لم يُحركوا ساكناً، إنعقدتْ ألسنتهم وصُمّتْ آذانهم، بل لقد زاغتْ أبصارهم وكأن شيئاً لم يحدث، لايكاد العراق ينام على آثار كارثة حتى يصحو على وقع فجيعة.
جرائم غامضة، مُبهمة يروح ضحيتها خِيرة الطيارين العراقيين وهم في خارج الحدود بدورات لأغراض تدريبية، حيث لم تُحرّك الحكومات المُتعاقبة أجهزتها الأمنية والإستخبارية ولم تستخدم وزارة الخارجية صلاحياتها الدبلوماسية للتعاون والتحقيق في معرفة أسباب الموت الغامض الذي يحدث فجأة للطيارين العراقيين وهم في خارج العراق، بل لقد غاب عن الجميع النوايا والأهداف التي تبدو من محاولات إغتيال هؤلاء الضباط أو طُرق موتهم، وهي الدولة التي تَبجّحتْ يوماً أنها كانت لها اليد الطُولى في إيصال وكشف المعلومات التي أدت إلى مقتل زعيم تنظيم القاعدة أبو بكر البغدادي.
جرائم موت غامضة تحدث لضباط عراقيين في كارثة تبعث على الشك والرِيبة أنه كان يشهد لهم بالمهنية والكفاءة وإستبعاد نظرية الخطأ أو السهو.
ولازالت الذاكرة العراقية تختزن تاريخاً أليماً من حوادث مصرع الطيارين العراقيين في الخارج، بل أن هناك من يعتبر الخوض في تفاصيل هذه الحوادث خطاً أحمر يدخل ضمن ملفات الأمن الوطني الذي لايمكن التجرؤ في الولوج لأسراره.
الغريب أن ردود الأفعال الحكومية كانت دائماً تَتسم بغموض المغزى والضعف الذي يقترن بالتستّر والإرباك ومحاولات التبرير وذلك الحذر الشديد، علماً أن الذاكرة العراقية لازالت تحتفظ بملفات لايستطيع الزمن محوها بقصص عن طيارين قضوا نحبهم مثل العميد الركن الطيار راصد محمد صدّيق قائد سرب طائرات-F16 الذي لقي حتفه أثناء مُهمة تدريبية في أمريكا بولاية أريزونا عام 2015، وكذلك الرائد الطيار نور فالح حَزّام رسن الخزعلي الذي توفي أثناء مُهمة تدريبية بولاية أريزونا!! عام 2017، ويُختتم مسلسل الإغتيالات أو الموت المفاجئ للعقيد الطيار عمّار عاصي المَجمَعي الذي توفي أثناء دورة على طائرات-BALL في أمريكا والمُنسّب إلى لواء-21 سِرب الطيران الجوي العراقي عام 2022.
من الإشارات ذات الدلالات الواضحة بعيداً عن نظرية المؤامرة ماتطرحه هذه الحالات من الوفاة بوجود إشتباه في طريقة الموت بأن جميع من قضوا نحبهم كانوا من بين الأفضل من زملائهم حتى كادوا أن يتفوقوا على مُدربيهم، الأمر الذي يستبعد ذلك الخطأ أو السهو في التدريب الذي يعتقد البعض أنه ربما قاد لنهايتهم لما يتمتعون من خبرة ومهنية.
يبدو أنه مُسلسَل يُراد منه أغراض وأهداف أخرى حيث يُقال أنه إذا عُرِف السبب بَطُلَ العَجَبْ بعد أن نشرت وسائل إعلام أمريكية في مجال السلاح والعتاد أن الولايات المُتحدة الأمريكية تتعمّد بإحداث فروقات كبيرة بالأسلحة التي تُجهزها إلى دول العالم الثالث وإحداث تباين في الأسلحة بين تلك التي يستخدمها الجيش الأمريكي والمُصدّر إلى غيره ومنها طائرات-F16 التي تعاقد الجيش العراقي على شرائها بعدد (34) طائرة بعد دخول داعش وإحتلاله لأجزاء واسعة من أرض العراق بين عامي (2014-2017) الأمر الذي أجبر أمريكا على تسليح العراقيين بهذا النوع من الطائرات لدرء الزحف الداعشي إلى بغداد، ولكن بتحوير هذه الطائرات عن طريق نزع أجهزة المُراقبة والرصد ورفع المجسات الألكترونية التي تُتيح لهذه الطائرات رصد إختراقات العدو والأهم هو وضع هذه الطائرات في موضع الرصد والتجسس والإستمكان عند محاولتها القيام لإستهداف الأصدقاء!.
عملية صيد الطيارين العراقيين وجعلهم فرائس سهلة للإنقضاض عليهم أثناء دوراتهم التدريبية وبعد الإنتهاء منها ربما يفتح الباب على مصراعيه لحجم الجريمة والكارثة التي إن بدأ التحقيق بها فأنه بالتأكيد سيفتح أبواب جهنم على تلك الحقيقة المُستترة التي يُراد منها ضرب العراق وتدميره من خلال خبراته وإفراغه من الكفاءات الوطنية التي تنتمي إليه إستمراراً للنهج التخريبي والتدميري الذي بدأ بعد عام 2003 وهو مايستوجب وجود سلطة وطنية ودولة تحفظ الأمن الوطني هيبته والعمل على تحقيق تشترك فيه أطراف دولية يطّلع فيها الرأي العام على نتائج هذا التحقيق والمُتسبب من تلك الحوادث إن كانت مقصودة أم لا.
لكن المؤكد والذي نُجزم به أن هذا المُسلسل سَيمُر كما مرّت غيره من القضايا والملفات بغطاء تشترك به أطراف تسعى للتستر على هذه الجرائم التي لايوجد مفاتيح حلها إلا عند القائمون في السلطة والدول التي تُسجّل على أراضيها وفيات هؤلاء الطيارين…إن كانت جرائم قتل أو موت عادية فالأمر سيّان مادام سيظل سراً لن يتم الكشف عنه إلا بعد مرور حين من الدهر، وسيظل هذا المُسلسل مُستمراً مادام هناك من يرغب بأن لا يتم فتح تلك الملفات…أليس كذلك؟.