببياض روحك ونقائك وجسدك الندي ووجهك النضِّرالذي  فيه العفة والبشاشة مرسومتان على المحيّا ، والبسمةتملأ الشدقين ، يتنفس حبا ودفئا وهواء نقيا ، تغمره السعادة ..يتوق لاكتشاف الحياة وجمالياتها ، يمشي ممشوقا على رؤوسأصابعه فيبدو وكأنّه متأهبا للطيران .. الأرض  لا تتسع لفرحهوآماله ، ذات  مرة يتمنى أن يكون عصفورا  على أغصانشجرة أو  طائراً في أعالي السماء يتنقّل  من بستان الى آخرومن كرّمة لأخرى ، يعبث منقاره الرهيف بثمار الكروم والتين ،يغني مفتونا بعطر الرياحين ، يزغرد بعلو صوته ليثير انتباه منحوله أو يكسر خلوته ليسمع تغاريد وزغاريد  ، يغدو البستانمكانا للفرح والزهو والاحتفاء والبهجة .

الانسان طائر في أحلامه وأمانيه يحب الجمال والانشراحوالغبطة ،  يعشق النسيان والسهو في زمن الصحو والافاقةعلى أصوات الضجيج والانفجارات والغزو .. وهدم البيوت علىرؤوس ساكنيها وبدون مقدمات ، في لحظات المجازفة والشرودالذهني والاعتباط يرفض أن يكون مؤدلجا وأسيرا ورهينةللرموز ومتاهات الأيدولوجيا والزعامات والولاءات ، هذا الانسانالطائر الراقص المغرد يرفض أن يوظيف كدابة في سوقالرخص الآيدلوجي والسلطوي ، رائحة الخنوع والتابعية تزكمأنفه المليء بعطر زهر الليمون ،  لا يسرّ ناظريه سوى العنبالناضج المهيأ للعصر والتعتيق ليغدو شرابا للإنسان الاله ، لقدزهق من أصوات المدافع ودوي الانفجارات ومنبه سياراتالاسعاف ، هذا الانسان فاضت جروحه وأصبحت المدن مصيدةله ، المدن المحن الكوارث الموت المحتم ، أراد هذا الكائن الذييسمى الانسان الساهي الشارد بذهنه أن يعيش البدائية بكلعفويتها ونقائها وبساطتها الذي لم تغرّه البطولات وسيوفالذهب وجرّار الفضة ، زهق من سلطة الرموز ومسلاّت القضاةوتعاليم وارشادات الاطباء والدفاع المدني .

كان الوطن قطعة من سماء عندما كنا نراه ونحن صبية  هكذا .. صغار في مرّحنا وأحلامنا ..  لا نحلم الا بثياب جديدة نلبسهافي الأعياد والأعراس ، نشتري الدفوف والطبول والألعابالنارية نتسلّى بها ونمارس صبانا وطفولتنا .

 اليوم علينا  أن : لا نحلم ..  وان حَلمنا فعلينا البحث عن وطنأضاعه أخوة يوسف ، وعلينا شراء البنادق والذخائر  لنستعيده، ولابد أن نكون مهرّة في نزع الأسلاك عن العبوات الناسفة ،وعلينا أن نحفظ أناشيد الحماسة ..  وأن نحتفل بالموتى كما كنانحتفل بالعرسان وأعياد الفطر والأضحى ….  نعم هي طقوس( غورنيكا ) وتعاليمها ودستورها الذي لا مفرّ من طاعته والتقيّدبنصوصه ومواده ،  وأولها :

الغناء  .. حرام ويخدش الحياء وفيه ضرّ للأذن الوسطى .

اللعب .. عبث من عمل الشيطان .

ارتياد الحدائق .. هزوٌ من الحروب المقدسة .

القراءة .. حالة تمرد ومحاولة انقلاب على الحكم .

المشي على الأرصفة .. ازدراء للأنظمة لا تخلو من اصطفافللاحتجاج والتظاهر .

الأجهزة المرئية والمسموعة وقراءة الصحف ..وسائل تنافيحقوق الانسان لمساعدتها له بتأجيج مشاعره وأحلامه ويقظتهبما يجري  حول العالم والاطلاع على حياة البشر ، واداركهللظواهر الكونية والطبيعية والتحسب لها .

( غورنيكا ) كم كنت جميلة  قبل أن تلبسي بدلتك الكاكي ، وقبلأن تسّير في شوارعك أرتال العسكر وخيول الشرطة ، كم كانهواءُك نقيا معطّراً بالأمان والسلام ، كم كان ماء جداولك عذباقبل أن تتفسخ فيه الجثث المجهولة  ويصبح مرتعا للقططوللكلاب السائبة .

أيها الانسان العصفور كفّْ عن الرقص والأهازيج والتغاريدوالسهو  فقد تلبدت سماء ( غورنيكا ) برائحة الدخان والبارودوالأمطار المكهربة .

هل من سهوٍ  يفك عقدة الأحلام ؟

هل يُعيد أخوة يوسف حُلّي الوطن ؟؟؟؟

………………………………………..

11-12-2017