مع سيطرة حركة طالبان على العاصمة الأفغانية كابول، تكون قد بسطت سيطرتها على معظم أفغانستان، وذلك بعد الانسحاب الأميركي منها، مما يطرح تساؤلات جدية عن مصير بقية المناطق والبلدان، التي تتواجد فيها القوات الأميركية، وعلى وجه الخصوص العراق وسوريا.
ولا تخفي في هذا السياق، قطاعات عريضة من العراقيين، مخاوفها من تكرار السيناريو الأفغاني في العراق هذه المرة، مع ما يعنيه ذلك من ترك البلاد فريسة للنفوذ الإيراني من جهة عبر الميليشيات المسلحة التابعة لطهران، ولعودة الإرهابيين الدواعش من جهة أخرى.
وتعليقا على احتمالات تكرار السيناريو الأفغاني في بلاد الرافدين، تثبت التجربة أن محرك السياسات الأميركية دوما، مصالح واشنطن العليا فقط، ومتى ما اقتضت تلك المصالح، فإنها تترك حلفاءها بكل بساطة وتتخلى عنهم، وهو ما لاحظناه في العديد من المحطات التاريخية والحديثة”.
“مثلا في فيتنام، تخلت عن حلفائها والمتعاونين معها، وكما حصل حديثا عام 2019، عندما سحبت قواتها من مناطق واسعة ممتدة من رأس العين إلى تل أبيض في شمال سوريا، لتحتلها تركيا والفصائل الإرهابية والتكفيرية التابعة لها”.
“لا يقع اللوم هنا فقط على واشنطن، بقدر ما تتحمل المسؤولية السلطات الفاشلة والعاجزة عن تقديم نماذج حكم رشيدة وصالحة، في بلدان مثل أفغانستان والعراق، وبالمحصلة فها هي واشنطن بعد 20 عاما من التواجد فيها تفقد الأمل، وتسلم أفغانستان لحركة طالبان”.
و”على مدى 3 عقود والولايات المتحدة تحمي كردستان العراق، لكن سنويا تتصاعد وتيرة انتقادات وزارة الخارجية الأميركية في تقاريرها للإقليم، خاصة على صعيد ملف حقوق الإنسان والديمقراطية وحرية الرأي، وحرية العمل الصحفي، وهذه بطبيعة الحال تحفظات وملاحظات نقدية جدية، وقد تقود في حال استمرار التراجع الديمقراطي في الإقليم الكردي العراقي، إلى مراجعات وإعادة نظر شاملة في مقاربات وسياسات واشنطن الداعمة له”.
“أما في عموم العراق ومنذ 18 عاما، فإن واشنطن تحمي الوضع الذي أقامته في البلاد، وسنة بعد سنة فإن الممسكين بزمام الحكم في العراق بدعم أميركي، في تراجع مضطرد، ويزدادون استبدادا وفسادا وتسلطا”.
و أن “تخلي واشنطن عن أفغانستان يجب ألا يمر مرور الكرام، وألا ينظر لها كحدث صغير ومعزول، خاصة من لدن القادة وأصحاب القرار في إقليم كردستان العراق وفي العراق عامة، حيث ليس مستبعدا أن تعتمد الولايات المتحدة نفس النهج مع العراق خلال العام المقبل”.
و”لا يمكن إسقاط التجربة الأفغانية بحذافيرها على العراق، فلكل بلد خصوصية من حيث الظروف المحيطة، وطبيعة المجتمع والمكانة الجيوبوليتيكية، والاختلاف في الموارد والطاقات الطبيعية، وغيرها الكثير من عوامل الاختلاف والتباين”.
و “لدينا في العراق تجربة مريرة نهاية عام 2011، عندما غادرت القوات الأميركية البلاد، وبعد سنتين ونصف السنة من انسحابها، سقطت كثير من المدن والمحافظات العراقية في يد تنظيم داعش الإرهابي”.
و”لا شك بأن التخوف هنا مشروع من تكرار سيناريو أفغانستان في العراق، وأن يعود الدواعش مجددا ليسيطروا على مناطق، وأن تستولي الميليشيات الطائفية المسلحة من جهتها على مناطق أخرى، سيما وأن الوضع السياسي والأمني في العراق هش وغير مستقر،
وأضافت الصحيفة: هذا ما حدث بعد أن سحب الرئيس باراك أوباما القوات الأميركية من العراق في عام 2011، حيث أنشأ مسلحو داعش إمارة متطرفة مما دفع الولايات المتحدة إلى إرسال جيشها مرة أخرى لطردهم
وهو الآن سيناريو محتمل في أفغانستان، حيث أدى أمر الرئيس جو بايدن بإنهاء أطول حرب أميركية إلى تقدم سريع من قبل طالبان، وهي نفس المجموعة المتطرفة التي غزت بسببها الولايات المتحدة أفغانستان للإطاحة بها بعد الهجمات الإرهابية في 11 سبتمبر 2001.
ويضيف التقرير: لقد أربك التحدي المتمثل في تحقيق المصالح الأميركية في المجتمعات المعقدة والبعيدة مثل أفغانستان والعراق، صنّاع السياسة من كلا الحزبين منذ أن أعلن الرئيس جورج دبليو بوش “الحرب على الإرهاب” قبل عقدين تقريبًا.
وفي السنوات التي تلت ذلك، تأرجحت النقاشات حول كيفية تحديد هذه المصالح بشكل كبير مدفوعة في بعض الأحيان بالرغبة في نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان، وفي أحيان أخرى بسبب السخط لأن الجهود المكلفة التي تبذلها الولايات المتحدة لم تؤت سوى القليل من الثمار.
والنتيجة وفقًا لبعض المحللين والمسؤولين السابقين في الولايات المتحدة هي تصور بين الأصدقاء والأعداء أنه لا يمكنك أبدًا ضمان المدة التي ستبقى فيها الولايات المتحدة.
وقال رايان كروكر، وهو دبلوماسي أميركي متقاعد عمل سفيراً في العراق وأفغانستان: “من واقع خبرتي لدينا نقص في الصبر الاستراتيجي كدولة وكحكومة.. وللأسف في المنطقة أصبح أعداؤنا يعتمدون علينا ألا نبقى طويلا في مسارنا”.
وقرر بايدن أن الوقت قد حان لمغادرة أفغانستان على الرغم من خطر أن التطورات المستقبلية قد تعيد الولايات المتحدة مرة أخرى. وفي خطاب ألقاه الشهر الماضي دفاعا عن سياسته، جادل بايدن بأنه ليس من مهمة الولايات المتحدة إصلاح البلاد.
وأضاف بايدن: “لم نذهب إلى أفغانستان لبناء دولة، ومن حق ومسؤولية الشعب الأفغاني وحده أن يقرر مستقبله وكيف يريد أن يدير بلاده. وقال إنه بعد عقدين من الزمن، فإن إبقاء القوات منتشرة لفترة أطول قليلاً “لم يكن حلاً، بل وصفة للبقاء هناك إلى أجل غير مسمى”.
وتعرضت تلك السياسة لضغوط في الأيام الأخيرة، حيث استولت قوات طالبان على ست عواصم إقليمية وكشفت ضعف القوات الأفغانية التي كان من المفترض أن تتولى زمام الأمور بعد أن أنهت الولايات المتحدة انسحابها هناك.
وخلال تقدمهم، اتهمت طالبان باستخدام الاغتيالات والتفجيرات لتخريب المحادثات التي تهدف إلى تشكيل حكومة تقاسم السلطة. ويخشى نشطاء حقوقيون من إعادة فرض القيود على النساء ومنعهن من العمل والتنقل بشكل مستقل. ويحذر خبراء أمنيون من أن الجماعات الإرهابية مثل القاعدة وداعش قد تستخدم أفغانستان للتخطيط لهجمات جديدة
وحتى الآن، لم يعط بايدن أي مؤشر على أنه قد يغير مساره ودعم موقفه استطلاعات الرأي التي تشير إلى أن معظم الأميركيين يدعمون الانسحاب.
سابقة مشؤومة :- لكن الانسحاب من أفغانستان يعيد ذكريات سابقة مشؤومة لانسحاب أوباما من العراق في عام 2011 عندما كان بايدن نائبًا للرئيس. وفي ذلك الوقت تمت هزيمة القاعدة في العراق من قبل الولايات المتحدة والقوات العراقية، لكن الحكومة العراقية كانت فاسدة وكان جيشها غير مستعد لضمان الأمن، وكان مجتمعها منقسمًا بسبب الطائفية التي فاقمها السياسيون المدعومون من الولايات المتحدة.
حركة طالبان تسيطر على 11 ولاية أفغانية من أصل 34
وبعد ذلك بعامين وبعد الاستفادة من الفوضى في سوريا، عاد جهاديو داعش إلى العراق واستولوا على المدن وأقاموا ما يسمى بالخلافة.
وبصدمة من عنف الجماعة وقلقها من أن يؤدي ذلك إلى وقوع هجمات إرهابية في جميع أنحاء العالم، عاد الجيش الأميركي على رأس تحالف دولي لدحر الجهاديين
و أن العديد من العوامل التي ساهمت في صعود تنظيم داعش موجودة في أفغانستان، وأوضح أن صانعي السياسة سيكونون ساذجين إذا اعتقدوا بأن مثل هذه الفوضى لن تخرج في النهاية عبر الحدود.
دائماً ما تجد النخب العراقية ما تتلهى به من أحداث وحوادث، داخلية كانت أم خارجية، وكثيراً ما يشتد النقاش حد الخلاف والصدام مرة بين النخب الأكاديمية نفسها، ومرة بينها وبين السياسيين على مواقع التواصل الاجتماعي. ومن باب الطرائف أنه حين يقع حادث خطير (مثل انفجار كبير أو حرائق الوزارات أو المستشفيات)، يحتدم النقاش حد الانقسام المذهبي مرة، أو العرقي مرة ثانية، أو المناطقي مرة ثالثة. ولكن الجميع يجدون لحظة يتواطأون فيها بعضهم مع بعض بعد بلوغ الخلافات حد الصدام.
في بلد مثل العراق، تتعدد فيه المشكلات والأزمات، لا يمكن أن يمر يوم أو بضعة أيام دون حدث كبير. فمنذ ما بعد عام 2003، هطل مطر الديمقراطية على الطريقة الأميركية، فيما انحبس المطر الذي ينزل من السماء، حيث لم يعد مناخ العراق مثلما كان في كتب الرحالة والجغرافيين «حار جاف صيفاً، بارد ممطر شتاءً»، بل حار جاف صيفاً وشتاءً، في مفارقة مناخية أثرت على كل شيء في هذا البلد الذي خسر كل شيء بعد الاحتلال الأميركي، ولم يربح إلا ديمقراطية عرجاء تتلاعب فيها القوى والأحزاب والكيانات والميليشيات مثلما تريد بلا حسيب ولا رقيب.
الانتخابات التي تجرى كل 4 سنوات أريد لها دون سند دستوري أن تكون مبكرة، وحين تم تحديد موعدها، وتم غلق باب الانسحابات منها حسب قواعد الديمقراطية، انسحبت قوى وأحزاب لهذا السبب أو ذاك، بينما بقيت مفوضية الانتخابات تضرب أخماساً بأسداس. ولأن الأحداث والحوادث التي كثيراً ما تفجر خلافات أحياناً عميقة تكاد لا تنتهي، فإن حصة أميركا من هذه النقاشات والخلافات في المقدمة دائماً، خصوصاً لجهة الموقف من الوجود الأميركي في البلاد بين رافض بالمطلق (الفصائل المسلحة الموالية لإيران)، ورافض بتحفظ مثل كثير من القوى السياسية الشيعية، وموافق على بقاء الأميركان بالمطلق مثل الأكراد، وموافق بتحفظ نسبي مثل السنة.
ما يحصل في أفغانستان الآن التي كانت قد سقطت قبل بغداد بسنة (سقطت كابل عام 2002، بينما سقطت بغداد عام 2003) فجر منذ يومين جدلاً واسعاً في العراق على مستوى النخب والسياسيين والمراقبين. ومَن يتفحص ردود الفعل الناجمة عن هذا الجدل يجده ينحصر بين مدى إمكانية التعويل على الأميركيين، لا سيما أن الفصائل الموالية لإيران كانت حتى وقت قريب تصر على أن أميركا لن تنسحب من العراق، وبين أهمية بناء دولة قوية بجيش وطني ذي ولاء واحد وهوية مواطنة موحدة، وهو ما يحاول تسويقه العرب السنة نخباً أو سياسيين، بينما ترى كثير من النخب الشيعية أن الجيش العراقي الذي حله الأميركيون عام 2003 لم يتمكن من الصمود عام 2014، على الرغم من إعادة بنائه وتسليحه أميركياً، أمام تنظيم داعش. وتجادل هذه النخب بأنه لولا «الحشد الشعبي» الذي تأسس بناء على فتوى المرجع الديني الشيعي الأعلى في العراق آية الله السيستاني لسقطت بغداد على يد «داعش»، بعد انسحاب 5 فرق عسكرية؛ أي قبل سقوط كابل على يد «طالبان» بسبع سنين.
أما الأكراد الذين هم وحدهم ليس لديهم اعتراض على الوجود الأميركي أو على ثمار الديمقراطية على الطريقة الأميركية، فيجدون أنفسهم أكثر أماناً من باقي مناطق العراق، حيث إنهم يتحصون بقوات البيشمركة ذات الولاء القوي للهوية الكردستانية، كما أنهم يتحصنون بالجبال التي طالما شكلت سياجاً آمناً لهم على مدى عقود طويلة من الزمن كانوا في خصام فيها مع الدولة الوطنية العراقية التي كان يحميها جيش قوي كثيراً ما تستخدمه السلطة في شتى الاتجاهات (حرب فلسطين مرة، أو غزو الكويت مرة، أو في الداخل مرة، حيث يقمع حركات التمرد: الآثوريون عام 1933، أو انتفاضة الشيعة عام 1991، أو الأكراد على طول الخط؛ ومثالها الأبرز الأنفال وحلبجة).
وبما أن العراقيين مختلفون على كل شيء، فإن السيناريو الأفغاني لا ينظر إليه من زاوية عراقية موحدة، تحكمها هوية مواطنة لا تزال مفقودة حتى على مستوى العلم والنشيد الوطني، بل ينظر إليه كل طرف من زاويته هو، وطبقاً لانتمائه الشخصي. فسنياً، تبدو المخاوف أكبر نظراً لعدم وجود قوة عسكرية لدى العرب السنة في المحافظات الغربية، باستثناء الحشد العشائري المرتبط أصلاً بالحشد الشعبي الذي هو بيد الشيعة قيادة وقواعد، الأمر الذي يضخم لدى السنة المخاوف من تكرار السيناريو الأفغاني. ففي عام 2014، عاش السنة تجربة مشابهة حين اجتاح تنظيم داعش محافظاتهم، بينما لم يتمكن الجيش العراقي من منعهم. والذي تصدى لـ«داعش» هو «الحشد الشعبي» الذي اختلفت النظرة إليه فيما بعد، بين رافض ونصف موافق، بسبب ما يعدونه ممارسات ارتكبتها بعض الفصائل المرتبطة بالحشد، بما في ذلك اختطاف وتغييب آلاف المواطنين السنة الذين لا يزال البحث جارياً عنهم بلا جدوى. أما كردياً، فإن الوضع يبدو أفضل نسبياً بسبب قوة شكيمة البيشمركة المتمرسين في القتال.
وشيعياً، يبدو الوضع أكثر تعقيداً. ففيما ترى أوساط كثيرة أنه لولا «الحشد الشعبي» لأسقط «داعش» مدن الشيعة، بما في ذلك المدن المقدسة، الأمر الذي يتطلب تقويته، ترى أوساط شيعية أخرى أن بناء جيش وطني يمكن أن يكون ضمانة ليس فقط لعدم تكرار أي سيناريو مستقبلي، بما في ذلك السيناريو الأفغاني، بل لمنع تقسيم العراق إلى دويلات طائفية، طبقاً لخطة قديمة كان قد تبناها الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن أيام كان سيناتوراً يزور العراق كلما أراد قضاء عطلة نهاية الأسبوع، قبل أن تتغير الأولويات والمعادلات.وأنه من غير المرجح أن يصبح العراق “أفغانستان ثانية”، بعد انسحاب القوات الأمريكية من البلاد
“دولة أفغانستان الجبلية هي واحدة من أقل الدول من حيث مستويات المعيشة، لكن العراق لا يزال يملك احتياطيات نفطية غنية، ولديه عائدات نفطية. هذا عامل قوي يدعم استقرار البلاد. وفي هذا الصدد، أعتقد أن العراق لن يتحول إلى أفغانستان”.
وعلى الرغم من وجود خلافات، بما في ذلك ذات الطابع الديني، وحقيقة، أن العراقيين أنفسهم ليس لديهم ثقة حتى الآن في المستقبل، وفي وجود قوة يمكن أن توحد الشعب بأكمله؛ لكنهم يسعون إلى عدم تفاقم الخلافات، التي نشأت بعد دخول القوات الأمريكية إلى البلاد.
شهد العراق تفجيرا، عشية عيد الأضحى، في مدينة الصدر شرقي بغداد، خلّف نحو 35 قتيلا وعشرات الإصابات؛ وتبنى تنظيم “داعش” (المحظور في روسيا) الهجوم.
وتشهد الساحة الأفغانية، في الفترة الحالية، مواجهات دامية بين الحكومة وحركة “طالبان”، التي أعلنت سيطرتها على مناطق واسعة في البلاد.
وتصاعدت وتيرة العنف والقتال، في ظل تعثر المفاوضات بين طرفي النزاع الأفغاني، للتوصل إلى اتفاق دائم لوقف إطلاق النار، وبحث المستقبل السياسي للبلاد.
غير أن الطرفين اتفقا لاحقا على تجنيب المدنيين والبنى التحتية أعمال العنف؛ فضلا عن تسريع وتيرة المفاوضات في العاصمة القطرية الدوحة.