في صيف كل عام تتعالى الشكوات عن انقطاع الغاز الإيراني الذي يغذي منظومة الكهرباء في العراق. في كل صيف ومنذ أمد بعيد يقدم الغاز الإيراني ذريعة لانعدام تام أحياناً في الكهرباء وانهيار مخيف في منظومة التوليد في بلد يتربع على خزين من النفط والغاز.

انقطاع الغاز الإيراني هو الجواب الذي اعتبره أنا شماعة تلقي عليها الدولة جل قصورها وتتهرب من فيض عيوبها. وزارة الكهرباء التي تتحجج بالغاز الإيراني، ألا تسال نفسها عجباً لماذا الغاز من إيران؟ لماذا لا يستثمر غاز العراق الذي يحرق في غالب الأحيان دون جدوى ويتعالى دخانه في عنان السماء ليذهب هباءً منثوراً؟. ألا تتساءل الدولة لماذا الغاز يستورد ولما لا يعتمد على الإنتاج الوطني من الغاز المصاحب لإنتاج النفط؟ ألا تسـأل الدولة نفسها إلى متى سيبقى الحال على ما هو عليه؟ّ!

من الملاحظ جلياً أن الحكومات التي تعاقبت على إدارة العراق في كل أربعة سنوات مرة، عملت وتعمل جاهدة على إلقاء اللوم على سابقاتها من الإدارات وكأنها وحدات منفصلة لا صلة لإحداها بالأخرى. وكأنها ليست دوام من سبقها من الكابينة الحكومية ويجب عليها قبول السلبيات ومعالجتها كقبولها الايجابيات والتمتع بها. بل وكأنهم دول منفصلة تماماً لكل منها استقلاليتها والكل يتبرأ من الذنب والكل يتهرب من الإصلاح ملقياً اللوم على الماضي وتراكمات الماضي. هكذا يبقى المواطن العراقي بين حانة ومانة دون أن يحصل على أبسط حقوقه المتمثلة بالتيار الكهرباء ليكون تحت وطأة صيف لاهب وحر عراقي بإمتياز.

إن الحديث عن تراكمات الماضي لا يعفي الحكومات الحالية من مسؤولياتها، بالعكس تماماً يجب أن يكون حافزاً للعمل الجاد على إيجاد حلول جذرية. لماذا لا تتساءل الدولة بجدية عن الأسباب الحقيقية التي تمنعها من استثمار ثرواتها الغازية؟ لماذا لا تُطرح خطط واضحة ومحددة زمنياً لاستغلال الغاز المحلي وإقامة محطات توليد تعتمد عليه؟ فالاستمرار في الاعتماد على الغاز المستورد يضع العراق في موقف ضعف سياسي واقتصادي ويجعله رهينة لقرارات دول أخرى. وهذا يتناقض تماماً مع فكرة السيادة الوطنية والاستقلالية في اتخاذ القرار. الحل ليس في البحث عن مصادر استيراد بديلة، بل في التفكير ملياً في كيفية تحقيق الاكتفاء الذاتي من الطاقة.

أزمة الكهرباء في العراق ليست لغزاً محيراً، بل هي نتيجة مباشرة لغياب الإرادة السياسية الحقيقية والفشل في التخطيط طويل الأجل.

هناك العديد من الأمثلة الناجحة من مختلف دول العالم التي اتبعت استراتيجيات متعددة لحل أزمات الكهرباء أو تجنبها. هذه الأمثلة تجمع بين الاستثمارات الضخمة في البنية التحتية، وتنويع مصادر الطاقة وإصلاح السياسات وتشجيع مشاركة القطاع الخاص.

على سبيل المثال لا الحصر ألمانيا والتحول الجذري إلى الطاقة المتجددة (Energiewende). فالتجربة ألمانيا في “التحول في مجال الطاقة” تعد من أبرز الأمثلة العالمية. بعد قرار التخلص التدريجي من الطاقة النووية في أعقاب كارثة فوكوشيما. حيث وضعت ألمانيا خطة طموحة للتحول نحو مصادر الطاقة المتجددة.

كذلك المغرب العربي والاستفادة من الموقع الجغرافي (مشروع نور). حيث أدرك المغرب إمكانياته الهائلة في الطاقة الشمسية ووضع خطة وطنية طموحة للاستفادة منها.

 مشروع “مجمع نور ورزازات للطاقة الشمسية” هو أحد أكبر محطات الطاقة الشمسية في العالم والذي يهدف المغرب بهذا المشروع إلى زيادة حصة الطاقة المتجددة إلى أكثر من 52% من مزيج الطاقة بحلول عام 2030. حيث قام المغرب باللجوء إلى شراكات مع مؤسسات تمويل دولية وبنوك إنمائية لتوفير التمويل اللازم لهذه المشاريع الضخمة. حتى أصبح المغرب مصدراً إقليمياً للطاقة النظيفة، مما عزز من أمن الطاقة وقلل من اعتماده على الوقود المستورد.

هناك أمثلة أخرى مثل البيرو الذي أشرك القطاع الخاص في مسألة إنتاج الطاقة الكهربائية بعد أن واجهت أزمة كهربائية جادة ف تسعينات القرن الفارط. كما في دول الخليج التي تواجه حراً شديداً ممثل العراق ولكنها تمكنت من التغلب على أزمة الكهرباء. حيث أنشأت دول مجلس التعاون الخليجي شبكة ربط كهربائي لتبادل الطاقة الفائضة بين الدول، مما يعزز استقرار الشبكة ويقلل من الحاجة إلى بناء محطات جديدة.

وبين كل النماذج المتاحة في مجال إنتاج الطاقة الكهربائية، يبقى المواطن في العراق ينتظر استواء التمر لينتهي الحر الشديد ومن ثم يتنفس الصعداء.

أحدث المقالات

أحدث المقالات